تتصاعد حدة الاشتباك السياسي بين الحكومتي التركية والألمانية , حيث بلغت مستوى "غير مسبوق" من الحدة , مما يهدد بإنهيار العلاقات كافة بين البلدين , حيث كانت بداية التوترات إقرار البرلمان الألماني بمذبحة "الأرمن" , وتصريحات ألمانيا عن محاولة الأنقلاب , ويصاحب الاشتباك السياسي حرب تصريحات بين الطرفيين , بلغت "ألزم حدك " الذي وجهها أردوغان إلى وزير الخارجية الألماني ودعوات أردوغان للأتراك الألمان بعدم دعم ميركل فى الانتخابات المقبلة . حيث تعد الجالية التركية في ألمانيا، أكبر جالية أجنبية هناك، ببلوغ عددها 3 مليون نسمة وهو ما يمثل قرابة ربع نسبة الأجانب المقيمين في ألمانيا،من بينهم نحو 1.2 مليون، حصلوا على الجنسية الألمانية بالفعل. حرب التصريحات بين الألمان والأتراك .. طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة الماضية، المواطنين الألمان من أصل تركي إلى عدم دعم الحزب الديموقراطي المسيحي، التي تترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ذلك بالإضافة للحزب الديموقراطي الاشتراكي وحزب الخضر، في الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع إقامتها في 24 سبتمبر المقبل، مُعتبرًا إياهم «أعداء لتركيا»، لافتًا إلى أن تلك الأحزاب «تعتقد أنها ستحصد المزيد من الأصوات بقدر مهاجمتها لتركيا»، ودعاهم لدعم الأحزاب التي لا تعادي تركيا، واصفًا ذلك ب«مسألة كرامة لمواطنينا المقيمين في ألمانيا». وأدت تلك التصريحات إلى انزعاج ألماني، ظهر بوضوح على لسان وزير الخارجية الألماني سيجمار جابريال، المنتمي للحزب الديموقراطي الاشتراكي،الذي انتقد تلك التصريحات، معتبرًا إياها «تدخلاً استثنائيًا في سيادة بلادنا»، ليرد أردوغان السبت الماضي، على تصريحات جابريال بغضب قائلًا: «التزم حدودك! من أنت لتخاطب رئيس تركيا بهذه الطريقة؟ إنه يحاول إعطاءنا درسًا. منذ متى تتعاطى السياسة؟ كم تبلغ من العمر؟» ويتبادل الألمان والأتراك الاتهامات في تحميل كل منهما للآخر مسؤولية توتر العلاقات بين البلدين، ففي الوقت الذي حمّل فيه أردوغان ألمانيا مسؤولية التوتر الحادث بين البلدين، بسبب ما أسماه، عدم التزام ألمانيا بمعايير الاتحاد الأوروبي، باتخاذها من تركيا هدفًا لتجاذبات داخلية، اتهم فولكر كاودر، زعيم الكتلة البرلمانية لتحالف ميركل، تركيا برغبتها في تدمير العلاقات بين البلدين لأسباب سياسية داخلية، محذرًا تركيا من تقديم المزيد من «الاستفزازات»، وطالب كاودر أمس الاثنين، من الألمان من ذوي الأصل التركي، بألا يتأثروا بأي دعوات من الخارج، وأن يشاركوا في الانتخابات الديموقراطية، وقال «ألمانيا بلدكم», حسبما أفادت "ساسة بوست". وتأتي تلك التصريحات المتبادلة، بعد أن قالت ميركل الأربعاء الماضي «إنه من غير الممكن متابعة المفاوضات مع تركيا حيال تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، قبل تخفيف وطأة التوتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبي»، وهو ما أزعج تركيا التي قال وزير اقتصادها نهاد زيبكجي، الجمعة الماضية، إن تصريحات ميركل من شأنها أن تضر البلدين، واعتبر أن ميركل ليست الجهة المعنية بالإدلاء بتلك التصريحات ،ولا يمكنها اتخاذ قرار كهذا بمفردها. وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية الاتحاد الجمركي الموقعة عام 1995 تُطبق على المنتجات الصناعية حاليًّا دون المنتجات الزراعية التقليدية، ولكن في حال تحديثها فإنها ستشمل المنتجات الزراعية والخدمية والصناعية وقطاع المشتريات العامة، مما يُفيد تركيا ويحول دون إلحاق الضرر بها من اتفاقات التجارة الحرة التي يبرمها الاتحاد الأوروبي مع دول أخرى. وتحمل تلك التصريحات حيثية اعتبارية كبيرة لألمانياوتركيا، ليس فقط لتسببها في تصعيد الخلاف بين البلدين، وإنما أيضًا لكبر حجم الجالية التركية في ألمانيا؛ إذ تُعد الجالية التركية في ألمانيا أكبر جالية أجنبية هناك، ببلوغ عددها 3 مليون نسمة وهو ما يمثل قرابة ربع نسبة الأجانب المقيمين في ألمانيا،من بينهم نحو 1.2 مليون، حصلوا على الجنسية الألمانية بالفعل، مما يجعلهم يملكون الحق في التصويت، من بين 61.5 مليون ألماني له حق التصويت، بكتلة تصويتية لا يُستهان بها في الانتخابات البرلمانية المُقبلة. ولكن عددًا من الصحف الأجنبية أشارت إلى أن دعوة أردوغان، لن تؤثر على حظوظ ميركل كثيرًا على اعتبار أن الألمان من ذوي الأصل التركي نادرًا ما يدعمون حزب ميركل، وأشارت إلى أنه على العكس، قد تدعم استجابة الأتراك إلى تلك الدعوة، حظوظ ميركل، على اعتبار أن كثيرًا من الألمان من ذوي الأصل التركي عادةً ما يدعمون اليسار، الذي يمثله منافس ميركل مارتن شولتز عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وهذا قد يعني أن شولتز قد يخسر الاستشارية على اعتبار أن الأحزاب الأخرى التي طلب أردوغان دعمها أصغر من أن تحقق الانتصار في الانتخابات. لماذا تصاعد الخلاف التركي الألماني لهذا الحد؟ 1- إقرار البرلمان الألماني بتعرّض الأرمن ل«إبادة الجماعية» لا يمكن فصل التصعيد التركي لحد دعوة الألمان من أصل تركي إلى التصويت ضد ميركل وحلفها، عن سجال من التوتر والخلافات التي شهدته العلاقات بين البلدين خلال أكثر من عام مضى، أفضى لتلك النتيجة، فقبل أسابيع قليلة من محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا والتي وقعت في 15 يوليو 2016، اتخّذ البرلمان الألماني قرارًا، مطلع يونيو 2016، يعتبر أحداث عام 1915 «إبادة جماعية»، ارتكبتها الدولة العثمانية ضد الأرمن. أثار هذا الإعلان الغضب والانتقاد التركي، الذي وصل إلى استدعاء تركيا للقائم بأعمال السفير الألماني في أنقرة لإبلاغه احتجاج تركيا، واستدعاء سفيرها في برلين ل«التشاور معه» وطالب أردوغان بإجراء «فحص دم لهؤلاء النواب في المختبر من أجل التحقق من أصولهم التركية» في إشارة إلى البرلمانيين الألمان من أصل تركي الذين دعموا القرار، مما دفع ألمانيا هي الأخرى باستدعاء القائم بأعمال السفير التركي في برلين، وإبلاغه بأن هذه التصريحات «غير مفهومة» دبلوماسيًا، ولكن حدة التوتر في هذه القضية انخفضت نسبيًا، مع تأكيد ميركل لاحقًا، الطابع «غير الإلزامي» لقرار البرلمان. 2- موقف ألمانيا من «محاولة الانقلاب الفاشلة» في تركيا خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، لم يكن التضامن الألماني مع تركيا بالشكل الكافي، بحسب ما أقر وزير الخارجية الألماني، سيجمار جابريال، الذي قال مطلع يوليو 2017، كان يجب على ألمانيا الرد على محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا العام الماضي بتضامن أكثر ودًا، مضيفًا: «أعتقد أننا وقعنا في خطأ». ولكن لم تتدارك ألمانيا مع اعتبرته خطأ، بل صعّدت ألمانيا موقفها أكثر ضد تركيا، بانتقادها وضع الحريات في تركيا، على إثر الحملة التي شنتها تركيا ضد من اتهمتهم تركيا بالمشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة، وتضمنت آلاف حالات الاعتقال والفصل من الوظائف. وأعربت ألمانيا عدة مرات عن رفضها ل«حملات الاعتقالات الموسعة» التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة بدعوى محاسبة المشاركين فيها، كما أنها رفضت تلويح أردوغان بإمكانية تفعيل عقوبة الإعدام في تركيا، لمحاكمة المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة. ولم يتوقف الانتقاد الألماني لهذا الحد، بل قبلت ألمانيا طلبات لجوء لعسكريين ومواطنين أتراك، تتهمهم تركيا بالمشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة، وقد أشار أردوغان لذلك في موجة تصريحاته الأخيرة، عندما قال «قدّمت لميركل ملفات 4500 إرهابي مطلوب (لدى تركيا)، لكن لم نتلق أي رد إيجابي حتى اليوم وما زلنا ننتظر». وقد امتد الغضب التركي في هذا الملف، لدرجة اتهام تركيالألمانيا بدعم «الإرهابيين»؛ عندما قال وزير الخاريجة التركي مولود جاويش أوجلو، إن ألمانيا البلد «الأكثر دعمًا للإرهابيين المنحدرين من تركيا». لافتًا إلى أن ألمانيا تستقبل ب«أذرع مفتوحة» أنصار الداعية التركي فتح الله جولن، الذي تتهمه تركيا بأنه المدبر الرئيسي لمحاولة الانقلاب الفاشلة، وأضاف في تصريحات له تعود لنوفمبر (تشرين الثاني) 2016 أن أنصار حزب العمال الكردستاني (المصنف على أنه إرهابي في تركيا والاتحاد الأوربي وأمريكا) يستطيعون ممارسة نشاطهم هناك دون عوائق. ولكن ألمانيا رفضت تلك التصريحات وانتقدتها بشدة، ولكن ذلك الرفض لم يمنع وزير شؤون الاتحاد الأوروبي بتركيا من تجديد تلك الاتهامات،باتهام ألمانيا بحماية «الانقلابيين»، وقال يوم الخميس الماضي، من الواضح أن كبار أنصار «جولن» يختبئون في ألمانيا. 3-رفض طلبات أردوغان للتواصل مع أتراك ألمانيا تجدد ألمانيا بين الحين والآخر رفضها طلبات لأردوغان بإلقاء كلمة بالفيديو أو الصوت، لأنصاره المقيمين في ألمانيا في مناسبات مختلفة، وهو ما يُزعج تركيا بشدة، وبلغ الرفض الألماني تصعيدًا ملحوظًا بإلغاء ألمانيا تجمعات سياسية لحملة الاستفتاء على الدستور التركي كان سيحضرها وزراء في حكومته، مما دفع أردوغان لاتهام ألمانيا ب«النازية». ولم يتوقف الغضب التركي من ألمانيا على حدود الكلام فقط، وإنما امتد لمنع تركيا استقبال برلمانيين ألمان إلى قاعدة أنحرليك، التابعة للتحالف الدولي ضد «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، والذي يضم نحو 250 عسكريًا ألمانيًا، وهو رفض لم يكن الأول، وإنما سبقه أيضًا رفض تركي مشابه، في يونيو (حزيران) 2016، في أعقاب أزمة اعتبار البرلمان الألماني أن «الأرمن» تعرضوا لإبادة جماعية من «الدولة العثمانية». ودفع الرفض التركي المتكرر لزيارة برلمانيين ألمان، إلى قاعدة أنجرليك جنوبي تركيا، إلى سحب ألمانيا قواتها إلى أحد المنشآت في الأردن، في يوليو 2017، بعد موافقة البرلمان الألماني في يونيو 2017. 4- تعثر خطوات تركيا في دخول الاتحاد الأوروبي قبل تلك الخلافات التي طغت على السطح، كانت العلاقات الألمانية والتركية قويةً ومتناغمةً، في عدد من القضايا والملفات، ومن أبرز تلك الملفات: أزمة اللاجئين المتفاقمة بشكلٍ كبير، نتيجة الحروب والنزاعات في الشرق الأوسط، وتُعد تركيا واحدة من أكبر دول العالم في استقبال اللاجئين، وبالأخص السوريين منهم، إذ تستضيف تركيا أكثر من 3.1 مليون لاجئ سوري على أراضيها، متفوقةً على كل بلاد العالم، ومن جانبها استقبلت ألمانيا 1.1 مليون لاجئ، من مختلف الجنسيات خلال عام 2015، متفوقةً على كل الدول الأوروبية، كما تُعد ألمانيا أيضًا أكبر مستقبل لطلبات اللاجئين في أوروبا باستقبالها نحو 504 ألف طلب لجوء من 2011 وحتى يونيو 2017، بحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويُعد ملف «اللاجئين السوريين» أحد أهم أوراق الضغط التركية، ذات الثقل السياسي البالغ لأنقرة، في مشوار تفاوضها الماراثوني، مع ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، تفاوض تحاول أوروبا، وعلى رأسها ألمانيا، الحفاظ على شروطه الرئيسة: تستقبل تركيا اللاجئين، بدلًا من نزوحهم إلى ألمانيا وأوروبا بأكملها، مقابل تلقي الدعم المادي الأوروبي، وتسهيل آليات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ومكاسب تركية أخرى.
وتوج تلاقي المصالح في هذا الصدد، باتفاقية جرت بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، بمباركة ألمانية، في 18 مارس (آذار) 2016، وتنص الاتفاقية على إعادة كل المهاجرين غير النظاميين، الواصلين إلى اليونان عن طريق تركيا، إلى تركيا مرة أخرى، بينما ستعيد أنقرة المهاجرين «غير السوريين» إلى أراضيهم، وتوطن السوريين منهم في أراضيها، على أن ترسل لاجئًا سوريًّا مسجلًا لديها إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل توطين كل لاجئ سوري عائد من اليونان فيها، ويتكفل الاتحاد الأوروبي بتكاليف عملية التبادل، وإعادة القبول. في المقابل، يتوجب على الاتحاد الأوروبي، بموجب الاتفاقية، تسريع إجراءات دخول المواطنين إلى أوروبا بدون تأشيرة، وتيسير إجراءات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإسراع الاتحاد الأوروبي في صرف ستة مليار يورو، لمساعدة الأتراك في التعامل مع أزمة اللاجئين. ولكن ملف دخول تركيا الاتحاد الأوروبي، تعثّر بشكل كبير مع تجدد الخلافات بين ألمانيا وحلفائها بالاتحاد من ناحية، وبين تركيا من ناحية أخرى، بالأخص بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، ويبدو أن تركيا نفسها بدأت تسأم، مما يصفه بعض المحللين الأتراك ب«الابتزاز الأوروبي» لتركيا بشأن دخولها الاتحاد الأوروبي، وظهر ذلك في تصريحات أدلى بها أردوغان في 12 يوليو (تموز) 2017 لبي بي سي، قال فيها: «إن الاتحاد الأوروبي يضيع وقت تركيا» لافتًا إلى أن تركيا «سترتاح إذا ما خلص الاتحاد الأوروبي بعدم قبول عضويتها وستبادر إلى تطبيق الخطة باء أو تاء». وأضاف أردوغان أن «الاتحاد الأوروبي ليس أمرًا لا غنى عنه بالنسبة لنا» مؤكدًا أن «غالبية الأتراك لم يعودوا يريدون الاتحاد الأوروبي» واستدرك: «على الرغم من كل ذلك سنواصل بقاءنا مخلصين في علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي لوقت إضافي قصير، وسنرى ما الذي سيجلبه ذلك لنا».