يقترب التاريخ من عالم الميثولوجيا فى أغلب كتابات المؤرخين الأوائل، كونه يعتمد على النقل الشفهى فى تثبيت المعلومة التاريخية، وإيصالها بشكل تختلط فيه الحقيقة بالأسطورة، بشكل يدعو إلى حيرة الباحثين والدارسين لجانب معين من التاريخ. فكيف بنا إذا كان هذا التاريخ فيه جانب يخص منطقة جغرافية إسلامية عريقة مدفون فيها نبى من أنبياء الله الصالحين بعد السبى البابلى ألا وهو نبى الله (ذو الكفل). ويتطرق السيد (عامر هادى الذرب) الذى يعرف جميع أهالى المنطقة، وغيرهم الكثير، عائلتهم الكريمة ومواقفها الشجاعة ضد كل مَنْ يسىء للتراث الإسلامى، ولسمعة العرب المسلمين، ويتطرق إلى الحقيقة الثانية التى يحاول فيها أن يثبت بالدليل والبرهان، أن النبى اليهودى (حزقيال) هو غير النبى (ذو الكفل) الذى ذكره القرآن الكريم والذى تكرر فيه مرتين، كانت المرة الأولى فى سورة (ص) وفى الآيتين (48، 49) «وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (*) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ»، مثلما جاء ذكره فى سورة الأنبياء وفى الآية رقم (85): «وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ»، واسم «ذا الكفل» تكرر مرتين مقرونا باسم إسماعيل فى الكتاب المنزل، إضافة إلى عدم ذكره فى التوراة. وكنت قد عرفتُ السيد (عامر هادى الذرب) مناضلا صلبا فى الحركة الوطنية العراقية، ودارسا لكتب التاريخ العربى الإسلامى، وتاريخ الاستشراق، يقرأ ويتفحص ثم يستنتج. والميزة الأولى -أقصد الانخراط فى الحركة الوطنية العراقية- أكسبته الصبر والتأنى والحكم على الأشياء بتروٍّ ونظرة نافذة وبصيرة كما جده وأبيه (رحمهما الله). وكان لغياب السيد (هادى الذرب) والد كاتب هذه الدراسة أثرٌ مهمٌ وتداعيات كبيرة وحكايات لا تزال تتردد على أفواه الرجال والنساء عن هيبته ومكانته وشجاعته ومواقفه المشهورة فى حمايته القيم والتقاليد الأصيلة، ولقد قيل فى غيابه: (كان أول الكبار وآخرهم). إن هذه الدراسة مرتبطة فصولها ارتباطا وثيقا، ذات أسلوب سلس شيق متين العبارة، تجعل من القارئ لا يتأثر بها إلا بعد الانتهاء منها، وهى مليئة بالشواهد والمصادر الموثوقة، ما يزيد ثقة المتلقى بكاتبها، وقسم منها يأتى ردا على أستاذ فاضل -كما ذكره الكاتب- فى جريدة «المؤتمر» الصادرة فى لندن، العدد (93) لسنة 2000 عن منارة الكفل وصاحب مرقد الكفل. وهذه المقالة والدراسة -أقصد دراسة الأستاذ عدنان الظاهر- فيها من الأخطاء التاريخية والاجتماعية والتخرصات والتحامل على التاريخ القريب والبعيد الشىء الكثير، والذى يتنافى مع أبسط شروط البحث الأكاديمى الرصين، ومن التشويهات لمعالم تاريخية شاخصة أثارت استغراب واستنكار أهالى المدينة (الكفل)، ومع ذلك سجل السيد عامر هادى الذرب سابقة أخرى للكاتب المذكور أعلاه وهى نشر رده بين طيات هذه الدراسة امتثالا للمروءة وحق الرد ولكى يطلع القارئ على الرأى الآخر. ومن أجل فك الارتباط بين النبى العربى الإسماعيلى (ذى الكفل)، ونبى اليهود (حزقيال)، ولضرورة إعادة كتابة التاريخ تشكل هذه الدراسة وجهة نظر الكاتب بها أو الاعتراض عليها. إن لليهود الخارجين من إبط الصهيونية العالمية بصمات واضحة فى تشويه التاريخ الإسلامى على مر العصور، ويذكر الكاتب حادثتين وقعتا فى العهد العثمانى، نذكر أولهما التى تخص منارة الكفل الإسلامية ومسجدها، وتطاول اليهود ومحاولتهم طمس معالمها، ولكن الحاج (ذرب) أفشل محاولتهم الخبيثة تلك، ومنعهم من الوصول إلى أهدافهم المشبوهة، وذلك بتقديم شكوى بالتفصيل إلى الباب العالى فى الأستانة، إذ أرسل الباب العالى وفدا لتقصى الحقائق، ولكن اليهود أغروا الوفد بما يملكونه من مال ودهاء، فقام الوفد المذكور بتصوير (المرقد) فحسب، وأهمل تصوير (منارة الكفل)، ولكن اللعبة انكشفت والحمد لله بجهود (الحاج ذرب)رحمه الله، الذى كان سادنا للمرقد، ورئيس بلدية الكفل آنذاك، وهو جد كاتب هذه الدراسة القيمة. إن جهد الكاتب ودأبه واضحان، وهو كشف الزيف الذى لحق بهذا الصرح الإسلامى الكبير، وتحرير صفحات كثيرة عن تاريخ مدينة الكفل العربية الإسلامية الناصع، وفضح نوايا أذناب الصهيونية من العرب واليهود، ومَنْ لف لفهم من المستشرقين والمتحاملين على كل ما هو عربى وإسلامى وجميل تحت سماء الله، وخاصة أرض العراق العزيز. وبعد.. إن هذه الدراسة تطفح بالروح الوطنية الوثابة، وتستمد حيويتها من تراث عربى وهّاج وثرى ملىء بالإشارات والشواهد التى يستطيع أى كاتب أو باحث مثابر أن يجد الشذرات والمواقف بين طيات كتب التاريخ المرموقة، ويستعين بها ليرد على الذين ذبحوا الحضارة العربية الإسلامية من الوريد إلى الوريد، وحاولوا تجفيف منابعها. هؤلاء الجناة الذين لن يغفر لهم التاريخ أبدا، وأكيد سيظهر شرفاء آخرون من الأجيال القادمة يرشقون أولئك بكلمات من سجيل، لا تبقى لأسمائهم ولا تذر من أثر يذكر. أتمنى من الله للكاتب دوام التوفيق والصحة من أجل الوقوف بوجه دينصورات الثقافة من كل الأجناس والألوان والجهات.. إنه سميع مجيب، وهو ولى التوفيق.