بقلم : رفعت سيد أحمد * فلنختلف معهم ما شاء لنا الاختلاف ، ونحن بحكم فهمنا للإسلام وللسياسة وللعالم من المختلفين معهم ؛ ولكن لا ينبغى ولا يستقيم أخلاقياً وسياسياً أن نصمت عما يتعرضون له منذ خمس سنوات من انتهاك بشع لإنسانيتهم ودينهم وكرامتهم ، إننا نقصد هنا (أسرى جوانتنامو) من المسلمين الذين يربو عددهم على ال 760 معتقلاً أغلبهم برئ من أحداث 11 سبتمبر 2001 ، جئ بهم من أفغانستان والعراق والسعودية ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية بتواطؤ واضح وجلى من حكومات هذه البلاد لتخلق واشنطن من خلالهم أكبر جريمة ضد حقوق الإنسان فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين ، لقد دشنت عبر صناعتها وإدارتها لهذه الجريمة الإنسانية الكبرى عصر البلطجة السياسية بامتياز تحسد عليه . * قبل أيام مرت الذكرى الخامسة لافتتاح هذا المعتقل الرهيب الذى يعامل فيه الإنسان (والذى تصادف هنا أنه مسلم عقيدة وأيديولوجيا) بطريقة أحط من الحيوان ذاته . * حول هذه الجريمة نسجل ما يلى من هوامش معلوماتية وسياسية علها توقظ النوم الهاجعين: أولاً : يقع معتقل جوانتنامو على مسافة ألف كيلو متر من العاصمة الكوبية هافانا ، وقيل أن واشنطن كانت قد استأجرته من كوبا مقابل 5 آلاف دولار سنوياً التى ترفض بدورها استلام الإيجار وتطالب باسترداد القاعدة البحرية (المعتقل الآن) جوانتنامو منذ العام 1960 ، يحدثنا التاريخ أنه منذ 2001 تم اعتقال مئات ممن اعتقلتهم واشنطن فى حربها على الإرهاب وأودعتهم القاعدة التى حولتها معتقلاً تتعالى الصرخات المطالبة بتحديد مصير شبان حرموا من أبسط حقوق الإنسان داخله . ولا تعتبر أجهزة الهجرة الأمريكية ، معتقل جوانتنامو الذى استقبل بين عامى 1994و1996 عشرات الآلاف من لاجئى القوارب من كوبا وهايتى ، أراضى أمريكية ، وكان 500 عسكرى تمركزوا فى المعتقل لدى افتتاحه فى يناير 2002 ، أما اليوم فأصبح يضم آلاف العسكريين والموظفين والمعتقلين الضحايا . واحتجز فى المعتقل الأوسع فى العالم حالياً ، حوالى 760 سجيناً (كما سبق وأشرنا) 395 منهم مازالوا موقوفين فيه ، ولم نوجه التهم رسمياً سوى إلى عشرة منهم ولم يحاكم أحد . وأهم المآخذ على هذا المعتقل وفقاً لأحدث تقارير صدرت عنه وأعدته وكالة أنباء رويترز ، انه دمر حياة المئات وأساء إلى سمعة الولاياتالمتحدة ، ما أعطى ذريعة لجمعيات مدافعة عن حقوق الإنسان ومجموعة من الناشطين الأمريكيين المناهضين للحرب للتظاهر عدة مرات خلال السنوات الماضية على بعد أمتار من أسوار المعتقل ، تحديداً خلف السياج الذى يفصل " خليج جوانتنامو " عن الأراضى الكوبية . ويشارك ثلاثة معتقلين بريطانيين سابقين فى نشاطات مناهضة لجوانتنامو ، إذ أعلنت " منظمة العفو الدولية " ان اثنين منهم هما : روحال أحمد وشفيق رسول ، حضر فى اليابان عرض فيلم "الطريق إلى جوانتنامو" المستوحى من تجربتهما ، أما الثالث آصف إقبال فتظاهر أمام سياج المعتقل خلال يناير الماضى 2007 . وانضمت زهرة زواوى والدة المعتقل عمر الدغيس إلى المتظاهرين فى كوبا قبل أيام وإلى جانبها داعية السلام الأمريكية الشهيرة سيندى شيهان ، وزهرة وابنها من سكان بريطانيا وهما لاجئان سياسيان من ليبيا ، وقصد عمر باكستان للحصول على تأشيرة لزوجته الأفغانية حين اعتقل عام 2002 . وفى وقت شملت التظاهرات الولاياتالمتحدة وإسبانيا وإيطاليا وفلسطين ، أعلنت منظمة العفو عن تجمع لبناء مجسم لجوانتنامو أمام السفارة الأمريكية فى لندن ، ارتدى خلاله المتظاهرون ملابس برتقالية فى الوقت الذى صمتت فيه العواصم العربية !! . ثانياً : هذه التظاهرات التى انطلقت فى العالم أجمع خلال الذكرى الخامسة لافتتاح هذا المعتقل الرهيب التى لاقها إضراب مفتوح عن الطعام من قبل حوالى أحد عشر معتقلاً تواكب أيضاً مع حقائق رهيبة بدأت تتكشف عن حجم المعاناة التى يعيش وسطها الأسرى الأبرياء فلقد صرحت المحامية الأمريكية " تيريز " التى التقت عشرات المعتقلين فى جوانتنامو العام الماضى 2006 بأن معظم الأسرى مازال يخضع لأشد درجات العزل فى جو من الترهيب والاستفزاز والعنف ، ولقد اعترف الجيش الأمريكى ومكتب التحقيقات الفيدرالى (إف بى آى) ، بأن المعتقلين خضعوا لعزلة تامة لشهور مع استجوابهم على مدى 20 ساعة يومياً طيلة أسابيع ، تعرضوا خلالها للإهانة والضرب المبرح . وبعد محاولات إضراب عن الطعام قمعت بالقوة ، عبر تقنية تغذية إجبارية مؤلمة ومذلة ، وبعد عشرات من محاولات الانتحار ، عثر على ثلاث جثث لمعتقلين انتحروا فى زنزاناتهم فى حزيران (يونيو) 2006 ، آنذاك قال العميد هارى هاريس قائد قاعدة جوانتنامو: " انهم محتالون ومبدعون وأعتقد بأن الأمر لا يتعلق بعملية يائسة بل بعمل حربى " (!!) إلى هذا الحد ضمير هذا الجنرال قد مات ولسانه قد ازداد وقاحة توازى وقاحة رئيس دولته !! . ولم يقتنع المجتمع الدولى بتلك التبريرات ، وتكثفت الدعوات التى انضم إليها البابا والأمم المتحدة لإغلاق جوانتنامو ، بل انضم أقرب حلفاء الرئيس جورج بوش رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير " بخجل " إلى تلك الدعوات ، معترفاً بأن المعتقل يشكل " وضعاً شاذاً " . وفى ظل سجال حول قانونية أصول المحاكمات التى استحدثها البيت الأبيض فى المعتقل ، كتب المعتقل البحرينى جمعة الدوسرى لمحاميه فى أكتوبر 2005 قبل أن يحاول الانتحار : "يعانى المعتقلون شعوراً بالمرارة واليأس والمهانة بسبب الاعتقال .. إلى متى تستمر هذه المأساة " طبعاً لم يجبه أحد عن سؤاله بل تواطئ الجميع عليه وصمتوا . ثالثاً : تحركت منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان العالمية للدفاع عن معتقلى جوانتنامو، فى الوقت الذى صمتت فيه أغلب المنظمات العربية ... لماذا ؟ لأنها فى أغلبها للأسف تتمول من هيئات أمريكية وغربية لها أجندة سياسية ضد حقوق الإنسان العربى الحقيقية وضد مصالح هذه الأمة وبالذات مصلحتها فى مقاومة مشروع الهيمنة الأمريكى / الإسرائيلى ، وها هى منظمة العفو الدولية ، وفى الذكرى الخامسة لافتتاح هذا المعتقل تصدر بياناً هاماً تهاجم حكومة الولاياتالمتحدة ، وتدعو فيه المجتمع الدولى إلى " التحرك لممارسة ضغوط " على الولاياتالمتحدة لإغلاق معتقل جوانتنامو العسكرى الأمريكى فى كوبا . وأفادت المنظمة التى تتخذ من لندن مقراً لها ، فى بيان أصدرته فى الذكرى الخامسة لوصول أوائل المعتقلين إلى قاعدة جوانتنامو : " لا يكفى أن يبدى قادة العالم قلقهم فى شأن جوانتنامو ويواصلوا العمل مع الولاياتالمتحدة كأن شيئاً لم يحصل " ، وأضافت : " يجب أن ينشط المجتمع الدولى فى ممارسة ضغوط لدفع الولاياتالمتحدة على احترام القانون الدولى مجدداً " وأشارت المنظمة إلى أن أكثر من 760 شخصاً من 45 جنسية ، بينهم أطفال فى الثالثة عشرة اعتقلوا فى جوانتنامو منذ 11 يناير 2002 بينهم 395 شخصاً مازالوا قيد الاحتجاز . ونددت العفو الدولية ب " ممارسة التعذيب والإهانة والتمييز والتحايل على المحاكم والإخلال بالواجبات التى تنص عليها المعاهدات ، فى ظل غياب شبه تام لأى عقوبة " . وقالت : " لا يمكن أن يوضع أحد خارج حماية القانون ، كما لا تستطيع أى حكومة أن تضع نفسها فوق القانون ، ويجب أن توقف الإدارة الأمريكية تحريف العدالة " . وأكدت المنظمة أن معتقلى جوانتنامو جميعهم يجب أن يحظوا بمحاكمة عادلة بلا تأخير أو يفرج عنهم ، مشيرة إلى أن بعضهم جلبوا من جامبيا وموريتانيا ومصر وأندونيسا وتايلاند وباكستانوأفغانستان فى أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر 2001 . وترى المنظمة أن معتقل جوانتنامو يشكل " محور شبكة السجون السرية وعمليات نقل المعتقلين التى نفذتها الولاياتالمتحدة عبر العالم بالتعاون مع حكومات أخرى فى أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا " . وقالت : " حان الوقت للولايات المتحدة وشركائها فى هذه الجريمة أن يضعوا حداً لهذه الشبكة من الأسرار وسوء المعاملة " . * هذا البيان والمواقف التى تلته والمتمثلة فى المظاهرات فى عشرين بلداً مطالبة بالإفراج عن أسرى جوانتنامو ، لم تقابلها حتى يومنا هذا تحركات شعبية عربية تليق بحجم الجريمة التى تمت ، وكما قلنا صمتت منظمات حقوق الإنسان العربية صمت القبور ولم تتحرك ، ولن تتحرك ، وهذا للأسف مفهوم إلى حد ما لأنها – كما أشرنا – ممولة أمريكياً وإسرائيلياً ، لكن المحزن والمخجل هو صمت العديد من شيوخ السلفية فى السعودية والخليج وانشغالهم بتأجيج الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة فى العراق وباقى بلادنا العربية والتخديم على الحكام الموالين لواشنطن فى استراتيجيتهم العدوانية فى العراق عبر الفتاوى والمواقف المخزية ، هؤلاء الشيوخ والدعاة معهم صحافتهم وإعلامهم يعلمون جيداً حجم الجريمة التى تجرى لشباب كانوا – ولايزالون – ينتسبون فكرياً ومذهبياً لهم ، فلماذا صمتوا بل وتواطئوا أحياناً مع مَّن سجن وعذب ودمر حياة أولادهم فى (باستيل القرن الحادى والعشرين) ، جوانتنامو ؟!! على أية حال لا تنتظر إجابة بالقول من هؤلاء ومن غيرهم ولكن تنتظر مواقف عملية على الأرض تصب فى الاتجاه الحقيقى المقاوم للمحتل الذى يعذب أولادهم ويسحلهم ويذلهم ، مواقف بقدر ما تقتل الفتن المذهبية فى مهدها بقدر ما يكونون قد ساعدوا أسرى جوانتنامو الأمة عن الفتنة وتوجه الرصاص إلى صدور الأعداء الحقيقيين الذين لاشك يرقصون الآن فرحاً على جثث هؤلاء الأبرياء الشرفاء فى جوانتنامو لأن (العلماء) و(الساسة) و(الكتبة) ، وأحياناً (الشعوب) فى صراعاتهم الصغيرة منشغلون عن تلك الجريمة التى تجرى صباح مساء فى هذا السجن الرهيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .