إن القواعد الدولية، المستمدّة من اتفاقية قانون المعاهدات لعام 1969، تُحدّد شروط انقضاء المعاهدات، أو إنهاء العمل بها. ويتم ذلك باتفاق الأطراف أو بدون اتفاقها. فإذا كان باتفاقها فإنه يتمّ: 1 - إما باتفاق سابق تتضمنه المعاهدة، مثل التنفيذ الكامل والشامل للالتزامات المنصوص عليها في المعاهدة، أو حلول أجل انتهاء المعاهدة، أو تحقّق شرطٍ فاسخٍ يترتّب عليه زوال رضاء الأطراف. 2 - وإما باتفاق لاحق على إبرام المعاهدة، سواءٌ أكان صريحًا أم ضمنيًا. وقد تنتهي المعاهدة أو تفسخ بدون اتفاق الأطراف. ويكون ذلك: أولا نتيجة الإخلال الجوهري بأحكام المعاهدة، كالتنصّل منها أو مخالفة نصّ أساسي فيها. ثانيا - أو نتيجة استحالة تنفيذ المعاهدة، كزوال أمرٍ لا يُستغنى عنه لتنفيذها. ثالثا - أو نتيجة التغيّر الجوهري في الظروف. وهذا الأمر يستبعد حالة التحلّل من أحكام المعاهدة بالإرادة المنفردة. ويمكن إجمال الشروط التي يجب أن تتوافر للاعتداد بالتغيّر الجوهري بالأمور الآتية: 1- أن يكون التغيّر الذي أُبرمت المعاهدة في ظله جوهريًا يعجز أي تغيير آخر عن إحداث الأثر ذاته. 2 - ألاّ يكون هذا التغيّر متوقّعًا عند إبرام المعاهدة. 3 - أن يتناول هذا التغيّر الظروف التي كانت أساسًا لرضاء الأطراف، بمعنى أن هذه الظروف لو كانت موجودة عند إبرام المعاهدة لما أقدم الأطراف على إبرامها. 4 - أن يترتّب على تغيّر الظروف تبديل جذري في مضمون الالتزامات. وتلحظ اتفاقية قانون المعاهدات هنا استثناءين: 1 - حق الطرف، الذي يدفع بتغير الظروف الجوهرية، في الخيار بين إنهاء المعاهدة أو إيقاف العمل بها. 2 - استثناء المعاهدات المنشئة للحدود، والحالات التي يكون فيها التغيّر ناجمًا عن إخلال الطرف (الذي يدفع به) بالتزاماته المترتبة على المعاهدة... استثناؤها من تطبيق حكم التغير الجوهري. رابعا - أو نتيجة ظهور قاعدة دولية جديدة تتعارض مع المعاهدة النافذة، أو مع حكمٍ معيّن فيها. وقواعد القانون الدولي العام على نوعين: قواعد مقرّرة يجوز الاتفاق على خلافها، وقواعد آمرة لا يجوز الإخلال بها، أو الاتفاق على خلافها أو مخالفتها، ولا يمكن تعديلها إلاّ بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها الطابع ذاته، أي قاعدة آمرة. وهذا ما نصّت عليه المادة 64 من اتفاقية قانون المعاهدات التي اعتبرت أن جميع الاتفاقيات السابقة أو اللاحقة لنشأة قاعدة دولية آمرة، مناقضةٍ لها أو متعارضةٍ معها، باطلةٌ ومنقضية. مشروعية الحجج المطالبة بإلغاء معاهدة «السلام» المصرية - الإسرائيلية الرضى في المعاهدات شرط أساسي لصحة انعقادها، فلا قيمة لمعاهدة تُبرمها الدولة بغير رضاها ورغبتها الحرة في الالتزام. وأحكام القانون الدولي الحديث تُقّر لكل دولةٍ تشكو من أيّ عيب من عيوب الرضى بالحق في اعتبار المعاهدة باطلةً، أو بالحق في المطالبة ببطلانها. وأشهر عيوب الرضى: الإكراه، والتدليس، والخطأ، والغبن. والإكراه هو أهمها على صعيد العلاقات الدولية. وقد نال، باعتباره عيبًا مفسدًا للرضى، حظًا وافرًا من تحليلات الفقهاء الدوليين. فالقانون الدولي التقليدي (ومعه غالبية الفقه التقليدي) كان، قبل الحرب العالمية الثانية، يعترف بصحة معاهدات الصلح، ولو تمّت بالإكراه، فكان بذلك يُضحّي باعتبارات العدالة والقيم الإنسانية بدعوى المحافظة على الأوضاع التي أقرّتها تلك المعاهدات. وبعد قيام الأممالمتحدة ظهرت بوادر تحوّل مهم تهدف إلى تغيير تلك القاعدة الجائرة. ولعلّ العنصر الأهم في هذا التطور هو ما ورد في الميثاق الأممي من مواد متعلقة بتحريم الحرب واستخدام القوة أو التهديد باستخدامها. وانعكس هذا التطور على موقف الغالبية من الفقهاء الدوليين التي أخذت تعارض الاتّجاه القديم وتطالب بجواز إبطال المعاهدات المعقودة تحت تأثير الإكراه أو العنف أو الاحتلال. وهناك أمثلة عديدة عن بطلان المعاهدات المبرمة في ظلّ الإكراه والاحتلال. ونكتفي بمثلين: الأول هو الشكوى التي رفعتها إيران، عام 1946، إلى مجلس الأمن الدولي ضد الاتحاد السوفيتي الذي كان يحتلّ جزءًا من أراضيها (مقاطعة أذربيجان) ويعتبر أن الاحتلال تمّ بناءً على اتفاقٍ سابقٍ عُقد بينه وبين إيران عام 1942. ولكن إيران أكدت أن الاتفاق المذكور كان باطلاً لم تتوافر فيه حرية الرضى لأنه وُقّع في ظل الاحتلال. والمثل الثاني هو إلغاء مصر، عام 1951، المعاهدة المصرية - البريطانية المعقودة عام 1936. وسبب الإلغاء هو أن المعاهدة عُقدت في ظل الضغط الناشئ عن الاحتلال البريطاني، وأن المقصود بضغط الاحتلال ليس الإكراه المادي فقط، بل كذلك الإكراه الأدبي أو المعنوي الذي نتج من الاحتلال. فالاتجاه القانوني والفقهي الحديث يعتبر معاهدةَ الصلح التي تُبرم في ظل الاحتلال باطلةً. وفي عام 1969 جاءت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تُعلن، في المادة 52، بطلان كل معاهدة مبرمة في ظل التهديد بالقوة أو باستخدام القوة. وذهبت المادة 53 منها إلى أبعد من ذلك عندما اعتبرت المعاهدةَ باطلةً بطلانًا مطلقًا إذا كانت، عند إبرامها، تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام. وهناك حجج دامغة وواضحة تثبت غياب عنصر الرضى عن المعاهدة المصرية- الإسرائيلية، وتستند إلى أحكام القانون الدولي وثوابت الحقوق القومية المعترف بها قانونًا وفقهًا. ويمكننا ذكرها باقتضاب: أولاً- إن المعاهدة لم تُعرض على الشعب المصري لإبداء رأيه فيها، مع أن التاريخ السياسي والدبلوماسي في بلاد العالم يُنبئنا بأن معاهدات من هذا النوع والوزن والأهمية تخضع، قبل إقرارها، لاستفتاءٍ شعبي بغرض التعرف إلى موقف المواطنين (أو على الأقل، موقف الغالبية منهم) من صحتها أو صلاحيتها أو ملاءمتها للرغبات الشعبية. وقد أجرى معهد أمريكي استطلاعًا للرأي لدى المصريين، في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، فاكتشف أن 54% منهم يرفضون تلك المعاهدة. ونشير إلى أن قوى سياسية عديدة وفاعلة في مصر طالبت، في مناسبات مختلفة، بطرح المعاهدة على الاستفتاء الشعبي، فكان المسؤولون يتحايلون ويتذرّعون بحجج واهية لعدم تلبية الطلب. ثانيًا- إن المعاهدة تم توقيعها في ظل مرابطة الجيش الإسرائيلي في الأراضي المصرية. وبذلك لم تكن إرادة المفاوض المصري حرة. وتجلّى الإكراه، المفسد لعنصر الرضى في المعاهدات، في فرض قيود قاسية على السيادة المصرية، فسيناء باتت منطقة شبه منزوعة السلاح وتفتقر إلى أية حماية فعلية من جانب مصر. وعدم التكافؤ في المعاهدة أخلّ بمبدأ التوازن وجاء على حساب السيادة المصرية لصالح الأمن الإسرائيلي. والسبب يعود إلى إجراء التفاوض تحت الإكراه. ثالثًا- المعاهدة أُبرمت في ظل تهديد أمريكي سافر وموجّه للرئيس السادات ولمصر. فقد ذكر الرئيس الأمريكي آنذاك، جيمي كارتر، أنه عندما علم بأن السادات قرّر الانسحاب من المفاوضات التي كانت تجري في (كامب ديفيد) والعودة إلى بلده، سارع إلى تنبيهه إلى النتائج الخطرة والوخيمة التي ستترتب على إنهاء المفاوضات، وإلى أن تصرّفه سيُنزل ضررًا بالغًا بالعلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة، وأن مسؤولية الفشل سيتحمّلها السادات شخصيًا. وقبل توقيع المعاهدة بيوم واحد، أي في 25/3/1979، تسلّمت الحكومة المصرية رسالةً من الولاياتالمتحدة تؤكد حق هذه الدولة في اتخاذ التدابير التي تراها ملائمةً في حال حدوث انتهاك لمعاهدة السلام، بما في ذلك الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وتؤكد كذلك حقها في تقديم الدعم اللازم لما تقوم به إسرائيل من أعمال لمواجهة أي انتهاك للمعاهدة، وخصوصًا إذا هدّد الانتهاك أمن إسرائيل، فعرّضها، مثلاً، لحصارٍ يمنعها من استخدام الممرات المائية الدولية، أو أدى إلى انتهاك بنود المعاهدة بشأن الحدّ من القوات العسكرية، أو شنّ هجوم مسلّح على إسرائيل. وأكدّت الرسالة أيضًا استعداد الولاياتالمتحدة لاتّخاذ تدابير عاجلة بُغية تعزيز وجودها في المنطقة، وتزويد إسرائيل بالسلاح اللازم لممارسة حقوقها البحرية ووضع حدّ للانتهاكات. رابعًا- إن إلغاء المعاهدة يمكن أن يتم استنادًا إلى شرط التغيّر الجوهري للظروف. فقد تتغير الظروف التي تُبرم المعاهدة في ظلّها تغيرًا جوهريًا ينجم عنه خللٌ بالالتزامات المتبادلة، أو يجعل الاستمرار في تطبيق المعاهدة أمرًا صعبًا أو مستحيلاً. فبعض الفقهاء يرى أن الدول التي يتغير نظامها السياسي الداخلي، وهذا الأمر ينطبق على وضع مصر بعد انتفاضتها الثورية في يناير 2011 وتغيير نظام الحكم فيها، يمكنها الاحتجاج بمبدأ التغير الجوهري للظروف، والمطالبة بإلغاء أو تعديل المعاهدات التي سبق لها أن أبرمتها. وقد أُتيح لمصر استخدام هذا الحق مرتين في تاريخها الحديث: أولاً، عندما قامت عام 1951 بإلغاء معاهدتها مع بريطانيا لعام 1936. وثانيًا، عندما قررت حكومة أنور السادات، عام 1976، إلغاء معاهدة الصداقة المبرمة مع الاتحاد السوفياتي عام 1971. خامسًا- إن إلغاء المعاهدة يمكن أن يتم أيضًا استنادًا إلى تعارضها مع أحكام المعاهدة العربية للدفاع المشترك، الموقّعة عام 1950، وإلى إلغاء الدور القيادي والريادي لمصر على الصعيد العربي. فالدول الأعضاء في هذه المعاهدة (وهي جميع الدول العربية) تعتبر، في المادة الثانية منها، أن كلّ اعتداء مسلّح يقع على أية دولة عضو يُشكل اعتداءً عليها جميعًا، وأن من حقها المستمدّ من حق الدفاع المشروع، الفردي أو الجماعي، اتخاذ جميع التدابير، منفردةً ومجتمعةً، واستخدام كل الوسائل، بما في ذلك استخدام القوة المسلّحة، لردّ الاعتداء، وذلك تطبيقًا لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية، والمادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة. وبما أن معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية تنصّ على عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، بشكل متبادل، وبما أن فئة من الدول العربية قد تعرّضت وما زالت تتعرّض للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، فإن المعاهدة المذكورة تنسف الأهداف التي قامت على أساسها معاهدة الدفاع العربي المشترك. سادسًا - إن إسرائيل، منذ توقيع المعاهدة، قد أخلت مثنى وثلاث ورباع وأكثر ببنود المعاهدة. ويتمثّل ذلك، وعلى سبيل المثال، في الاعتداءات المتكررة على الشعب اللبناني (اجتياح لبنان عام 1982 وعدوان عام 2006) والشعب الفلسطيني (الغارات الوحشية المستمرة على القطاع والضفة، ومنها ع-دوان عام 2008 على قطاع غزة)، وفي قيام إسرائيل بتحويل مسؤولية حماية الحدود الجنوبية مع مصر من قوات لحراسة الحدود إلى لواء عسكري إسرائيلي مسلّح، وكذلك في الانتهاك الدائم للحدود المصرية وللشريط الحدودي الفاصل خلال الهجمات الجوية الدائمة على قطاع غ-زة، وأيضًا في الاختراقات المستمرة لحرمة السيادة والأراضي المصرية بدعوى عدم قدرة السلطات المصرية على حماية الأمن في سيناء، وقد جاءت أحداث 18 و19/8/2011 (الاعتداء على ضابط وجنود مصريين وقتلهم) لتشكّل ذروة هذه الاختراقات. ------------------------------------------------------------------------ التعليقات مواطن بجد الجمعة, 06 يناير 2012 - 12:20 am سؤال برئ بعد قراءة هذا الدراسة المفاجأة ، و هي مفاجأة أننا لدينا من الأسباب القانونية القوية ما يوضح ضرورة إلغاء هذه الإتفاقية المجحفة ، بينما سياسيونا المرشحون لمجلس الشعب يتلعثمون بإجابات مواربة عند سؤالهم عن موقف أحزابهم عن اتفاقية السلام مع الصهاينة . .،.و يبقى سؤال هام : لماذا لا نرى علم اسرائيل ضمن أعلام الدول المتابعة للموقع - أسفل هذه الصفحة - أليس هناك عربي واحد يقرأ العربية و يتابع جريدة قوية تاريخية كجريدتنا الشعب ؟ أشك في ذلك . حسام الدين الجمعة, 06 يناير 2012 - 08:30 pm الالغاء عمليا الغاء المعاهدة من عدمه ليس مكانه المحافل الدولية او القانونية بل تاتي هذه المرحلة بعد تكوين القوه في هذه الحالة لن نحتاج الي حجج قانونية بل ان الطرف الاخر من نفسه سيقوم بتعديلها احتراما لنا الضو عثمان الجمعة, 06 يناير 2012 - 09:42 pm الغاء المعاهدة القوة هى التى تلغيها لانها فرضدت علينا ضعفا مصطفى الأحد, 08 يناير 2012 - 05:49 am وان أحسنتم قلها لقد ارشدنا الله سبحانه وتعالى لكيفية التعامل مع هذا الكيان الظالم فى سورة الإسراء وهى السورة التى تتحدث عن نهاية هذه الدولة الغاصبة وذلك فى الآية الكريمة \\\"ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أساتم فلها\\\". ان اسرائيل دائمة العدوان على مصر بدون حساب او عقاب. أنا ارى ان يتم عقاب اسرائيل على أى اعمال عدائية تجاه مصر بنقض جزء من معاهدة السلام كما يلى :\\r\\n يتم تقسيم معاهدة السلام الى عشر اجزاء مثلا بدون ترتيب معين و يتم اعلام اسرائيل والعالم بان أى عمل عداءى من اسرائيل تجاه مصر سيكون نتيجته الغاء جزء من المعاهدة تلقائيا من جانب مصر. من أمثلة الاعمال العدائية:\\r\\n1- قيام اسرائيل بالتهديد باحتلال سيناء\\r\\n2- قيام اسرائيل بالتهديد بضرب السد العالى او أى موقع حيوى فى مصر \\r\\n3- ان خريطة \\\"دولة اسرائيل من الفرات الى النيل\\\" هى عمل عدائي ضد مصر واذا لم تقم اسرائيل بإلغائها فسيكون نتيجة ذلك الغاء جزء من المعاهدة\\r\\n4- أى إهانة للإسلام \\\"فى صورة التعدى على الله ورسوله والقران الكريم\\\" او التعدى على المسجد الأقصى او المساجد عموما فى فلسطين سيكون من نتيجته نقض جزئين من المعاهدة\\r\\n5- كشف شبكات تجسس داخل مصر لصالح اسرائيل\\r\\nوغيرها