بقلم: د.أحمد مصطفى وتعني بالانجليزية: "ايها الاميركي، عد الى بلادك ". بهذا الشعار جرى استقبال الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش في زيارته لخمس من دول اميركا الوسطى والجنوبية على مدى ستة ايام هذا الاسبوع. ولا يقتصر الامر على حملة الرئيس القنزويلي هوغو شافيز ضد بوش واستجابة الملايين في اميركا اللاتينية لشعاراته المناهضة للامبريالية الاميركية، ولكن في كل بلد زاره بوش من البرازيل واوراغواي وكولومبيا وغواتيمالا الى المكسيك كان هناك سبب مختلف ليهاجم الناس بوش ، لكن الشعار الذي تكرر في كل البلاد هو "يانكي، غو هوم". وربما يتصور البعض في بلادنا ان الموقف من الرئيس بوش ناجم عن المآسي التي سببها في العالم من افغانستان الى العراق وغيرها ، لكن وان كان ذلك صحيحا فالاهم هو الارث المرير الذي يحمله الاميركيون من تدخلاتهم السافرة في اميركا الوسطى والجنوبية التي يعتبرونها فناءهم الخلفي. وكلمة "يانكي" تعني لغالبية سكان اميركا اللاتينية الاستعماري الانتهازي في الشمال الذي ارهق بلادهم بحروب اهلية اشعلتها اسلحته وامواله لفريق متمرد ضد اخر او ضد سلطة لا يرضى عنها الاميركي. كما ان اميركا اللاتينية هي سلة غذاء ومخدرات الولاياتالمتحدة الاميركية ، اكبر مستهلك للمادتين. خلاصة الامر ان لدى شعوب اميركا اللاتينية ما يكفي للحنق على اي رئيس اميركي، فما بالك بجورج بوش. ولا يمكن اغفال اثر موقف هوغو شافيز الشعبوي وقدرته على استمالة بعض قادة اميركا اللاتينية عبر المساعدات وهبات النفط الرخيص. كما ان بعض القادة اليساريين في دول اخرى ، مثل ايفو موراليس في بوليفيا ، يرفعون شعارات معادية للولايات المتحدة ويتهمون واشنطن بالاصرار على الاستمرار في استغلال جيرانها الجنوبيين الفقراء. ورغم ان جولة بوش تهدف بالاساس الى تصوير واشنطن وكانها تمد يد الصداقة للمعتدلين في مواجهة تطرف شافيز ضدها، وان حملت البيانات الرسمية تعزيز التجارة الحرة ومكافحة المخدرات وتخفيف حدة الفقر ، فان بوش لم يذكر شافيز في كل كلماته وتصريحاته. مع ذلك كان ظل شافيز ممثلا في عشرات الالاف من قوات الامن التي تحمي بوش من عدد اقل منها من المتظاهرين في المدن التي زارها. وكان الظل حقيقيا بمسار جولة الرجلين: حين كان بوش في اوراغواي يوم الجمعة معزولا عن الناس بالالاف من قوات الامن كان شافيز في الارجنتين المجاورة يخطب في اربعين الف شخص في استاد رياطي ومعه نجم الكرة مارادونا. وحين وصل بوش الى كولومبيا كان شافيز في بوليفيا ومع انتقال بوش الى غواتيمالا (اذ لم يستطع المكوث اكثر من بضع ساعات في كولومبيا الخطرة الوضع) كان شافيز في نيكاراغوا يندد به وبادارته ومعه الرئيس الجديد دانييل اورتيغا الذي يحمل مرارة خاصة تجاه اميركا. ورغم عجرفة وصلف المسؤولين الاميركيين في تأكيدهم انكم كانوا يتوقعون بعض الاعتراض وان الرئيس كان مرحبا به في كل الدول التي زارها ، يدرك هؤلاء ان الهدف الحقيقي من الجولة لم يتحقق كما ينبغي. فالهدف لم يكن فقط محاولة محو اثار حملة شافيز ضد بوش وادارته ، وانما حملة علاقات عامة للرئيس الذي يوشك ان يودع الحكم وهو في وضع لا يحسد عليه ، فالغرض الرئيسي هو تحسين الصورة حتى لا يقفل الستار على رجل فشل في كل مهامه ما يضعف هيبة الامبراطورية الجديدة. ورغم كل ترتيبات العلاقات العامة للرئيس في كل الدول التي زارها ، لم يكن ممكنا للاعلام ان يتجاهل مظاهرات الاحتجاج وصرخات المنددين ببوش وبسياساته ، حتى المحلية منها. فغواتيمالا على سبيل المثال، ورئيسها اوسكار بيرغر محافظ مقرب من واشنطن ، لا تغفر لادارة لوش طرد نحو ثلاثة الاف من ابنائها الذين دخلوا اميركا للعمل لان اقاماتهم ليست سليمة. ويوجد في اميركا نحو مليون غواتيمالي معظمهم دخلوا بشكل غير رسمي ، لكنهم يعملون ويحولون اموالا لذويهم. واذا كان موظفوا البيت الابيض ومستشاروا العلاقات العامة ارادوا للرئيس الاميركي ان يقوم بمهمة خارجية بعيدة عن العراق وايران والفوضى في فلسطين ولبنان، لعله يحقق بعض الانجاز الدبلوماسي الذي يحافظ على هيبة المنصب الذي يتبوأه، فقد مني هؤلاء بخيبة امل. ولا يمكنهم فقط لوم هوغو شافيز ، ولكن فيما يتعلق بكارثة العراق تبدو حتى الان خاطئة في التعامل مع اي من تبعاتها حتى في اميركا اللاتينية التي قد لاتعني لهم اكثر من الموز والمخدرات. وكل هم من تبقى مع بوش من "شركاء السوء"، مثل مستشاره الصهيوني ستيفن هادلي ونائبه ديك تشيني، هو محاولة الحفاظ على شرعية السياسة الاميركية الخاطئة. بالضبط كما يفعل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الاشهر الاخيرة له بمحاولته الحفاظ على بعض الكرامة السياسية عبر ماكينة علاقات عامة هائلة تمنى بالفشل كل يوم. واذا كان المهوسون بالمصريات، ممن يعانون من "ايجيبتومانيا"، يعتقدون في لعنة الفراعنة التي تصيب من يعبث باثارهم، فان لعنة العراق لن تدع بوش وبلير يهنآن حتى بعد ان يتركا السلطة والحكم. واذا كانت جماهير اميركا اللاتينية هتفت هذه الايام مطالبة برحيل الاميركي، فماذا يفعل المحتلون في منطقتنا بالقوة العسكرية والضغوط السياسية والاقتصادية لذلك اليانكي الذي لا يريد ان يعود لبلاده ويتركنا في امان.