مهمة المخابرات العامة والحربية، هي حماية الأمن القومى، لكن حينما ينشغل هذان الجهازان بتوزيع السلع التموينية التي صارت باهظة الثمن بالنسبة للدخول المحدودة لسواد المصريين، ، إنما ينم عن المنافسة بين هذين الجهازين، وأن النظام يحاول استغلال الجهازين لتحقيق مكاسب سياسية له، ويحاول د. نادر فرجاني، أستاذ العلوم السياسية، رصد هذه الظاهرة. فيقول : "وثّق بعض صفحات الفيسبوك، وليس إعلام العهر بالطبع، بالصور توزيع جهاز المخابرات العامة لسلع تموينية صارت باهظة الثمن بالنسبة للدخول المحدودة لسواد المصريين. الرصد للظاهرة المستغربة مهم بالطبع، ولكن الأهم هو التفسير". وأضاف د. نادر فرجانى: عبر صفحته على الفيس بوك: "بداية أود التأكيد على أنني لا أمانع أي تخفيف لمعاناة المستضعفين من ابناء شعب مصر في الحصول على السلع الأساسية التي جعلتها حكومة الحكم العسكري، التسلطي والفاسد، خارج متناول سواد المصريين. الرحمة مرحب بها ولو من سبيل الشياطين. ولكن هذه ليست إجابة للسؤال المطروح. السؤال متعدد المستويات، ومن ثم تتشعب الإجابة.
وتابع: على مستوى أول من الإجابة هذه السلع أساسية بحق وبات كثير من المصريين محدودي الدخل غير قادرين على الحصول عليها مع مطلع الشهر الفضيل. وعلى هذا، يمثل توزيعها على المحتاجين فرصة ذهبية لشراء الولاء السياسي. ولكن من قال أن جهاز المخابرات، المنوط به في الأصل حماية الأمن القومي من العدوان الخارجي، ينغمس في الشأن السياسي الداخلي؟ هنا تبدأ الإجابات الأعمق. وقال أستاذ العلوم السياسية : "جهازا المخابرات العامة والحربية منذ إنشائهما، في الأصل لحماية الأمن القومي من العدوان الخارجي، تقتصر قيادتهما على رجال القوات المسلحة. وإن كان هذا طبيعيا في المخابرات الحربية باعتبارها فرع من القوات المسلحة، فإنه ليبس طبيعيا في المخبرات العامة التي يرأسها مدنيون في أغلب إن لم يكن جميع البلدان الديمقراطية". واستطرد قائلا: ولما كانت القوات المسلحة قد تحولت، تحت الحكم العسكري، من وظيفتها الأصلية في حماية الأمن القومي وانحرفت لتنغمس في السيطرة على السياسة والاقتصاد جريا وراء مغانم هائلة لقياداتها، فكان من الطبيعي أن ينحي جهازا المخابرات المنحى ذاته، ما فتح الباب واسعا تحت دعاوي "السيادية" المزيفة والسرية المتأصلة في عمل الجهازين إلى الفساد السياسي والاقتصادي سويا. وخصوصا بعد أن وسع الحكم العسكري وظائف الجهازين لتكريس جمهورية الرعب بتخويلهما سلطة التجسس على المواطنين، وإشاعة الخوف في قلوبهم بالبطش بالمعارضين للسلطة القمعية. والمتتبع لتاريخ نشاط جهازي المخابرات يصاب بالذهول من فشلهما الصارخ في مهمتهما الأصلية: حماية الأمن القومي. ولكن هذا الفشل لم يقابل بما يوجب من المساءلة الجادة عن الإهمال والتقصير لتغييب فضيلة مساءلة قمة السلطة في نظام الحكم التسلطي الفاسد. ويمضي د. نادر فرجاني قائلا: وعندما أنهت القيادة الأعلى للمؤسسة العسكرية الحاكمة أهم مسائل الأمن القومي بإعلان حرب 1973 آخر الحروب، وتحويل التهديد الأضخم لأمن مصر القومي، الكيان الصهيوني العنصري والغاصب، من العدو الرئيسى في العقيدة القتالية للقوات المسلحة لشعب مصر، إلى صديق وحبيب في كنف المعونة العسكرية الأمريكية الباذخة، انصرف جهازا المخابرات إلى لعبة الهيمنة على الاقتصاد والسياسة، موغلين في الفساد والإفساد. ويختتم تدوينته قائلا: باختصار، المخابرات العامة تنافس المخابرات الحربية على الساحة السياسة الداخلية لتستعيد بعض من مكانتها على قمة السلطة التي تقلصت بعد أن اقتنصت منافستها في المهنة، وفي مثالب الحكم العسكري، المخابرات الحربية، قمة السلطة بقفز رئيسها على سدة الحكم في منتصف 2013. وفي هذا تفسير للمواقف "العدوانية" لرئيس الحكم العسكري الحالي المتكررة من قيادات المخابرات العامة. لمن يريد الاستزادة، معالجة لدور التنازع بين أجهزة المخابرات فى إفشال الثورة الشعبية العظيمة.