تستطيع أن تلحظ بوضوح شديد من خلال متابعتك للأحداث الجارية المأزق الذى أصبحت فيه المؤسسة العسكرية ..... فهى تحاول أن ترضى جميع الأطراف سواء الداخلية أو الخارجية ... وقد أدى ذلك إلى استنزاف رصيدها لدى الشعب .... فهى تعطى إشارات متناقضة ومختلفة تؤدى إلى الشعور بالتوجس والريبة .... فمثلا يقولوا أنهم ملتزمون بتسلم السلطة للمدنين وفى نفس الوقت يصدر تصريح على لسان اللواء ممدوح شاهين بان هناك اتجاه لتأجيل الانتخابات إلى شهر نوفمبر .... ثم يعود وينفى ذلك الخبر ... فى ارض الواقع ترى انه لا شيء يتم فى الأرض من اجل الإعداد للجان الانتخابية أو الدوائر وهل ستكون الانتخابات عن طريق القائمة النسبية أم الفردية ....
يقولون أنهم يحترمون الثورة ... ويصدرون قانون يجرم الاعتصامات ... هذا القانون الذى لا يعقل انه يصدر فى أعقاب ثوره ...
يقولون أنهم سيحاكمون من قتلوا وعذبوا الشعب المصري وفى نفس الوقت نرى تباطؤ وتواطؤ شديد فى هذه المحاكمات التى لم تبدأ إلى بضغط من ميدان التحرير .... فى حين أن من يلقى القبض عليه من الناشطين يتم محاكمته خلال أيام.
يقولون إنهم يحترمون الشهداء ومصابي الثورة ومع ذلك يتعاملون مع مطالبهم بمنتهى الإهمال و التعالي .... الذى دفع الجماهير إلى الغضب الهادر الذى نراه الآن جليا فى ميدان التحرير وفى السويس و الإسكندرية ومعظم محافظات البلد.
كل ذلك جعل البعض يقترح تنحية المجلس العسكري لأنهم أصبحوا لا يشعرون أنه غير مؤتمن على تحقيق مطالب الثورة و إنشاء مجلس مدني يدير البلاد .... وهذا يجعلنا ندخل فى دائرة مفرغه فنحن الآن فى ظل حكم انتقالي وحكومة انتقاليه ولا يوجد معنى لاستبدالها بحكم انتقالي أخر.
ولذلك على المجلس العسكري أن يثبت بالفعل وليس بالكلمات أو بتهديدات اللواء الفنجرى انه يريد مصلحة البلاد .... كفى ما قومتم به إلى الآن ... نحن نريدكم أن ترحلوا وأن تسلموا السلطة لنا .... نحن نريد سلطه مدنية منتخبة تعبر عن الثورة و تستطيع أن تعمل على بناء البلاد بدون أى معوقات أو استجابة لضغوط خارجية.
واقتبس كلمات للأستاذ مجدي حسين من مقاله الأخير فى جريدة الدستور:
" لم يكن تهديد البيان للمعتصمين موفقا فهذا الأسلوب لم يعد مجديا عندما نكون أمام مشكلة أساسية.
ويجب أن يدرك المجلس أن أغلب الشعب وإن لم يشارك بالضرورة متعاطف مع المعتصمين لأن المشهد السياسي لم يعد مقنعا لأحد. أما أخطر ما فى البيان فهو إشارته لتحديد قواعد ملزمة لتشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، فلا توجد أية قواعد لتشكيل المجلس التأسيسي إلا انتخاب الشعب إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق البرلمان المنتخب، وهذا الخيار الأخير هو الوارد فى صيغة التعديلات الدستورية للاستفتاء الشعبي. ولن نقبل أى تعديل لما ورد فى الاستفتاء تحت شعارات زائفة (التوافق على مبادئ عليا للدستور!!) أو ما يسمى وضع ضوابط لاختيار الجمعية.
هذا القول أضعف تأكيد البيان العسكري لمسألة الالتزام بالتعهدات والالتزام بنتائج الاستفتاء. فكل هذه حيل التفافية على مسألة المرجعية الإسلامية للدستور، وأنها هى الاحتمال المرجح فى حالة انتخاب جمعية تأسيسية بشكل حر. وهذا التفاف على إرادة الشعب. وهذا سيكون الصدام الحقيقي والأساسي مع الشعب المصري الذى لن يسمح بمرور هذه الألاعيب. ونحن نعلم أن الضغوط الأمريكية تنصب على هذه النقطة بالذات، ومهما يكن الأمر فإن الشعب لم يقم بثورته الكبرى حتى يترك مصيره من جديد لحكاية الضغوط الخارجية أو لبقايا النظام البائد أو لأقلية علمانية معادية للإسلام.
وقد حذرت المجلس العسكري من محاولة إرضاء كل الأطراف فينتهي إلى إغضاب الجميع والسقوط فى هوة سحيقة. وهذا البيان الأخير لم يرض أحدا إذا أخذناه ككل. ولذلك فإن نجاة المجلس العسكري فى شيء واحد: الالتزام بالتعهدات وترك الخيار للشعب فى انتخابات حرة فى كل المواقع والموضوعات وعلى رأسها الدستور. بل لا نقول نجاة بل دخول التاريخ، ولكن هناك طريقة رديئة لدخول التاريخ: أن يتمسك المجلس بمحاولة إنقاذ بقايا النظام البائد فكرا وأشخاصا. وهذا ما لا نرغب فيه للمجلس العسكري. "