البحث عن الجنود الأمريكيين الثلاثة المختطفين من قبل المقاومة العراقية قبيل فجر يوم السبت 12 ايار (مايو) 2007 قرب قرية البشيشة الواقعة 12 ميلا (20 كم) غرب المحمودية يظهر الجانب التقني من أساليب الإحتلال في مواجهة المقاومة العراقية. وقد أذيع بيان باسم دولة العراق الإسلامية (القاعدة) حول العملية النوعية التي قتل فيها خمسة من جنود المشاة الأمريكيين واختفي ثلاثة، ولم يعرف أو يعلن شيء عن المترجم العراقي الذي رافقهم في الآليتين اللتين أحرقتا بالكامل. وبمحاصرة وتمشيط المنطقة وامتداد البحث شمالا الي الفلوجة قد نسمع بتطورات وادعاءات أخري لا بد منها، بعد تعهدات المتحدث العسكري الأمريكي الأعلي وليام كالدويل. وقد يبقي منفذو مثل هذه العمليات النوعية مجهولين. إذ لا يمكن التعويل علي صحة ما ينشره أحد في وقته إطلاقا عن الجهة المسؤولة عنها. بل ان أخبارها غالبا ما يجري طمسها بين أخبار تفجير المفخخات في الأسواق الشعبية، وما يتبعها في العادة من القاء الجثث المشوهة في الشوارع، وكلتاهما في الغالب يجري توقيتهما من قبل فرق يديرها الاحتلال كعقاب جماعي يجري إخراجه تحت لافتة طائفية، بحيث تبرز كأن الأمر الرئيسي في العراق هو الاحتراب الأهلي وليس ما هو واقع فعلا من التصاعد المضطرد للمقاومة العراقية ووضوح الفشل العسكري والسياسي الأمريكي. ونظرا لموقع الحدث في ما سماه الأمريكيون بمثلث الموت، والطريق من بغداد الي الحلة وكربلاء، فقد نسمع مجددا عن إيقاف السيارات والقتل علي الهوية كما جرت العادة لتشويه صورة المقاومة الباسلة. وبسبب التلاعب الإعلامي الهائل وتواطؤ القوي الطائفية تطغي أخبار عشر هجمات أو مجازر ترتكب بحق الأهالي علي ال150 هجوما في المعدل التي تستهدف بالتحديد قوات الاحتلال يوميا، حسب احصاءات معهد بروكينز الأمريكي المعتمد بالأساس علي التقارير الرسمية والمعلومات المستقاة بفضل قانون حرية المعلومات الأمريكي. وهناك تعقيدات اخري في التحقق من المعلومات عن العمليات النوعية في انها، منع بل تصفية الصحافيين إذا اقتربوا من الأحداث وتباين الجهات التي تنسب اليها. ما تتعرض له هذه السطور معالجة هذا الحدث الآني كحالة تسمح بنظرة من القارئ المتمعن الي ما يعرف بتطورات مواجهة التمرد، Counter insurgency كما هي معلنة، وما يواجه العراقيين، سواء الأهالي او المجاهدين منهم، يوميا، وما يجب عليهم التأقلم معه بتطوراته. ان التمشيط العسكري للمنطقة، كسابقاته، يعتمد، بالاضافة الي الدبابات والعربات، علي الطائرات السمتية، والعادية، والطائرات بدون طيارالمعروفة ب درون أو بماركتها الرئيسية بريداتر . كل هذه المكائن الباهظة الثمن، والمتطورة باستمرار عبر التحديثات الأمريكية والإسرائيلية التي تكلف المليارات من الدولارات، مجهزة بأجهزة الرؤية الليلية والتمييز الحراري، وهذه الأخيرة تمنح أصحابها القدرة علي كشف وجود العراقيين عبر حرارة أجسادهم مقارنة بمحيطهم حتي وان كانوا تحت غطاء وفي حالة سكون. ومن هنا ظاهرة الدوريات الليلية وفي أوقات الفجر حيث تكون الأرض أبرد، ويعتقد المحتل بأفضلية تقنياته. هذه الآليات ترافقها وتديرها وحدات عسكرية أمريكية لم تعلن أعدادها أو صورها في حين أبرزت صور بعض جنود حكومة الإحتلال العراقية وهم يتخذون أوضاعا إستعراضية في بعض بساتين المحمودية. وقد يكونون أنفسهم من يستخدمون إعلاميا في حالات كثيرة أخري للادعاء بوجود مشاركة عراقية مع القوات الأمريكية. ويمكن تقدير أرقام الوحدات الأمريكية المشاركة بالنظر الي رقم ال8000 جندي الذين أعلن عن اشتراكهم في عمليات التمشيط التي تمت بعد اختطاف الجنديين الأمريكيين في حزيران (يونيو) من العام الماضي بعد جريمة اغتصاب وحرق الشهيدة عبير الجنابي وقتل والديها واختها الصغيرة، في نفس المنطقة تقريبا. هؤلاء جميعا، وبينهم المتعاقدون والمهندسون والمرتزقة الاخرون، يتركون العديد من الكاميرات والماكروفونات الصغيرة في مواقع مختارة، مرتبطة بمراكز استقبال مرتبطة دوار الساعة. الجيش الأمريكي مستمر في تطوير شبكاته الالكترونية، بحيث تكون جميع وحداته، ومن ضمنها كل جندي يزرع في ثيابه أو حتي جلده مرسلا مكروسوبيا يحمل شفرته، وكل آلية وموقع، علي صلة في كل ثانية ودقيقة مع غيره ومع غرف عملياته ومع الطائرات المحلقة في دوريات مستمرة. وهذا الارتباط أصبح اليوم رخيصا عبر الأقمار الصناعية، ويبقي الربط بين المعلومات. وهم في العراق يطورون هذه الأسلحة والشبكات كمختبر للقدرة علي السيطرة علي العالم عبر التكنولوجيا الحديثة. هذا ما تواجهه المقاومة العراقية في المجال التكنولوجي منذ أربع سنين ونيف وها هي صامدة لا تزال قادرة علي تحييده والتفوق عليه. هناك نوع من سباق التسلح بين الاحتلال والمقاومة يخسره الاحتلال، ولا نعرف بالضبط كيف يحدث ذلك الا بالتفكير في الطبيعة غير المتوازنة للصراع. المقاومة تعتمد علي وسائل بشرية متوفرة في الحياة اليومية، وعلي معرفة حدسية بالأرض والإنسان، وعلي علاقات الولاء العائلي والديني والوطني، مقترنة بلا شك بخبرات الجيش العراقي القديمة والمكتسبة في السنين الأخيرة. الإحتلال يعتمد علي أقوي السلاح المتطور واخر التكنولوجيا وعلوم التنظيم وكفاءات التخطيط وعلي الموارد المالية غير المحدودة، وعلي ضباط ذوي مهارات عالية في الحرفية والمبادرة واندفاع قوي للتميز والنجاح. الفشل الأمريكي يدفعه لتجفيف القاعدة البشرية التي تعيش فيها المقاومة. المقاومة تنمو في الأسواق والشوارع والمحلات الشعبية والجوامع والحسينيات وحيثما يجتمع الشباب او الكهول او العوائل. بين الجموع البشرية يعيش الإنسان المقاوم، وفي حضنها تتداول الأسلحة والمعلومات عن الاحتلال، كما فهم الغزاة بوضوح من حالات الجزائر المسجلة في فيلم معركة الجزائر ، وكذلك في جميع حالات المقاومة المدينية للأحتلال. لذلك فالإحتلال يسعي لغلق الأسواق، وإخلاء الشوارع وإغلاق الجوامع، وتشريد السكان الي خارج المدن او البلد أو داخل أسوار يحسب الخارج والداخل منها وتتعرض للعقاب الجماعي وحتي التجويع بعد كل عملية للمقاومة. وأثناء كتابة هذه السطور تكون سامراء في يومها الثالث عشر تحت الحصار التام ومنع التجوال، وبدون ماء أو كهرباء. وقد تكون تلك المرة السادسة لها كذلك، كما هي حال مدن عديدة بعضها تعلن في الأخبار كما في الأنبار وديالي وصلاح الدين والموصل، وبعضها لا يعلن كما في البصرة وسوق الشيوخ والديوانية. الاحتلال هو السبب الرئيس للتهجيرالذي وصل الآن الي الأربعة ملايين ونصف المليون عراقي نصفهم في الخارج، لأن تلك هي سياسته في تجفيف منابع الارهاب . انه الإحتلال هو الذي يقف وراء إخلاء الأسواق والمدارس والكليات وكل التجمعات البشرية، كما هو خلف أغلب العصابات الاجرامية التي تقوم بتصفية كل ذوي الكفاءات، عبر الاختطاف أو القتل أو التهجير، وضد كل من له قدرة علي كشف هذه الحقائق او تنظيم المجتمع لصدها. قد يقال ان من واجب المقاومة العراقية التدخل لحماية الأهالي ومنع التشنج الطائفي ومحاربة الإجرام الخ. ولا أحد يعلم ان كانت قوي المقاومة العراقية تحاول ذلك، أم هي قادرة عليه فعلا، أم هي راغبة في هذا التدخل أصلا. وعندما نسأل أهلنا في العراق فهم يميزون بوضوح بين ما لا يميزه الاعلام: المقاومة الباسلة التي يمجدونها باعتبارها الجيش العراقي الوطني الجديد، والتي لا تستهدف الا قوي الإحتلال، وبطرق تقلل قدر الامكان من الضرر علي الأهالي، وبين المسلحين في المحلات والعشائر، وهي قوي مقاومة محلية قد لا تكون منضبطة، وقد تحوي أشقياء أو ذوي السوابق الموالين لمحلاتهم وأهاليهم، لكنها تقوم بمبادراتها في تحدي وإزعاج الإحتلال تارة، كما قد تتصدي لفرق الموت والمرتزقة لحماية الأهالي، وفي أثناء ذلك قد يجري استدراجها الي أعمال طائفية والي اضرار بالناس، وقد تكون مسؤولة أيضا عن بعض الجرائم الطائفية وأعمال التهجير. هذه صراعات في صفوف الشعب في الغالب، يستغلها الاحتلال وعملاؤه الذين تم تجنيدهم من قبل وكالة الإستخبارات المركزية منذ سنوات الحصار، ومن قبل متعاقدي الاحتلال من ضباط الفرق الخاصة المتقاعدين الذين يديرون شبكاتهم من بين ال 160000 (مائة وستون ألفا) ممن يسمون حراس المنشآت الذين لديهم مخابئهم وسجونهم، المنشرة في جميع الأحياء إذا لم يكونوا ممتزجين مع جنود الإحتلال في مقراتهم. هذه جوانب واستنتاجات مبنية علي المصادر الأمريكية نفسها كما علي ما يعرفه أبناء البلد أنفسهم. وهي جوانب تبدو مخفية تحت كثير من اللغط الذي يراد به تغطية ظاهرة تاريخية مجيدة في تاريخ العرب والمسلمين، هي ظاهرة هزيمة المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة العربية، والزحف المتواصل، بعثراته وقفزاته، للمقاومة الباسلة للشعب العراقي. ہ كاتب من العراق يقيم في لندن