المشكلة الأساسية بالنسبة لتصريحات "رومني" في مجال السياسة الخارجية لا تتمثل في كون موقفه حيالها متأرجحاً بشدة، أو كونه يتراجع كثيراً عن تصريحات أدلى بها من قبل لأن مثل هذه الأمور معتادة، ولا تمثل شيئاً استثنائياً في سياق انتخابات الرئاسة الأميركية. المشكلة الأساسية في حقيقة الأمر تكمن في الإجابة على أسئلة من قبيل: هل هناك مخطط أساسي كامن في تلك التصريحات؟ وهل يمتلك "رومني" فعلاً فهماً جاداً لعلاقات السياسة الخارجية الأميركية، وماضيها، وحاضرها، والمشكلات التي تمثلها للإدارة الجديدة؟ وهل هو قادر على تجميع ما يقوله من تصريحات في إطار سياسة وطنية متماسكة؟ الإجابة الواضحة على كل تلك الأسئلة هي: لا. وليس من قبيل المفاجأة أن نجد رجل أعمال ليس لديه أدنى فكرة، أو لديه فكرة محدودة، عن علاقات أميركا الدولية لأن اهتماماته تكون عادة في مكان آخر. ولكن عندما يقرر رجل الأعمال هذا خوض السباق الانتخابي الرئاسي، فإن المتوقع منه في هذه الحالة أن يبذل مجهوداً كي يقرأ ويتعلم، ومجهوداً جاداً كي يرى الأنماط، التي قد تكمن في" عمليات غسيل المخ التنافسية"(حسب تشبيه مستعار من جورج رومني والد ميت رومني)، التي يتم إجراؤها من قبل السياسيين المنافسين، وأجهزة الإعلام المختلفة، وعلى وجه الخصوص التلفاز والصحافة. لتقديم دليل واضح على صحة ذلك، علينا أن نتذكر أن "رومني"، وفي مرحلة مبكرة من الحملة، قال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي كان شريكاً تجارياً له في مرحلة مبكرة من مسيرتهما المهنية، وبالتالي فإنه سيثق بنصائحه حول شؤون الشرق الأوسط، وأنه لن يقدم أبداً على فعل شيء يتعارض مع تلك النصائح. لقد بدا رومني، وكأنه يريد أن يقول إن نتنياهو سيزوده دوماً بالنصائح غير المتحيزة، على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، حينما قال "رومني" ذلك، كان يحاول إساءة استغلال إدارة أوباما من خلال الابتزاز السياسي وتوجيه الطلبات المباشرة للكونجرس- متجاوزاً في ذلك الرئيس- لإقناعه بدعم هجوم إسرائيلي على إيران، والانضمام لإسرائيل في مثل هذا العمل. ودون الدخول في تفاصيل الجدل الدائر حول الموضع، الذي تقف فيه إيران في الوقت الراهن، والمرحلة التي وصلت إليها بشأن تصنيع السلاح النووي، وبشأن ما تنوي عمله بهذا السلاح إذا ما تمكنت فعلاً من إنتاجه، -وهما أمران يختلف بشأنهما المتخصصون اختلافاً شديداً- فإن الشيء المؤكد أن المرشح للرئاسة سواء كان "جمهورياً" أو "ديمقراطياً" – يجب أن يكون مدركاً وفاهماً لما يدور حوله من أمور. لو كان "رومني" يقرأ الصحف، ويسأل المستشارين لأدرك أن مصلحة إسرائيل، كما يراها نتنياهو، ومصلحة حزب نتنياهو نفسه تكمنان في إقناع الولاياتالمتحدة بشن هجوم على إيران، أو جعلها تؤيد ذلك الهجوم على الأقل. ومن هنا يمكن القول إن "رومني" بتصريحاته أبعد ما يكون عن الحياد، وأنه قد قدم لإسرائيل على طبق من فضة تعهداً بشن حرب لا يريدها الرأي العام الأميركي. وبعد أن أحرز "رومني" نقاطاً في المناظرة مع أوباما الأسبوع الماضي، أصبح لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي من الأسباب ما يدفعه للأمل في فوز "رومني" في الانتخابات. لقد أعلن "رومني" الذي يدعي أنه رجل اعتدال، أن روسيا هي أكبر عدو استراتيجي لأميركا، وأن الصين دولة تتلاعب بالعملات، وهو ما مكنها أن تدوس على أميركا خلال العشرين عاماً الماضية. ورومني بهذه التصريحات يؤكد أنه سيدخل إلى مكتبه في البيت الأبيض، إذا ما فاز في الانتخابات، وهو ينظر إلى تلك الدولتين على أنهما عدوتان. ما الذي يدفعه إلى ذلك؟ وهل خلق أعداء أقوياء شيء يمكن أن يضمن لمرشح ما الفوز؟ و"رومني" يشجب الدين العام الذي يصفه رئيس الأركان المشتركة ووزير الدفاع بأنه "التهديد الأول للأمن القومي الأميركي"، ومع ذلك نراه يوجه النقد لأوباما على التخفيضات "المتعسفة والمعوقة" في الإنفاق الدفاعي. ويعد إذا تولى الحكم بإنفاق المزيد على الأسلحة! ومرة ثانية نتساءل: لماذا؟ ومع من يتصور الحرب الجديدة التي يمكن أن تخوضها أميركا؟ هذا يقودنا إلى موضوع مستشاري الرئيس وهم كثيرون، وينتمون إلى مدارس فكرة متعددة ومتنوعة: فهناك على سبيل المثال أصحاب النزعة الدولية المخضرمون ممن عملوا في إدارة جورج بوش الأب، والذين يأملون في استرداد الاعتدال، ومراعاة القانون الدولي، والوجه الأخلاقي للسياسة الخارجية الأميركية. وهناك "المحافظون الجدد" من بقايا إدارة جوج بوش الابن من المسؤولين عن غزو العراق وأفغانستان والمستعدين لتكرار نفس الشيء مع إيران. وإذا تولى "رومني" منصب الرئيس فسينخرط، كل هؤلاء في معارك شرسة مع بعضهم بعضا حتى يعودوا إلى مراكز القيادة، على الرغم من حقيقة أنهم يتناقضون فيما بينهم في الأفكار والمواقف. ما يمكن قوله في نهاية المطاف، إن كل مادة من المواد التي تضمنتها تصريحات وإدعاءات "رومني" السياسية تخاطب شريحة معينة من الناخبين يسعى لكسب أصواتها. ولكننا إذا نظرنا إلى تلك المواد في مجموعها، فسندرك أنها تمثل أحجية معقدة أو خليطاً مشوهاً يحتاج إلى معلومات يمكن استخدامه لخلق شيء متماسك منه. ولكن ليس هناك للأسف سوى القليل من الأدلة التي يمكن أن يستدل منها على أن "رومني" هو من يمتلك تلك المعلومات.