بعد مرور عامين على ثورة يناير المجيدة يبدو واضحاً للمراقبين أن الثورة لم تصل بعد لتحقيق نصرها الكامل على قوى النظام البائد ، فلا شك أن الثورة قد غيرت وجه مصر و حققت تغييراً جوهرياً فى مسار التاريخ المصرى الحديث ، وقد تمثل هذا التغيير فى أربعة محطات رئيسية فارقة فى مسار الثورة. كان أولها فى فبراير2011 حين تم خلع مبارك من سدة الحكم فى ذروة الحراك الثورى ، وثانيها فى يونيو 2012حين وصل لقصر الرئاسة أول رئيس مدنى منتخب فى التاريخ ، وثالثها فى أغسطس 2012 حين قام الرئيس مرسى بانهاء 60 عاماً من الحكم العسكرى، أما آخرها ففى ديسمبر2012 حين أقر المصريون دستور مصر الديمقراطية المدنية وهو أول دستور فى تاريخ مصر تضعه لجنة منتخبة شعبياً على مرحلتين ويوافق عليه الشعب فى استفتاء نزيه بارادته الحرة. لكن المشهد العبثى الدائر الآن فى الشارع المصرى يدفع الكثيرين لليأس من الثورة بل وللكفر بالديمقراطية ذاتها هروباً من الفوضى الممنهجة والمستمرة التى تعصف بالاستقرار السياسى و تضر بالوضع الاقتصادى والأخطر أنها تهدد السلم الأهلى والأمان الاجتماعى ، والسؤال هنا من الذى يحرك و يثير تلك الفوضى الممنهجة وما هو الهدف من ورائها؟ محركى تلك الفوضى يتمثلون بالأساس فى التحالف بين قوى الدوله العميقة( المعادية لنظام ديمقراطى يتشكل على يدى رئيس مدنى اصلاحى)وبين فلول النظام البائد ( بدءاً من أصغر منتفع من أعضاء الوطنى إلى الهارب شفيق) وبدعم كامل وغطاء سياسى من القوى العلمانية التى تسمت بجبهة الانقاذ والتى لم يجمعها الا عزم اطرافها على اسقاط الرئيس مرسى و افشال مسيرته السياسية ، بالاضافة الى القوى العربية والغربية المناهضة للرئيس مرسى لما يمثله من رأس حربة لمشروع اسلامى صاعد الى قمة السلطة فى دول الربيع العربى أما مروجوا الفوضى والداعين لها فهم فضائيات تلك القوى الداخلية والخارجية التى تحرض على تلك الأعمال التخريبية وتهيىء الرأى العام لتقبلها فينعتونها بالثورة الجديدة (كما قال شفيق ثورة على الثورة) وهو الخط الواضح لفضائيات الدعاية السوداء ( العربية – سى بى سى – النهار – التحرير- إم بى سى مصر- أون تى فى .. وغيرها ) ،أما العناصر المنفذة للفوضى فالقاسم الأكبر منها هى ميليشيات بلطجية الوطنى المصنعوين على عين أمن مبارك مع ميلشيات البلاك بلوك غامضة التركيب ومتطرفى الاشتراكيين الثوريين والأناركييين ممن يهدفون لهدم مؤسسات الدولة بالكامل. أما عن الأهداف من وراء تلك الفوضى الممولة فهى تتنوع بين أهداف تعنى القوى الداخلية وأخرى تخص الخارج ويمكن ايجازها فى النقاط التاليه: 1-الهدف الأعظم هو اسقاط الرئيس مرسى عبر انقلاب شعبى مصطنع يعتمد على بلطجية الوطنى المدعومة بشباب اليسار المتطرف وبجمهور شعبى مغرر به تحت شعارات اسقاط حكم المرشد ومحاربة أخونة الدولة و اسقاط الرئيس المنتخب!!!!! 2-عرقلة المسار الديمقراطى المصرى وقد تم هذا عبر الحشد لرفض الدستور ثم الاصرار الآن على تعديله عبر لجنة غير منتخبة وعدم الاعتراف بشرعية الدستور الذى ارتضاه الشعب المصرى ، بخلاف عرقلة اكتمال مؤسسات الدولة عبر تعطيل انتخابات مجلس النواب تحت دعوى الخوف من التزوير!!! 3-افشال خطط الرئيس مرسى لاصلاح هياكل الدولة والنهوض بالاقتصاد و تشويه صورته عبر الهجوم المتدنى والتطاول المستمر عليه مما يؤدى لإضعاف شعبيته عبر التضخيم من أزمات المجتمع الناتجة بالاساس عن 60 عاماً من الفساد والمحسوبية ، وعبر وضع مؤسسة الرئاسة تحت ضغط دائم يؤدى لارباكها وارباك أى حكومة قادمة تتولى مقاليد الأمور فى مصر. 4-ايصال الدولة المصرية الى مرحلة الدولة الفاشلة التى لا تستطيع السيطرة على امنها أو على حدودها والواقعة دائماً تحت تأثير النزاع السياسى المتواصل على شكل حرب أهلية إعلامية وسياسية متواصلة تحيل فترة الرئاسة(4سنوات) إلى مهاترات مستمرة تفضى الى تعطيل أدنى تقدم على أى صعيد سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى. اذا دققنا فى الهدف الأول سنرى أنه يدخل فى دائرة الاستحالة ليس فقط لدعم جمهور الاخوان والاسلاميين للرئيس ،ولكن الأهم أنه أول رئيس منتخب شعبياً فى تاريخ مصر و الأكيد أن ملايين المصريين ممن انتخبوا الرئيس لن يسمحوا باسقاطه على يد بعض البلطجية وسيتحركون فى الشارع خارج سيطرة أى تنظيمات ليساندوا رئيسهم الشرعى ، لكن تبقى الأهداف التالية قابلة للتحقق مما يعد محوراً لأعمال العنف والتخريب الممولة والمدعومة من اعلام الفلول الذى يستضيف بلطجية البلاك بلوك كى يشيد بهم بصفتهم ثواراً سلميين!! ويبقى الرهان الأخير على عودة العسكر لقيادة دفة السلطة تحت دعوى ايقاف الفوضى ، وهو رهان خطير يهدد السلم الأهلى فالتاريخ لا يكرر نفسه وحين تخرج مظاهرات مؤجرة كى تهتف (لا أحزاب ولا برلمان تسقط الديمقراطية تسقط الحرية) كما تم فى المظاهرات مدفوعة الأجر لعمال النقل العام فى مارس1954 ، فلا يتصورن أحد أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء فالشعب المصرى الذى أذهل العالم بثورته السلمية وبذل دماءه فى سبيل التحرر من الفساد والاستبداد لن يتراجع عن الديمقراطية ولن يتنازل عن الحرية وسيحافظ على مؤسساته الشرعية ويبطش بكل من لا يتورع عن هدم أركان الوطن هروباً مما أرتكبه من جرائم أو فى سبيل الكيد السياسى والزعامة الوهمية. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة