في أواخر القرن التاسع عشر كانت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد بحاجة إلى حليف مثل ألمانيا للوقوف في وجه الأطماع البريطانية والفرنسية، كما هي حاجة ألمانيا للخروج من عزلتها الأوربية، وتحقيق بعض المنافع الاقتصادية. ونتيجة للصداقة التي انعقدت بين الطرفين قام إمبراطور ألمانيا (وليم الثاني) في عام 1898م بزيارة لبلاد الشام، واستقبل الإمبراطور في دمشق استقبالاً حافلاً، وأرسل من دمشق رسالة إلى قريبه (نيقولا) قيصر روسيا يقول فيها "كان شعوري الشخصي عند مغادرتي المدينة المقدسة (القدس) مليئًا بالخجل تجاه المسلمين...". هذه العلاقة بين الدولة العثمانية وألمانيا شجعت أصحاب جريدة (نبراس المشارقة والمغاربة)[1]، على توجيه رسالة إلى ملك ألمانيا يدعونه فيها إلى الإسلام: (ثم على جناب الإمبراطور بعد ذلك أن يراجع ما كتبناه إلى جنابه عن وجوب استعمال النظر وتحكيم العقل في مراشد الدين الإسلامي، ومكارم تنبيهاته). وبعد ذلك يطلبون من الإمبراطور أن يدعو (ميكادو) اليابان إلى الإسلام، وبذلك يتكون منه ومن أمته ومن (الميكادو) وأمته والخليفة (عبد الحميد) وأمته أمة واحدة يوحِّدون الله...[2]. كان الشماخي والعمري يعتقدان أنه بإسلام (الميكادو) وملك ألمانيا سيسلم الشعب الياباني بأسره، وكذلك الشعب الألماني، وكانت اليابان قد انتصرت في هذه المدة على روسيا، وفرح المسلمون لهذا الانتصار على أكبر عدو لهم آنذاك. ويعود الرَّحَّالة أحمد الجرجاوي إلى تأكيد الفكرة نفسها في رحلة اليابان عام 1907م من أجل نشر الإسلام، ويرى أن أسلمة اليابان سوف تجعل منها ومن الدولة العثمانية الدولتين القابضتين على الشرق، وشبَّه النهضة التي ستحصل إذا أسلم (الميكادو) بما وقع في عصر صلاح الدين. لا نريد محاكمة هذين الصحفيين وهذا الرَّحَّالة إلى واقعنا اليوم، ولكن هذه المحاولة تنبئ عن شيء في عقل المسلم، وهو اعتماد السهولة وتبسيط الأمور إلى درجة مخلة!! فلماذا نتعب في تقوية الصف الإسلامي تجاه الغرب؟ يكفي أن يسلم شعب قوي فتي مثل الشعب الياباني أو الألماني وتنتهي مشكلتنا ونجابه الغرب النصراني!! إن فكرة انتظار البطل (صلاح الدين) هي أيضًا ضمن مخلفات مرض السهولة عندما نريد حلاًّ بلا تعب ولا كلفة؛ ففي واقع الأمر اليوم في الدول العربية -مثلاً- شراء منتجات مصانع الآخرين أسهل من التفكير بالصناعة، وإشاعة الجو العلمي الذي يهيئ للاستغناء عن الآخرين!! نريد شيئًا جاهزًا، فإنشاء المؤسسات التي تفرز عقلية (الفريق) أكثر صعوبة من انتظار الفرد البطل المعجزة. وقد يقول قائل: هل تمنع داعية أن يرسل رسالة إلى ملك دولة يدعوه فيها إلى الإسلام؟ ونقول: معاذ الله! فدعوة الناس للإسلام واجبة، سواء أكانوا رؤساء أو مرءوسين. ولكن الرسائل التي أرسلت إلى ملك ألمانيا لم ترسل إلا لظن أصحابها أن هذا الملك اقترب من الإسلام بسبب العلاقات الحسنة مع الدولة العثمانية، كما ينظر بعض المسلمين اليوم إلى الأمير (تشارلز) ولي عهد بريطانيا، ويظنون أنه يمكن أن يكون قد أسلم سرًّا بسبب خطابه المتعقل والدبلوماسي عن الإسلام. وهل إذا أسلم الإمبراطور أو (الميكادو) سيسلم تبعًا له الشعب بكامله؟! هذا هو التبسيط المخل، أو السذاجة التي لا نريدها للمسلم. =========================================== [1] محمد قاسم بن سعيد الشماخي وسيد بن مصطفى العمري، والأول أصله من عمان واستقر في القاهرة، والثاني مصري من أسرة (السادات) أسسا الجريدة عام 1904م في القاهرة، وكانا من مؤيدي فكرة الجامعة الإسلامية التي يتبناها السلطان عبد الحميد. انظر: عبد الرءوف سنو: الدعوة إلى الإسلام والعلاقات الدولية، مجلة الاجتهاد، الأعداد 45-46 صفحة 255. [2] المصدر السابق ص255.