عندما اندلع القتال في الشهر الماضي بين حزب الله ودولة الاحتلال كانت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تعمل طوال الليل في جناح الضيوف على ساحل بحر البلطيق بروسيا من أجل صياغة رد فعل الولاياتالمتحدة على الأزمة. وكانت الإستراتيجية التي حددت خطوطها في تلك الليلة، عشية اجتماع مجموعة الثمانية، بعيدة عن الأسلوب الدبلوماسي التقليدي. فلم تتضمن دعوة لوقف فوري لإطلاق النار وأشارت على نحو جلي الى حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها. وكانت طريقة المعالجة، التي اقرها الرئيس جورج بوش في الصباح التالي وغدت لاحقا أساس الإستراتيجية الأمريكية خلال الأزمة، أكثر من خطة سياسية. فقد كانت أيضا رد رايس على المجموعات المعارضة داخل ادارة بوش. وقال احد كبار مسئولي الإدارة أن رايس «حددت موقفا كان غير متوافق مع الطريقة المألوفة لوزارة الخارجية لإرضاء المحافظين في الإدارة، بمن فيهم نائب الرئيس ديك تشيني، الذين كانوا يدفعون الأمور باتجاه دعم أمريكي قوي لدولة الاحتلال. وبينما كانت رايس تصارع مع أزمة الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأربعة الماضية وجدت نفسها تحاول الا تكون صانعة سلام في الخارج فحسب وإنما أيضا وسيطا بين أطراف متنافسة في الداخل. وجعلت معارضة واشنطن لوقف فوري لإطلاق النار ودعمها القوي لدولة الاحتلال من الأصعب على رايس ان تعمل مع الدول الأخرى منها دول حليفة لأمريكا، تبحث عن صيغة تنهي العنف وتحقق وقفا دائما لإطلاق النار.وفي جولات رايس الأخيرة في الشرق الأوسط رافقها رجلان مختلفان في وجهات النظر إزاء الأزمة، هما اليوت ابرامز، كبير المسئولين في مجلس الأمن القومي، ومساعدها لشئون الشرق الأدنى ديفيد ولش، الدبلوماسي المعروف والسفير السابق لدى مصر. ويمثل ولش النظرة التقليدية لوزارة الخارجية القاضية بان على الولاياتالمتحدة ان تؤدي دور الوسيط المحايد في الشرق الأوسط. أما ابرامز، وهو من المحافظين الجدد ويتمتع بصلات قوية مع تشيني، فقد دفع الادارة الى رمي ثقل دعمها وراء دولة الاحتلال. وخلال رحلات رايس كان على صلة مباشرة مع مكتب تشيني. ووصف مسئول في الادارة كيف انه خلال الجولة، أدى ويلش وأبرامز دور قطبين للتوازن حتى خلال المناقشة التي جرت يوم 29 يوليو الماضي في جناح رايس الذي يحمل اسم رابين في فندق ديفيد سيتاديل المطل على القدس القديمة. ووفقا للمسئول فان ولش يميل إلى وجهة النظر العربية بينما يعبر ابرامز عن الموقف الصهيوني. واختارت رايس ابرامز للعمل في مجلس الأمن القومي عام 2002 عندما كانت مستشارة للأمن القومي. وكانت عودته الى العمل الحكومي غير متوقعة. وبعد ان أعفى الرئيس بوش الأب ابرامز من منصبه عام 1992 بسبب دوره في فضيحة «ايران/جيت» في الثمانينات، قال ابرامز انه لن يعمل في المجال السياسي ثانية. ويقول مسئولون في وزارة الخارجية ان ابرامز يعمل كجدار حام لرايس من صدمات بعض المحافظين الجدد الذين ينتقدون سياساتها. وعارض عدد من مسئولي وزارة الخارجية سرا تبني الإدارة موقف دولة الاحتلال الكامل ورفضها التحدث الى سورية في مسعى لحل الأزمة. وقبل أسبوعين طلبت رايس من ستيفن سيش القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية بدمشق الاتصال بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، والتقى المسئولان، لكن المعلم «لم يقدم أي مؤشر بأنهم (السوريين) سيكونون إيجابيين»، حسبما قال مسئول في الإدارة الأمريكية ومنذ ذلك الوقت لم يتم تقديم أي اقتراحات. وأدت التوترات في المنطقة وضمن إدارة بوش إلى إرهاق رايس مما جعلها في بعض الاحيان الحديث على نحو غير عادي باسلوب شخصية وبعبارات عاطفية. فبعد اللقاء الذي جرى في جناح إقامتها بحضور أبرامز وولش وريتشارد جونز سفير الولاياتالمتحدة لدولة الاحتلال، تناولت رايس العشاء مع أولمرت، حيث أظهرت نفادا غير معهودا في الصبر معه. فحينما أجاب أولمرت عن طلبها بإيقاف القصف الجوي ل 48 ساعة، بالقول ان الجيش الصهيوني حذر السكان اللبنانيين بضرورة المغادرة، اكتفت رايس بهز رأسها حسبما قال مسئولان أمريكيان. وقالت آنذاك «اسمع، نحن كانت لدينا تجربة مع الإعصار كاترينا، وظننا أننا كنا نقوم بالشيء الصحيح. لكننا علمنا أن الكثير من الناس الذين أرادوا المغادرة لم يتمكنوا من الرحيل». ورغم ان رايس لم تكن طرفا مباشرا في رد الحكومة على إعصار كاترينا فإنها أخبرت زملاءها في الصيف الماضي أنها استاءت بشدة من رد الفعل البطيء وأنها حثت الرئيس بوش للقيام بعمل أكبر للتخفيف من قسوة العيش التي يعانيها السكان الذين يشكل السود فيهم نسبة عالية والذين وقعوا في شرك المدينة الغارقة. ووجِّه نقد شديد من بعض المحافظين لدفعها دولة الاحتلال بشدة كي تنهي عملياتها العسكرية في لبنان. ففي صحيفة واشنطن تايمز اليمينية في مقال بعنوان «اعزل كوندي: المحافظون يتهمون وزارة الخارجية بخطف أجندة بوش». وقال آرون ميللر الأكاديمي في مركز وودرو ويلسون الذي عمل مستشارا للعلاقات العربية الصهيونية في وزارة الخارجية الأمريكية خلال فترات حكم آخر ثلاثة رؤساء «بدأت (رايس) تتلقى الضربات من قبل أولئك الذين يرون أن هذه الأزمة ستحل فقط من خلال انتصار استراتيجي تحققه دولة الاحتلال بدعم من الولاياتالمتحدة. وهذا يستند إلى قناعة ترى أنه من دون هزيمة حزب الله فإن الحرب على الإرهاب ستواجه هزيمة شنيعة». لكن ميللر قال «إنها تتلقى الضربات أيضا من الأوروبيين والعرب لما يعتبرونه عجزا من جانبها». ورغم التزام رايس بما هو مكتوب في تصريحاتها فإنها تتعثر أحيانا في ذلك. فتعليقها بأن حرب دولة الاحتلال لبنان تمثل «آلام المخاض لولادة شرق أوسط جديد» جاء في وقت كانت محطات التلفزيون تعرض أطفالا لبنانيين قتلى. وغضبت حينما سألها مراسل بمَا كانت تشعر بعد انهاء دولة الاحتلال لوعدها بوقف القصف الجوي المفترض أن يستمر لثمان وأربعين ساعة قبل 36 ساعة: «أنا لدي أسئلة أكثر حول ما أشعر. السؤال هو ماذا يجب أن نفعل. وما فعلناه كان السعي للحصول على تفسير من الحكومة الصهيونية فيما إذا كانت ستلتزم بالاتفاق هنا». وقبل بدء رحلتها إلى الشرق الأوسط قالت لأحد معارفها بنبرة استسلام إن كل وزير خارجية عليه أن يتوسط عاجلا أم آجلا في نزاع بمنطقة الشرق الأوسط «وأخمن أنه دوري الآن».