أثار فوز باراك أوباما بفترة رئاسية ثانية انتباه الجميع، وكان الطابع الاجتماعي والطبقي لهذا الفوز أمراً لفت أنظار المراقبين خارج الولاياتالمتحدة. من انتخب أوباما هم أغلبية الأقليات الأميركية، حيث كسب 93 في المئة من أصوات الأميركيين الأفارقة وهو ليس بالأمر المفاجئ، ولكنه استحوذ أيضاً على 71 في المئة من أصوات الأميركيين اللاتين، بينما نقص نصيبه من الأصوات الأميركيين البيض بنسبة 10 في المئة عما حصل عليه منذ أربع سنوات. تعتبر هذه نتيجة حتمية للتنوع العرقي المستمر للسكان الأميركيين وللحالات المتزايدة من التزاوج بين مختلف الأعراق والأصول الإثنية، مع ما يترتب على ذلك من تناقص المكون القوقازي الذي طالما كان المهمين على تشكيلة سكان الولاياتالمتحدة وعلى موروث ثقافة المؤسسين الأوائل. يعتبر الأميركي الأبيض البروتستنتي الأنجلو ساكسوني الشهير عرقاً آخذاً في التضاؤل في وقت استطاع فيه أوروبيون بيض غير بروتستنت وغير أنجلو أميركيين - من الأيرلنديين والسلاف والاسكندنافيين والفرنسيين والإيطاليين شق طريقهم نحو ما كان يفترض في السابق الطبقة الحاكمة. وتحركت حشود مهمشة ترنو إلى نسيم الحرية ومنهم من التحق بكلية كنيدي بجامعة هارفارد ثم توجه إلى وول ستريت (شارع المال والأعمال) ومن ثم إلى واشنطن العاصمة. يريد أولئك المنضمون إلى النخبة القيام بدورهم، ولم لا؟ ولكن ترى أي دور؟ هل هو الدور الأخلاقي أم التاريخي؟ ويبدو أن طموحات القادمين الجدد المنضمين إلى قطاع الشركات وقطاع المال والأعمال وحتى القطاع الحكومي، ربما تكون معبراً عنها في صور تظهر في إعلانات رالف لورين للأزياء وأثاث المنازل في مجلات لامعة على هيئة أناس راقين ذي وجوه ناضرة في مساكن جميلة لديهم سيارات فارهة يصطحبون كلابهم الأصيلة. يميل الليبراليون الأميركيون إلى تأكيد ما يبدو أنها ظاهرة الارتقاء والتطور الاجتماعي التدريجي في ظل عدالة موضوعية وسياسات منفتحة (وإن لم تكن حالياً مصحوبة بمساواة حقيقية أو عدل اجتماعي أو أخوة خالصة) وسط قطاع متنام ومتغاير من سكان أميركا يشكو كثير منهم من الفقر النسبي والأحوال المعيشية الصعبة. أما المحافظون فإنهم في رأيي مائلون إلى التأسف عما يحدث من تغيير دون أن يفصحوا عن ذلك، ولكن كان من شأن الأنشطة الصناعية والتجارية والزراعية الهائلة في أميركا تشجيع الهجرة بلا تمييز وأحياناً بلا شرعية من أجل توفير العمالة الزراعية والصناعية الرخيصة، ومن أجل كسر النقابات المهنية والصناعية وتوفير الخدم وتقديم المساعدة لأسر الطبقات العليا والمتوسطة (بالتأكيد لم يتوقع كبار القوم أن يصبح أناس من هذا القبيل ناخبين فيما بعد، ولم يدرك ميت رومني إلا في أواخر أيام حملته الانتخابية أنه كان ينبغي عليه أن يكون أكثر تقرباً ولطفاً بالمهاجرين الجدد وأبنائهم، غير أنه تأخر على ما يبدو كثيراً). وعلى كل حال، تغيرت الولاياتالمتحدة بسرعة مذهلة، لقد نشأت أنا في مجتمع أبيض يكاد يكون كله من أصول أوروبية، وكانت أمي عضواً في فتيات الثورة الأميركية، والتحقت أنا بمدرسة عامة منعزلة عنصرياً في حي منعزل عنصرياً مع أصدقاء منعزلين عنصرياً. وكنت طالباً بالجامعة حين تم قبول أول طالب أسود على مضض. وخضعت للتدريب للاشتراك في الحرب الكورية، في الجيش الأميركي الذي اضطر آنذاك إلى العزوف عن التمييز العنصري (وذلك بعد ثلاث سنوات من إصدار الرئيس هاري ترومات أمراً بذلك وتحت ضغوط الخسائر الكبرى في القوى البشرية التي لحقت بالجيش خلال الأسابيع الأولى من الحرب). الآن، انتخبنا لفترة ثانية رئيساً أميركياً أسود في دولة مؤلفة من العديد من الأصول العرقية والألوان والموروثات الثقافية، ليس من المستغرب ألا يتقبل البعض ما حدث، ولكنها دولتهم ونحن الأميركيين من قرر ذلك طوعاً أو كرهاً. ليس لدى قطاع كبير من السكان الأميركيين أدنى فكرة عما وصلت إليه الولاياتالمتحدة اليوم (وربما ينطبق الشيء ذاته على كبار السن الأميركيين أيضاً). كتب أحد الصحفيين الفرنسيين في عموده صبيحة الانتخابات (مدحاً في الروح المتحضرة الأميركية) أن الأطفال الأميركيين يحفظون الدستور عن ظهر قلب في المدارس الابتدائية. أتصور أنه كان يقصد بيان الاستقلال، لكنه كان مخطئاً في ذلك أيضاً. فالتلاميذ الأميركيون (على عكس التلاميذ الفرنسيين) لا يحفظون شيئاً في المدارس إلا أغاني الأطفال (وعهد الولاء للعلم حسب قرار الكونجرس، الذي يتلى عادة كتقليد غير مفهوم). فهل يمكن فعلاً حكم أميركا الجديدة الشاسعة هذه؟ لم تكن كذلك في السنوات الأربع الفائتة. يقول الحكماء إن النظام قد تفكك. نعم إنه تفكك. فهل هذا التفكك غير قابل للإصلاح؟ يقول الرئيس المنتخب إنه ليس كذلك. يتحدث أوباما عقب حملة رئاسية تشوبها المصالح المالية وتصفية الحسابات والكراهية، وهو أمر سبق حدوثه في التاريخ الأميركي، غير أنه يجب أن تؤخذ كلماته على أنها طمأنة مشروطة. لقد قال في خطاب فوزه "إن هناك روابط تجمع أكثر الأمم تنوعاً على وجه الأرض - وهناك عقيدة أننا نشترك في مصير واحد، وأن هذه الدولة لا تنجح إلا إذا قبلنا التزامات معينة متبادلة فيما بيننا والتزامات علينا للأجيال القادمة من ضمنها الحب والعمل الخيري والواجب والوطنية". ومن المنتظر أن يتم اختبار هذه الشروط على نحو لم يسبق له مثيل خلال السنوات الأربع المقبلة.