جواد البشيتي توشك الولاياتالمتحدة، بالتعاون مع فرنسا التي تُحبُّ لبنان حُبَّا لا يمكن تمييزه من الكراهية، أن تلغي بديهية كلاوزفيتس الأولى وهي "الحرب امتداد للسياسة"، فأنتَ عندما تعجز عن إخضاع خصمك لإرادتك السياسية عبر "فن الإقناع"، أي الدبلوماسية، تلجأ إلى "فن الإكراه"، أي الحرب.
إنها توشك، من خلال إقرار مجلس الأمن الدولي لمشروعها قرارها المشترَك مع فرنسا، أن تقوِّض العِلم العسكري الكلاسيكي، فالجوهر النظري لمشروع قرارها إنَّما هو "السياسة امتداد للحرب". لقد عجزت إسرائيل عن إخضاع خصمها، الذي هو "حزب الله"، لإرادتها السياسية عبر "فن الإكراه"، أي الحرب، فلجأت، عبر الولاياتالمتحدةوفرنسا، إلى إخضاعه عبر آلة الحرب الدبلوماسية والسياسية.
وفي سبيل ذلك، لا بأس من "لعبة لفظية"، يكمن فيها مزيد من الموت والدمار تنشرهما آلة الحرب الإسرائيلية في لبنان، وفي جنوبه على وجه الخصوص، وكأنَّ الحرب تلك تحتاج إلى "قرار دولي" يتخللها، ولا يأتي منهيا لها.
هل يدعو "القرار" إلى "وقف فوري لإطلاق النار" أم إلى "وقف للعمليات الحربية"؟ كان السؤال فاسدا في منطقه؛ ولكن السياسة المنافية للمنطق حملتنا على "التمييز"، أي تمييز هذا الوقف عن ذاك، فجاز، بالتالي، أن نقول إن كل وقف فوري لإطلاق النار يعني وقفا للعمليات الحربية؛ ولكن ليس كل وقف للعمليات الحربية يعني وقفا لإطلاق النار!
الولاياتالمتحدة بموافقتها على "وقف العمليات الحربية" إنَّما أكدت أنها ما زالت ترفض "وقفا فوريا لإطلاق النار"؛ ذلك لأنْ ليس من معنى ل "وقف العمليات الحربية" سوى "استمرار الحرب واشتدادها" إلى أن تأتي بنتائج ميدانية تذلِّل العقبات من طريق تنفيذ البنود التالية من "القرار الدولي"، الذي بموجبه تلتزم الحكومة اللبنانية أن تُلْزِم "حزب الله"، بادئ ذي بدء، بالتوقُّف التام عن هجماته العسكرية على آلاف من الجنود الإسرائيليين الذين يحتلون، الآن، مواقع ومناطق لبنانية شمال "الخط الأزرق"، تُضاف إليها مزارع شبعا وتلا كفر شوبا.
إنها هزيمة سياسية أولى يراد ل "حزب الله" المنتصر عسكريا، في معنى ما، أن يُمنى بها، فإذا رفض واستمر بهجماته العسكرية، عملا بمبدأ "لا احتلال بلا مقاومة"، يُتَّهم دوليا بأنه البادئ ب "خرق القرار الدولي"، ويُمنح استمرار الحرب الإسرائيلية، بالتالي، مزيدا من الشرعية الدولية.
وجيش الاحتلال الإسرائيلي سيبقى إلى أن تأتي "القوة الدولية"، التي لا تعمل بإمرة الأممالمتحدة، وإنما ب "تفويض" منها، وبموجب الفصل السابع من ميثاقها. ولكن، متى تأتي؟ عندما لا يبقى في منطقة جنوب الليطاني من سلاح غير "سلاح الشرعية اللبنانية"، وسلاح قوة "اليونيفيل"، والسلاح الإسرائيلي!
"حزب الله" مدعو، الآن، إلى إحراز نصره السياسي الأول، والذي يمكن ويجب أن يكون امتدادا لما أحرزه من نصر عسكري حتى الآن. وقوام هذا النصر السياسي هو الاستمرار في هجماته العسكرية على الجنود الإسرائيليين حتى لا يبقى منهم جندي واحد في جنوب لبنان.
وفي سبيل ذلك، يحتاج "الحزب" إلى: أنْ يرفض لبنان رسميا، عبر السنيورة، مشروع القرار ذاك والذي لا أنياب له تُخيف بعد، وبفضل، الفشل العسكري الإسرائيلي الذريع في لبنان. وأنْ تقف سورية مواقف عملية تسمح لها باقتسام الموت والدمار (والانتصار بالتالي) مع لبنان. وأنْ تُعلِن الدول العربية جميعا، عبر اجتماع وزراء خارجيتها في بيروت، رفضها الرسمي لمشروع القرار ذاك، على أن تُتَرْجِم موقفها هذا بما يُمكِّن لبنان من المضي قُدُما في سعيه إلى منع الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا من تحويل نصره العسكري إلى هزيمة سياسية.
إنَّ "قرار" بنت جبيل يفوق في أهميته السياسية العملية أضعافا مضاعفة قرار مجلس الأمن المنتظَر!