التعليم حق من حقوق الإنسان، أقرته رسالات السماء، وأكدته المواثيق والقوانين والدساتير باعتباره حقا لا يقبل التفاوض أو التنازل عنه، مهما كانت الضرورات والأزمات الضاغطة فى مجتمعه.. ولا مجال لإقرار حقوق الإنسان حين يسود الاستبداد مهما تنوعت صوره، من نظام أبوى، أو ثيوقراطى، أو أوتو قراطى، حيث يتسلط فرد أو جماعة دينية، أو قلة من أصحاب الثروة بنظام الحكم وتوجهاته لصالحها. وقد اختبرت هذه النظم عبر التاريخ الإنسانى، فلم يتولد عنها إلا الفزع والخوف والطغيان والجبروت وسوط الجلاد، تحت شعار الاستقرار والسلام الاجتماعى، بل وسيادة القانون، أو قدر الله فى ملكوته. هكذا تكلم شيخ المعلمين الأستاذ الدكتور حامد عمار فى كتابه الذى صدر حديثا بعنوان "المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين فى القرن الحادى والعشرين" بمشاركة الدكتورة صفاء أحمد بكلية التربية جامعة عين شمس، والذى صدر عن الدار المصرية اللبنانية للنشر فى أربعمائة صفحة من القطع الكبير وشمل فاتحة ومقدمة وثمانية أبواب. وبالشعر بدأ شيخ المعلمين فاتحة الكتاب حيث نقل أشعارا لعدد من شعراء العربية فى حب مصر واختتمها بقول الراحل الكبير نجيب محفوظ فى إحدى رواياته "لابد للظلم من آخر، والليل من نهار، لترينّ فى حارتنا مصرع الطغيان، ومشرق النور والعجائب". وفى المقدمة تحدث الرائد الكبير عن دوافعه لإخراج هذا الكتاب بعد بلوغه التسعين- أمد الله فى عمره- وقال إنه استعان بالله "للبدء فى الكتابة أواخر عام2010 " وصدرى قبل عقلى متورم مما تضطرم به ساحات المجتمع من أزمات وإحباطات واختناقات، تعكسها فوضى المرور فى الشوارع وغلاء الأسعار وفساد الحكم وتزوير الانتخابات التشريعية وعنتريات وزير التعليم الدكتور زكى بدر وغزوات التهديم والتشتيت لقيادات الوزارة "مما جعله يتوقف عن الكتابة، إلا أنه بعد اشتعال ثورة الخامس والعشرين من يناير انفتحت معها الشهية فى جدوى مواصلة الكتابة. وأضاف "ونحن نقرر دائما بأننا من أنصار المدرسة النقدية الاجتماعية فى السياسة التربوية التى تدعو إلى التغيير والتحرير للمجتمع والإنسان، وأن التعليم عملية سياسية بأوسع معانى السياسة، كما أن السياسة فى الوقت ذاته عملية تربوية بأوسع معانى التربية". وعن مقومات التعليم الإنسانية والاجتماعية قال شيخ المعلمين "إن مجال التعليم يمثل الفصل الأول فى كتاب التنمية المستديمة والشاملة للكيان المجتمعى، فالقدرات البشرية هى الطاقة المحركة والمولدة للموارد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع بقية قوى المجتمع، فاعلا ومتفاعلا، وليست مجرد حجر الزاوية.. فالتعليم عامل دينامى قادر على توليد الثروة ذاتها وبخاصة الثروة المعرفية والاتصالية التى تمثل أفضل وأفعل مكونات الإنتاج المادى والسلعى والخدمى فى عصر ثورة المعلومات ومجتمع المعرفة. وقد شخص شيخ المعلمين فى الكتاب وحلل أهم ما تتضمنه رسالة التعليم ومكوناته الرئيسية بأوضاعها الحالية، التى تراكمت فى هيكلة القائم خلال الثلاثين عاما الماضية، واستعرض أهم المشكلات التى أدت إلى تعثر وتعويق جهود الإصلاح، ومن ثم احتياجات التغيير والكشف عن مخاطرها واستمرار تأثيراتها فى أى محاولات للتطوير المرحلى والتغيير على المدى الزمنى المتوسط والبعيد. وعرض الكتاب أهم المؤشرات الإجمالية والبيانات الإحصائية العامة المعنية برصد حالة الأوضاع التعليمية الكمية والكيفية، والتخطيط لنموها وتجويدها خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل، وما يمكن متابعته فى خطط السنوات التالية، حيث يعتبر شيخ المعلمين أن التعليم هو "مشروع مصر القومى الأكبر"، ويرى أنه "وفى جميع الأحوال سوف تنعكس وتتشكل مقومات التعليم بتوجهات النظام السياسى والحكم وإدارته للمجتمع وأشكال المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء فى حالات الاستقرار أو التغييرات الثورية. كما تحدث عن أهم تحديات التعليم "وهو يتفاعل مع مقومات التحول على إثر سقوط النظام المباركى بكل مفاسده ودعواته المزيفة ونهبه لثروات مصر أرضا وإنتاجا، واليوم وقد انفتح مصراعا الزمن على سعة الديمقراطية لتعليم ديمقراطى بفعل معجزة الشباب، ولكى نقدره ونعتز بها، إنما يتحقق ذلك بالجهد المطلوب والمثابرة المخلصة لتحقيق مطالب الوطن ولحياة المواطنين".