كشف مصدر مسئول بالحكومة، اليوم الجمعة 2 مارس 2018م، أن بعثة فنية من صندوق النقد الدولي اتفقت مع النظام بمراجعة ومراقبة موازنة العام المالي الجديد المقبل 2019/2018، قبل إحالتها إلى مجلس النواب لمناقشتها، وأن الحكومة انتهت بالفعل من وضع عدد من السيناريوهات الخاصة بدعم السلع والخدمات وعجز الموازنة والدين العام والإيرادات المتوقعة والرسوم والضرائب الجديدة، على أن يقوم خبراء الصندوق بالمساعدة في اختيار السيناريو الأفضل من وجهة نظره. وذهب محللون إلي إن هذه التصريحات تؤكد أن المؤسسات المالية الدولية باتت تمارس تدخلات سافرة في صنع وإدارة القرار الاقتصادي والمالي داخل مصر، وقيام هذه المؤسسات بالرقابة المسبقة على بنود الموازنة العامة للدولة قبل تمريرها من قبل الجهات التشريعية، وبالتالي المشاركة في تحديد أولويات الإنفاق الحكومي في البلاد. وقال الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام ما صرح به المسئول الحكومي يُعني ببساطة أن صندوق النقد الدولي بات يشارك الحكومة المصرية في صناعة القرار الاقتصادي، وأن الصندوق بات هو المندوب السامي الجديد في البلاد الذي يحدد أولويات الإنفاق العام للدولة، فهو الذي يحدد حجم المخصصات التي ستذهب للطبقات الفقيرة والمهمشة. ويضيف "عبد السلام" أن "الصندوق هو الذي سيحدد مواعيد الزيادة الجديدة في أسعار البنزين والسولار وغاز الطهي، وهو الذي يحدد حجم الدعم الموجه للسلع التموينية من سكر وأرز وسلع غذائية وغيرها، وهو الآمر الناهي في تحديد قيمة الضرائب والرسوم الجديدة التي سيتم جمعها من المصريين في العام المالي الجديد، والصندوق هو الذي يحدد حجم الضرائب الجديدة التي سيتم فرضها، ومواعيد فرض هذه الضرائب". ويتابع "كما أن صندوق النقد الدولي هو من سيحدد حجم العمالة الحكومية في الجهاز الإداري للدولة، وحجم العجز المطلوب في الموازنة العامة للدولة، ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي". ويؤكد عبد السلام أن الاقتصاد المصري حاليا بات يدار من العاصمة الأمريكيةواشنطن، مشيرا إلى تحذيراته منذ عامين أنه بتعيين صندوق النقد ممثلا مقيما له في القاهرة يكون بذلك قد أحكم سيطرته على صناعة القرار الاقتصادي في البلاد، وأنه مع قرب حصول الحكومة على شريحة جديدة من قرض الصندوق فإن التعليمات والإملاءات الجديدة ستصدر من واشنطن وعلى الحكومة التطبيق، أو لنقل إنه يتم صناعة القرار في مصر، لكن التطبيق مشروط بموافقة صندوق النقد بواشنطن وبعثته الفنية وممثله المقيم في القاهرة. ويضيف "هذا كلام ليس به مبالغة ولا تهويل، فالشهور الماضية أكدت ما ذهب إليه كل غيور على هذا البلد من التحذير من الخضوع لإملاءات وشروط صندوق النقد مقابل قرض يمكن أن يدر قطاع السياحة المصري أكثر من قيمته خلال عام واحد في حال عودة التعافي له". ويشدد الخبير الاقتصادي على أن مصر لم تجن من قرض الصندوق سوى الخراب "فبنظرة للقرارات التي أعقبت اتفاق مصر مع صندوق النقد في نوفمبر 2016 نجد أن الكوارث الاقتصادية قد حلت، فمن الذي أوعز للحكومة بتعويم الجنيه والسماح بتدهوره أمام الدولار لتفقد العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها في يوم واحد؟ ومن الذي أوعز للحكومة بإجراء زيادات مستمرة في أسعار السلع الغذائية دون النظر لقدرات المصريين المالية وثبات دخولهم؟ ومن الذي حذر الحكومة من خطورة التأخر في زيادة أسعار البنزين والسولار للمرة الثالثة خلال أقل من عام ونصف؟ ومن الذي طلب من الحكومة زيادة أسعار الوقود مرتين منذ نوفمبر 2016 وحتى نهاية يونيو2017 بنسب كبيرة تراوحت بين 30% و55%% ومن الذي طلب من الحكومة خفض دعم الطاقة إلى 50 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) رغم ارتفاع أسعار النفط عالميا؟ ومن الذي طلب إخراج نحو 3 ملايين مواطن من منظومة بطاقات التموين لدعم السلع؟ ومن الذي طالب بتحرير أسعار الوقود والكهرباء وعدم تقديم دعم حكومي للقطاعين المرتبطين ارتباطا وثيقا برجل الشارع خاصة الطبقات الفقيرة؟. ويكشف الخبير الاقتصادي عن المعادلة السارية في إدارة الاقتصاد في ظل حكم العسكر بأنه "كلما زادت الضغوط المالية على مصر، زادت إملاءات الصندوق وتعليماته القاسية التي يكتوي بنيرانها المواطن في صورة قفزات في الأسعار، وتآكل في المدخرات الوطنية والأصول، وزيادات مستمرة في الضرائب، زيادات لا ترحم أحدا". ويختم عبد السلام قوله بالتأكيد أن صندوق النقد الدولي لا يريد الخير لمصر، وإن أراد فإن سياساته وإملاءاته وشروطه تؤدي لشيء واحد هو مزيد من الفقر والبطالة والتجويع، وبالتالي مزيد من الانفجار الشعبي، فسياسات الصندوق لن تخلق تنمية حقيقية، ولن تثمر عن تأسيس مشروعات توفر فرص عمل لملايين الشباب، ولن تسفر عن حل لأزمة الفقر والبطالة، بل نتيجتها واحدة وهي جر البلاد للهاوية ولمزيد من الاقتراض الخارجي، وبيع ما تبقى من شركات القطاع العام، وفرض مزيد من الأسعار والرسوم والضرائب، وبالتالي رهن حاضر ومستقبل البلاد للخارج.