ترجمة: ثروت إبراهيم في الأسبوعين الماضيين، وقع الصينيون صفقة مع شركة ويستنجهاوس الأمريكية لبناء 4 محطات للطاقة النووية، وكانت شركة أمريكية للخدمات العامة قد انضمت مع الشركة الوطنية الفرنسية النووية جوجرنوت - التي تشغل 60 مفاعلاً نووياً - لبناء محطات نووية في كل أنحاء الولاياتالمتحدة، واقترب الروس من إطلاق أول حزمة تبلغ أكثر من 12 محطة للطاقة النووية عائمة على الماء، بمبيعات متفق عليها مع المغرب ونامبيا. اثنان معارضان لدودان - مناصرو البيئة والرئيس بوش - يمتدحان الطاقة النووية على أنها العلاج الشافي الكامل من إدمان الدولة على النفط وحلاً للاحترار الكوني. لقد انضم إليهما كل المرشحين الرئاسيين من كلا الحزبين، باستثناء جون إدواردز. ولا أحد منهم يتحدث عن الحادثة النووية الأخيرة في اليابان التي سببها الزلزال.
هؤلاء الأشخاص المدهشون يركزون تقييمهم المتفائل بشدة للطاقة النووية على الحط من قدر تكاليفها المالية الهائلة، على الفشل في اعتبار المشكلات غير المحلولة والمتداخلة في كل محطات الطاقة النووية وعلى رغبة أكيدة في التغاضي عن تاريخ الصناعة هذه في عرض وتقديم أحلام بعيدة المنال. منذ الخمسينيات من القرن الماضي، والصناعة النووية تعد بالطاقة "الرخيصة أكثر من اللازم لدرجة أنها لا تقاس بالمتر" للمفاعلات الآمنة على نحو أساسي والتنظيف الفوري وتخزين النفايات الخطرة. ولكن الطاقة النووية بالكاد تكون رخيصة - وخطرة أكثر بكثير من الطاقة المتولدة من الرياح، ومن الطاقة الشمسية والأشكال الأخرى من توليد الطاقة. تبين التجربة الفرنسية الأخيرة أن تكلفة بناء المفاعل النووي ستزيد على 3 بلايين دولار. فالأساليب الفنية في بناء المفاعلات النووية لم تكبح جماح التكلفات المرتفعة أو تقصر من فترة الإنجاز. يصر المتحدثون باسم صناعة المفاعلات النووية بأنهم يستطيعون إقامة مكونات المفاعلات النووية بطريقة خطوط التجميع على طريقة هنري فورد لتقليل التكلفة. ولكن الجهود الوحيدة في تحقيق هذا الهدف، مصنع مفاعل "أتومماش" الروسي، قد انهارت حرفياً في الوحل.
وحطت الصناعة أيضاً من قدر ارتفاع تكلفة تشغيل المحطات النووية على نحو آمن وسليم ضد التهديدات الإرهابية والحوادث. المفاعلات الجديدة تتطلب مناطق حصرية شاسعة، ومعززة على نحو مضاعف ومن هياكل قوية للغاية، وتوظيف قوات أمن كبيرة خاصة مسلحة وحراسة إليكترونية هائلة. كيف يتم دفع قيمة كل هذه التكاليف ومن الذي سيدفعها؟
لضمان السلامة العامة، يجب بناء محطات الطاقة النووية بعيداً عن المراكز العمرانية المأهولة بالسكان، وأن الطلب على الكهرباء يعني تكاليف نقل أعلى مما تسمح به الصناعة. في الماضي، صادق المشرعون على بناء المفاعلات النووية بالقرب من المدن الكبرى بناءً على فرضية أن خطط الإخلاء غير المجربة سوف تعمل جيداً. ولحسن الحظ، وبعد الاحتجاجات الشعبية، لم توافق واشنطن العاصمة على طلب إديسون المعزز في 1962 لبناء مفاعل في منطقة كوينز بمدينة نيويورك، التي تبعد 3 أميال عن مبنى الأممالمتحدة. ولكنها وافقت فيما بعد على الترخيص للوحدات داخل 50 ميلاً من نيويورك وبوسطن وشيكاغو وواشنطن. كان أمام ولاية نيو أورليانز 3 أيام من التحذير قبل أن يضرب إعصار كاترينا ولم يتم إخلائها بنجاح. حادثة نووية قد تمهلنا فقط 20 دقيقة للاستجابة، وهذا يدل على أن المفاعلات النووية يجب أن تبنى في مناطق يقل فيها السكان بشكل كبير جداً.
أخيراً، ماذا عن الوقود المستنفد والنفايات النووية الأخرى ؟ هناك أكثر من 70 ألف طن من الوقود المستنفد في محطات الطاقة النووية يتم تخزينها مؤقتاً في أحواض من الماء أو فوق الأرض في مستودعات خرسانية. لقد أوقفت إدارة الرئيس بوش إطلاق دراسة صدرت عن مجلس البحوث القومية أجريت في 2005 م، ولكن نشرت مقتطفات منها، لأن نتائجها وخلاصاتها تكون غير متعاطفة من الطاقة النووية، وقد بينت أن هذا الوقود المستنفد يظل هدفاً مثيراً من الممكن أن يستخدمه الإرهابيون.
هناك أكثر من 150 مليون أمريكي يعيشون داخل 75 ميلاً من النفايات النووية، حسبما ذكرت الإدارة المدنية لمكتب االنفايات المشعة. لا تزال منشآت التخزين التي كان من المفترض افتتاحها في جبال يوكا في ولاية نيفادا في 1989 م تواجه منازعات قانونية وعلمية. وحتى إذا تم افتتاح جبل يوكا، فمن خلال أي مدن وبين أي مساكن ؟
ممثلو الصناعة النووية والمشرعون الحكوميون والمهندسون النوويون يعدون الآن بتأمين استقلال الأمة في الطاقة من خلال المفاعلات النووية الآمنة على نحو تأسيسي. وهذه هي نفس الصناعة التي أعطت للعالم الطائرات والأقمار النووية - فثلاثة من ثلاثين قمراً صناعياً سقطت على الأرض - وهناك حوادث مروعة مثل ثري مايل آيلاند، و تشيرنوبل وسلسلة أخرى من الحوادث الأقل شهرة.
دعونا نراهم يحلون مشكلات التكاليف المالية المرهقة والتخلص الآمن من النفايات النووية وحسن الإجراءات الحقيقية في التعامل مع تهديدات الإرهاب، وخطط الإخلاء العملي وبناء المفاعلات بعيداً جداً عن الأماكن السكنية قبل أن يبنوا واحداً. في أوائل يوليو، تحدث الرئيس بوش بحماس متقد عن الطاقة النووية في أحد المفاعلات النووية في ولاية الاباما الذي كان قد سحب مؤخراً من الخدمة الفعلية، ولكنه أغلق عدة مرات منذ إعادة افتتاحه بسبب أعطال تشغيلية طارئة، إذن ما هو الدليل الأكثر وضوحاً الذي نحتاج إليه على أن عصر الطاقة النووية لم يأتِ بعد؟