بقلم: عاطف عبد الجواد لسنا نعلم متى نموت. ولكننا نعلم متي ستموت الحرب ضد الإرهاب. باليوم والساعة والدقيقة والثانية نعلم متى سنرى شهادة وفاة الحرب ضد الإرهاب. في الساعة الثانية عشرة ودقيقة واحدة بعد ظهر يوم الثلاثاء السادس من يناير عام 2009 بالتوقيت المحلي للساحل الشرقي في الولاياتالمتحدة الأميركية. اي في الساعة الرابعة ودقيقة واحدة بتوقيت غرينتش سوف نرى شهادة وفاة الحرب ضد الإرهاب. في هذا الوقت سيكون الرئيس الأميركي الجديد، الذي سيخلف الرئيس بوش، قد انتهي من اداء اليمين الدستورية وتقلد شئون الرئاسة الأميركية. في عهد الرئيس الأميركي الجديد سيكون فشل هذه الحرب والثمن الذي دفعته اميركا من المال والدم والسمعة قد بدا جليا للأميركيين. هذا الثمن يبدو جليا للأميركيين اليوم. سيعود الأميركيون الى اعتبار الإرهاب جريمة يعاقب عليها القانون وليست عدوا بحد ذاته. سيدرك الأميركيون مرة اخرى، كما كان الحال في عهد الرئيس بيل كلنتون، ان الإرهاب وسيلة وليست عدوا يمكن ان تلحق جيوش اميركا الهزيمة به. انظر الى الاستطلاعات. في اكتوبر عام 2001، اي بعد شهر واحد من وقوع هجمات سبتمبر، قال 46 في المائة من الأميركيين ان الإرهاب هو الألولوية القصوى لهم. في نوفمبر عام 2004 انخفضت هذه النسبة الى تسعة عشرة في المائة. وهذا العام اصبح الإرهاب الأولوية القصوى لخمسة في المائة فقط من الأميركيين. العراق هو الأولوية القصوى للأميركيين اليوم، وهم لا يرون الحرب في العراق جزءا او جبهة للحرب ضد الإرهاب، كما حاول الرئيس بوش اقناعهم بذلك. بل يدرك الأميركيون اليوم المفارقة الكبرى، وهي ان في العراق اليوم عددا من الإرهابيين اكبر مما كان فيه قبل الغزو. سيبقى الأميركيون مهتمين بأمنهم الداخلي وبضرورة ضمان الا تتكرر هجمات سبتمبر داخل بلادهم. ولكن الحرب ضد الإرهاب بالطريقة التي تصورها ونفذها الرئيس بوش سوف تنتهي مع انتهاء رئاسة جورج بوش. كانت نظرية الرئيس بوش، او مبدأ الرئيس بوش، هو ان كل ارهابي تقف وراءه حكومة، وان العقاب يجب ان ينزل بالإرهابي وبالحكومة في آن واحد. وعلى اساس هذا المبدأ اصبح العراق هو حالة الاختبار الأولى بعد حكومة طالبان في افغانستان. في البداية كان الأميركيون ينظرون الى كلمة الحرب على انها تعني الصراع، شأنها في ذلك شأن الحرب ضد المخدرات او ضد التلوث. ولكن حكومة الرئيس بوش جعلت من الحرب معركة عسكرية وصراعا حضاريا. الم يقل الرئيس بوش إن الحرب التي يشنها هي حرب ضد ايديولوجية الفاشية الإسلامية؟ الم يقارن بين الحرب العالمية الثانية ضد النازية بالحرب الراهنة على الإرهاب؟ ان حرب الرئيس بوش ضد القاعدة في افغانستان توسعت لتشمل حربا ضد حماس في فلسطين وضد حزب الله في لبنان، على الرغم من ان حزب الله، عقائديا، هو ابن عم الحكومة التي ترعاها الولاياتالمتحدة في العراق. وهل يمكن لأي عاقل ان يقارن بين القاعدة من جهة وبين حزب الله وحماس من جهة اخرى؟ هذا التوسع في تعريف الحرب ضد الإرهاب اسفر عن ضياع الوضوح الاستراتيجي اللازم للنجاح في تحقيق الهدف. والأميركيون وصلوا اليوم الى مرحلة لا يريدون فيها مزيدا من الحروب. الأميركيون لا يريدون تكرارا لهجمات سبتمبر داخل بلادهم. ولكنهم لا يريدون في الوقت نفسه مزيدا من الحروب باسم مكافحة الإرهاب. سوف نتقبل العزاء في موت الحرب على الإرهاب، ونوزع القهوة السادة في منتصف نهار السادس من يناير 2009 مهما كان اسم الرئيس الجديد. ولا عزاء للسيدات. أو للإرهابيين.