رغم مشاركة مصر الفعالة في حصار أهلنا في غزة وارتفاع حالات الوفيات لأكثر من 45 شهيدا حتى الآن بسبب الحصار الخانق والظالم إلا أن الكونجرس الأمريكي قام بتعليق 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. وقد رفضت مصر قرار الكونجرس الامريكي، كما رفضت القاهرة بشدة أية شروط على قرارها الوطني، سواء صدرت تلك الشروط من أية دولة، كبرت تلك الدولة أو صغرت، ولفتت وزارة الخارجية المصرية في بيان في القاهرة إلى ان (شعب مصر وقواه الوطنية تتمسك بحرية القرار المصري داخلياً وخارجياً). وحملت وزارة الخارجية المصرية اللوبي الصهيوني وقوى لم تسمها داخل وخارج الولاياتالمتحدة مسؤولية إلحاق الضرر بعلاقات البلدين. وفى أول رد فعل له على قرار الكونجرس الأمريكي قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكي «لقد كان واضحا منذ بداية إثارة الموضوع في الكونجرس، وجود قوى داخل وخارج الولاياتالمتحدة، يهمها إلحاق الضرر بالعلاقات المصرية الأمريكية من خلال فرض شروطها على مصر مع علمها التام بالموقف المصري الثابت برفض الإملاءات الخارجية.
وأكدت تقارير صحفية نقلا عن مصادر ديبلوماسية ان مصر حمّلت إسرائيل المسؤولية عن إصدار الكونجرس الأمريكي قراراً بتعليق صرف 100 مليون دولار من المساعدات المقدمة لمصر إلى حين الإيفاء بشروط محددة. وقالت المصادر المصرية إن جماعات الضغط الصهيونية تعمل على مناكفة المصالح المصرية منذ فترة خصوصاً في الكونجرس، مشيرة إلى أن وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ورئيس الاستخبارات الوزير عمر سليمان أبلغا وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني ورئيس الوزراء إيهود أولمرت في لقاءات سابقة أن القاهرة ستعتبر تل أبيب مسؤولة عن أي إضرار بمصالح مصر في الكونجرس وأن ذلك سيترتب عليه تداعيات سلبية على العلاقات بين مصر وإسرائيل.
وكان مجلسا الشيوخ والنواب (الكونجرس الأمريكي) قد اتفقا في اجتماع مشترك في منتصف الأسبوع الماضي على تعليق صرف 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية أو الاقتصادية لمصر في ميزانية 2008 مع منح وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الحق في إعادة صرف هذه الأموال لمصر بعد 45 يوما من هذا القرار إذا رأت في ذلك خدمة لمصلحة الأمن القومي الأميركي.
واعتبر مراقبون أن هذا التفاهم بين مجلسي الشيوخ والنواب جاء كحل وسط بين قرار مجلس النواب بتعليق صرف 200 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، وقرار مجلس الشيوخ الرافض لهذا التعليق أو ربطه بشروط ضمنها النواب في قرارهم ومن بينها رصد وتدمير ما بشبكة التهريب عبر الأنفاق التي يتم حفرها بين مصر وغزة.
وقد طلبت مصر من خلال اللجنة الثلاثية (الاميركية الإسرائيلية المصرية المشتركة)، المعنية بمراقبة حدود مصر مع كل من قطاع غزة وإسرائيل، زيادة عدد القوات المصرية على المسموح بتواجدها على خط الحدود، وتزويد هذه القوات بأدوات ومعدات تقنية حديثة تمكنها من رصد أعماق الأرض، وكشف الأنفاق، وكذلك تزويدها بسيارات حديثة تمكنها من التحرك السريع بطول خط الحدود، إلا أن إسرائيل تحفظت على الطلب المصري، فيما وعدت أمريكا بالنظر في الطلبات المصرية،.
وقد أكدت مصادر خاصة أن الكيان الصهيوني بعث بأشرطة مصورة إلى قيادات الكونجرس عبر القنوات الديبلوماسية تزعم فيها أن رجال أمن مصريين يساعدون مقاتلين فلسطينيين على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة في تهريب الأسلحة، للتأثير على المشرّعين الأمريكيين. وأوضحت المصادر أن مصر كانت سلمت الجانب الأمريكي مذكرة تحوي أدلة على أن جنوداً إسرائيليين هم المسؤولون عن تهريب الأسلحة التي تصل غزة عن طريق البحر. وأكدت المصادر أن جهوداً ديبلوماسية مصرية نجحت في تخفيف شروط القرار، وجاء كحل وسط بين قرار سابق لمجلس النواب بتعليق صرف 200 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر وآخر لمجلس الشيوخ الرافض لهذا الأمر. والشروط التي نصت عليها الصيغة التي أقرت، هي إحراز مصر تقدماً في تبني وتطبيق إصلاحات قضائية تصون استقلالية القضاء، ومراجعة الإجراءات الجنائية وتدريب قيادات الشرطة على الممارسات الحديثة للأمن للحد من انتهاكات أفرادها، ورصد وتدمير شبكة تهريب الأسلحة عبر الأنفاق التي يتم حفرها بين مصر وغزة.
وقال الدكتور نبيل فهمي سفير مصر لدي الولاياتالمتحدةالأمريكية أن الرفض يأتي علي الرغم من تخفيف الصياغة مقارنة بالصياغة السابقة للمشروع في مجلس النواب التي كانت تفيد باحتجاز200 مليون دولار من المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر لحين قيام وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بإفادة الكونجرس بإجراء مصر لإصلاحات في مجالات استقلال القضاء وحسن معاملة الشرطة للمترددين علي الأقسام وضبط الحدود مع قطاع غزة خاصة وقف تهريب الأسلحة إلي داخل القطاع.
لطمة جديدة وقد مرر الكونجرس الأمريكي طبقا لما أعلنه موقع :أمريكا إن أرابيك" أول أمس تشريعًا شاملاً يشمل إنفاق المخصصات العسكرية وإنفاق العمليات الخارجية يعلن فيه عدم خضوع المعونة لمصر أو من يتلقاها لأي إشراف حكومي مصري بأي شكل، وعلى واشنطن تخصيص 50 مليون دولار لتغيير نظام التعليم في مصر منها 10 ملايين دولار لتعليم المصريين في مؤسسات أمريكية في عام 2008م.
وينص القانون الذي جمع المخصصات السنوية للعمليات الخارجية لوزارة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى قانون الإنفاق العسكري للولايات المتحدة والذي جاء فيه في القسم الخاص بمصر أن الكونجرس قد وافق على تخصيص 415 مليون دولار كمعونة اقتصادية لمصر، توزع على أساس أنها "منح" مقابل قيام مصر "باتخاذ إصلاحات ديمقراطية واقتصادية كبيرة تضاف إلى التغييرات التي حدثت في السنوات المالية السابقة".
وجاء في نص القانون النهائي- الذي صدر بتاريخ 17 ديسمبر الجاري- أن الحكومة المصرية لن يكون لها أي دور رقابي أو إشرافي على كيفية إنفاق المعونة أو من يتلقاها داخل الأراضي المصرية، ليكون الدعم مباشر بين واشنطن والمنظمات والهيئات والأفراد المتلقين للمعونة.
ونص القانون: "ينص التشريع، أنه فيما يتعلق بكيفية تقديم المعونة لمصر من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وأنشطة الحكم، فإن المنظمات التي ستنفذ هذه المعونة والطبيعة المحددة لتلك المعونة لن تخضع للموافقة المسبقة من قبل حكومة دولة مصر".
وجاء في نص التشريع أن ما لا يقل عن 135 مليون دولار من إجمالي المعونة الاقتصادية ستوزع في شكل إسهامات أمريكا للمشاريع المصرية، والتي يدخل فيها عادة مكون أمريكي وبشرط ألا تقل منها قيمة المخصصات الأمريكية لبرامج "الديمقراطية، وحقوق الإنسان والحكم" عن 20 مليون دولار.
كما أورد نص التشريع أن ما لا يقل عن 50 مليون دولار من إجمالي ال135 مليون دولار ستخصص لما أسماه القانون "برامج التعليم" منها 10 ملايين دولار كاملة "يجب أن تتاح من أجل المنح التي تقدم للطلبة المصريين ذوي الاحتياجات المالية ممن يحتاجون لحضور مؤسسات تعليمية أمريكية معتمدة للتعليم العالي في مصر"، وهو ما قد يقصد به الجامعة الأمريكية في القاهرة.
ويسمح القانون كذلك لمصر وبعض حلفاء أمريكا العسكريين الآخرين بعملية "تأجير" بعض المواد العسكرية الأمريكية من وزارة الدفاع الأمريكية تحت بند "تأجير بغرض الشراء"، وهو ما يسمح شراء تلك المعدات لاحقًا لتلك الدول.
يذكر أن المعونة المدنية الاقتصادية الأمريكية لمصر بدأت في عام 1975م على يد هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، وبلغت 815 مليون دولار سنويًّا بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع "إسرائيل"، وخصصت معظمها لعملية فتح مصر اقتصاديًّا أمام الأعمال الأمريكية وتكوين طبقة من رجال الأعمال الأثرياء المحليين المتحالفين مع واشنطن، إلا أن المعونة بدأت تنخفض اعتبارًا من عام 1998م سنويًّا بمعدل 40 مليون دولار.
يذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش قد طلبت من الكونجرس في ميزانية المساعدات الأمريكية لعام 2008م مبلغ 1.72 بليون دولار للمساعدات العسكرية لمصر و415 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية، غير أن أعضاء من الكونجرس طلبوا في الشهر الماضي ربط إرسال 200 مليون دولار من المعونة لمصر بمحاربة القاهرة تهريب الأسلحة والمتفجرات من سيناء إلى قطاع غزة بعد شكاوى من "إسرائيل" أن هذه العمليات تهدد أمنها القومي.
وقد طالب المهندس سعد الحسيني- عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين- بضرورة أن تَرْعَى الحكومةُ المصريةُ حوارًا فلسطينيًّا بين الفصائل الفلسطينية، وألا تحابيَ أحدًا دون الآخر، مشيرًا إلى أنَّ المنتظَر من مصر الشقيقة الكبرى أن تبذُلَ المزيدَ من الجهود لفك الحصار عن غزة، مؤكدا أن منع وصول الوقود إلى سكان قطاع غزة يعتبر حرب إبادة جماعية للفلسطينيين، الذين هم على مرمى البصر منا في ظل تواطؤ دولي مشين!! مشيرًا إلى أن ذلك يحدث في وقت نضمن نحن فيه للصهاينة تدفُّقَ الغاز المصري وبتكلفة محدودة وحميمية ورضا!
وطالب بضرورة زيادة قدرة الشبكة الكهربية بيننا وبين قطاع غزة لتتحمَّل الطاقة الكهربية التي يحتاجها القطاع بالكامل، وإنشاء خط أنابيب لإمداد القطاع بمتطلباته من الغاز، وتبنِّي حملة تبرعات رسمية وشعبية لتنفيذ هذين المشروعَين.
وتساءل الحسيني عن المعوِّقات التي تمنع مصر من فتح معبر رفح لتخفيف الخناق على الفلسطينيين؟ وما هي الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها لتخفيف الحصار عن قطاع غزة وردع الكيان الصهيوني عن استهداف سكان القطاع بالعقوبات الجماعية؟ وهل تعلم الحكومة مدى الوضع الإنساني الكارثي الذي وصل إليه القطاع؟ وهل تدركون أن فرض الحصار يهدد الأمن القومي المصري وأن انفجار الأوضاع داخل القطاع سيكون لها تأثيرٌ مدوٍّ على المنطقة بأثرها؟!