تاريخ طويل للاغتيالات السياسية في لبنان، لكن استشهاد العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، في تفجير سيارة ملغومة، جريمة لا تشبه بردود فعل الشارع كل الاغتيالات السابقة، ما عدا جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. فبعد اغتيال الحريري، وقعت جرائم سياسية كثيرة، لكن لم ينزل الناس إلى الشوارع في كل لبنان ولم تقطع الطرق ويطلق الرصاص ويتوافد الشباب إلى ساحة الشهداء. كل هذا حدث فقط في أعقاب جريمة اغتيال وسام الحسن، وهذه هي وظيفة الجريمة، وظيفة إيقاظ الفتن النائمة: الفتنة السنية السنية، السنية العلوية والسنية الشيعية وأن يحتدم الخلاف بين لبنان وسوريا أكثر فأكثر. كيف لا، وسوريا اليوم ضعيفة أكثر مما كانت ضعيفة في العام 2005 ولذلك، لن يكون مفاجئاً أن ينادي البعض، ليس في «14 آذار»، بل في مجلس الوزراء، بقطع العلاقات اللبنانية السورية وطرد السفير السوري وسحب السفير اللبناني من دمشق وإصدار مذكرات توقيف بحق بشار الأسد وبثينة شعبان. المتضرر الأول هو الدولة، لأن وسام الحسن ليس ضابطاً يخص طائفة أو حزباً ولا هو تصرف على هذا الأساس برغم ملاحظات كثيرين عليه. لقد لاحق الرجل وفريقه حوالي مئة شبكة استخباراتية صهيونية في لبنان، ليصبح صاحب السجل الأنصع بين كل قادة الأمن في لبنان والمنطقة. يكاد إجماع التيارات المعارضة السنية ينعقد على أن يدي بشار الأسد ملطخة بدماء الرجل الذي كان يناصبه العداء على الدوام، وكان يعرف أكثر مما يجب، ولم يكن شخصية عابرة. وكان الحسن مقربا لرئيس الوزراء الراحل، رفيق الحريري، قبل أن يصبح مقربا من نجله رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، كما كان مرشحا لتولي قيادة قوى الأمن الداخلي بعد تقاعد مديرها الحالي اللواء أشرف ريفي. كما أن لفرع المعلومات بقيادة الحسن الدور الأبرز أخيرا في كشف مخطط تفجير في لبنان، حيث اتهم به النظام السوري والوزير اللبناني الأسبق الموقوف ميشال سماحة، فضلا عن الدور الأساسي للفرع في التحقيق في سلسلة الجرائم التي استهدفت شخصيات سياسية لبنانية معارضة لسوريا بين العامين 2005 و2008، أبرزهم رفيق الحريري في 14 فبراير 2005. وسبق لضباط كبار في الفرع أن استهدفوا بتفجيرات، آخرهم الرائد وسام عيد الذي اغتيل في يناير 2008 ويعزى إليه الفضل في التقنية التي كشفت شبكة من الأرقام الهاتفية التي يعتقد أن حامليها مسؤولون عن تنفيذ اغتيال الحريري. أصابع الاتهام إلى الأسد أول من وجه أصابع الاتهام إلى بشار الأسد هي قوى 14 آذار المعارضة التي حملت صديقه الشخصي رئيس الوزراء نجيب ميقاتي مسؤولية مقتل الحسن، وطالبت باستقالة حكومته فورا. وقالت الكتلة في بيان إنها تحمل "رئيس الحكومة نجيب ميقاتي شخصيا.. مسؤولية دماء العميد الشهيد وسام الحسن ودماء الأبرياء الذين سقطوا في الأشرفية... وبناء عليه فإن هذه الحكومة مطالبة بالرحيل ورئيس الحكومة شخصيا مدعو إلى تقديم استقالته فورا. وأضافت أن "الشراكة الوطنية يستحيل أن تعيش وتستمرّ على وقع هذا المسلسل الرهيب من الاغتيالات السياسية، وعلى وقع التغطية السياسية التي يوفرها البعض لعمليات الاغتيال بدءاً من عملية اغتيال(رئيس الوزراء الأسبق) الشهيد رفيق الحريري إلى اغتيال العميد الشهيد وسام الحسن وكل شهداء انتفاضة الاستقلال". واعتبرت أن تسليم المتهمين باغتيال الحريري إلى الدولة اللبنانية لتتولى بدورها تسليمهم إلى المحكمة الدولية هو "المدخل لإنقاذ الشراكة الوطنية من الخطر والتأسيس لمرحلة وطنية، بل لشراكة وطنية في مواجهة مسلسل الاغتيالات السياسية في لبنان". جعجع يتهم أصدقاء الأسد بالوقوف وراء الاغتيال كما اتهم سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، نظام الأسد بالتخطيط لاغتيال العميد وسام الحسن، مشيرا إلى أصدقاء الأسد في لبنان وضلوعهم في تلك الجريمة. وتساءل جعجع: من غيرهم سيقوم بهذا العمل في هذا التوقيت بالذات؟ رافضاً إلقاء التهمة على العدو الصهيوني. ولفت جعجع إلى أن لبنان تعاني من اختراقات عدة، لا سيما أن زنة العبوة بلغت ما يقارب 30 كيلوجراماً أو أكثر من المتفجرات، متسائلاً: كيف أدخلت إلى حي مأهول كهذا؟ وأضاف "يجب أن يتسلم فريق جديد هذه الدولة". وأشار رئيس حزب القوات اللبنانية إلى أن الحسن، -وهو صديق شخصي له- هو الشهيد رقم 20، ولكن على الرغم من ذلك، أكد أن المسيرة مستمرة، وأن قوى 14 آذار، المعارضة للنظام السوري، لن تتراجع، مضيفا أن المجرم سيبلى بالأعظم، في إشارة إلى النظام السوري، "وقد بدأنا نشهد ذلك" حسب قوله. خدام يؤكد أن الهجوم جاء لطمس جرائم النظام السوري أهل مكة أدرى بشعابها، كذلك أهل النظام الحاكم في دمشق الذين عاشروه لعقود، ومنهم عبد الحليم خدام- نائب الرئيس السوري السابق، الذي صرح بأن اغتيال الحسن، كان قرارا مُعد له سلفًا من قبل نظام بشار الأسد، مؤكدًا في تصريح لقناة العربية أن "تخلص بشار الأسد من العميد وسام الحسن، نُفذ لطمس جرائم النظام السوري في لبنان، ومن أجل إحداث ذُعر بالأوساط اللبنانية، والتخلي عن دعم المعارضة في سوريا. وأضاف خدام أن "المتفجرات التي اُستخدمت في اغتيال وسام تم نقلها إلى الأراضي اللبنانية، بمعرفة وإشراف المستشار السياسي بالرئاسة السورية- ميشيل سماحة، مشيراً إلى أن جريمة اغتيال الحسن، ترتبط بتاريخ الوضع السياسي في لبنان، منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. كما أوضح نائب الرئيس السوري السابق، أن نظام الأسد استهدف "الحسن" لكونه أحد أبرز الأمنيين، الذين استطاعوا كشف جرائم النظام السوري في لبنان، ولذلك تم التخلص منه. سعد الحريري يتعهد بعدم السكوت على الجريمة اتهم رئيس وزراء لبنان السابق سعد الحريري الرئيس السوري بشار الأسد باغتيال وسام الحسن في تفجير بيروت الجمعة، وقال الحريري في اتصال مع تلفزيون المستقبل إن "من اغتال وسام الحسن مكشوف كوضح النهار، والأكيد أن الشعب اللبناني لن يسكت على هذه الجريمة البشعة وأنا أيضا سعد رفيق الحريري اتعهد لكم انني لن اسكت ولن اهدأ." ولدى سؤال المذيعة له عمن يتهمه في عملية الاغتيال رد قائلا "بشار حافظ الأسد". ويبدو أن الأسد بات يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأخذ يخبط غربا في لبنان، وشمالا في تركيا، وقطعا هو لا يريد أن يسقط وحده، أو يترك أعداءه يحتفلون بسقوطه بعد أن وجد نفسه محاصرًا بثورة مسلحة داخلية توشك أن تقتلع نظامه من الجذور.