كشف الكاتب الصحفى المتخصص فى الشأن العربى، فهمى هويدى، عن المؤامرة القادمة فى الطريق، والتى أطلق أولى مبادرتها قائد الانقلاب العسكرى عبدالفتاح السيسى، فى خطابة قبل الأخير بمحافظة أسيوط، عن العلاقات مع الكيان الصهيونى المغتصب للأراضى الفلسطينية، والسلام الدافئ الذى يجب أن يعم على الجميع، فى صورة منه للاعتراف الكامل بهم والتطبيع مع الجميع. هويدى استدل فى كشفه عن المؤامرة القادمة، بتقرير نُشر بصحيفة هارتس العبرية فى الخامس والعشرون من الشهر الحالى، حيث قالت أن تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى السابق، عرض على "نتنياهو" التطبيع الكامل مع العرب، عقب حديثه بإن حكومة الاحتلال إذا وافقت على التفاوض مع الفلسطينيين. عرض تونى بلير والتطبيع مع الكيان وأضاف الكاتب حسب الصحيفة أيضًا، إلى أن "بلير" أثار الموضوع فى المؤتمر الذى أقيم فى لندن، وقال أنه فى ظل الواقع الحالى بالشرق الأوسط هناك فرصة لأن توافق الدول العربية، على تخفيف خطوط مبادرة السلام العربية، بحيث يتم تطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال المفاوضات، وليس بعد تحقيق الاتفاق الدائم بين الكيان والفلسطينيين. وتابع "بلير"، إذا وافقت إسرائيل على الالتزام بالتحدث حول مبادرة السلام العربية كسياق تجرى فى إطاره المفاوضات، ستتمكن الدول العربية من القيام بخطوات لتطبيع العلاقات أثناء المضى على ذلك الطريق لزيادة الثقة فى عملية السلام. دور مشبوه وتطبيع مرغوب عن الحكام العرب وفند "هويدى" ما جاء بالصحيفة فى التاريخ المذكور، قائلاً أنه من حيث المبدأ، يكون المتحدث تونى بلير خصم العرب التقليدى الذى يقوم بدوره المشبوه لحساب أطراف ليسوا فوق الشبهة، فلا ينبغى أن ننتظر منه خيرا، وإذا صحت التصريحات التى نقلتها هارتس على لسانه، فذلك يعنى أنه أسفر عن وجهه بجرأة خانه فيها ذكاؤه، لأنه استخدم المبادرة التى تبنتها القمة العربية فى عام 2002 وتعامل معها باعتبارها غطاء لخطته الساذجة لتمكين الكيان الصهيونى والتطبيع العربى، ذلك أنه لم يتحدث عن موافقة الكيان على المبادرة التى دفنت وشبعت موتا، وإنما أشار إلى مجرد استعدادها للكلام فى الموضوع والتفاوض حول المبادرة "بعد تخفيف لشروطها" من الجانب العربى بطبيعة الحال، وأثناء الحكى الذى نعرف مقدما أنه يمكن أن يستمر حتى تقوم الساعة، فإن الدول العربية ستتطوع بالتطبيع بغير مقابل، وقبل أن تظهر أية نتائج للمفاوضات المفترضة. وأضاف الكاتب، بكلام آخر، فإن العرب سيتنازلون عن شروط المبادرة بدعوى "تخفيفها"، وسيبادرون إلى الانبطاح أمام إسرائيل والتطبيع المجانى معها. بالتالى فإن التنازلات ستظل من جانب العرب ومقصورة عليهم. أما المكاسب والمغانم فستكون من حظ الإسرائيليين وحدهم. إذا أردت أن تعرف لماذا اعتبرت أفكار تونى بلير سخيفة ووقحة فأعد قراءة نصوص المبادرة كما أقرتها القمة العربية قبل 14 عاما. ذلك أنها اشترطت ثلاثة شروط لاعتبار الصراع منتهيا والدخول فى اتفاقية سلام مع إسرائيل تؤدى إلى تطبيع العلاقات معها هذه الشروط هى: 1 الانسحاب الكامل من الأراضى العربية المحتلة بما فى ذلك الجولان السورى، وحتى خط الرابع من يونيو عام 1967، والأراضى التى مازالت محتلة فى جنوبلبنان. 2 التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. 3 قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضى الفلسطينيةالمحتلة منذ الرابع من يونيو عام 1967 فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدسالشرقية. مؤامرة مدبرة من الكيان والأطراف المشبوهه وتابع "هويدى" قائلاً، حين يقول السيد بلير إن العرب "سيخففون" من هذه الشروط أولا، فهو يشير بصيغة ضمنية إلى إلغائها، وتغطية الإلغاء بعبارات يتم فيها التلاعب باللغة، وذلك يضعنا أمام أحد احتمالين، فإما أن يكون ذلك مجرد اقتراح من جانبه، وتلك هى الوقاحة بعينها، وإما أن يكون الرجل قد نسق المسألة مع الأطراف المشبوهة التى يتعامل معها، وتلك جريمة تاريخية لا تغتفر، وفى الحالتين فإننا نصبح إزاء مؤامرة مدبرة لحساب الكيان الصهيونى، تمكنها من اصطياد عصفورين بحجر واحد. أحدهما دفن القضية الفلسطينية والقفز من فوقها، والثانى تطبيع العلاقات مع العالم العربى من أقصاه إلى أقصاه. وفى هذه الحالة الأخيرة فمن حقنا أن نعرف هوية الأطراف العربية التى تواطأت معه فيما ذهب إليه. وأوضح "هويدى" قوله، من المصادفات ذات الدلالة أن نشر هذا الكلام تم متزامنا مع تشكيل حكومة فاشية وإرهابية إسرائيلية قوامها تحالف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع وزير الجيش الجديد افيجدور ليبرمان، صاحب الدعوة إلى هدم السد العالى ومحو قطاع غزة وتحويله إلى ملعب لكرة القدم،وهى الحكومة التى وصفت بأنها الأكثر تطرفا فى تاريخ الدولة العبرية، حيث لم يختلف أحد على أن الدم الفلسطينى سيصبح الوقود اللازم لاستمرارها، وكتب أورى افنيرى فى هاآرتس (عدد 25/5) واصفا تلك الخطوة بأنها جنونية ومعتبرا ضم ليبرمان للحكومة بحسبانه عملا انتحاريا، وخلص من ذلك إلى أن نتنياهو الذى لا عهد له، فقد توازنه وصلته بالواقع. واختتم الكاتب المتخصص فى الشأن العربى مقاله قائلاً، لقد راهنا فى وقت سابق على الدور العربى فى تحرير فلسطين، لكننا صرنا نتمنى الآن أن يكف الجميع عن العبث بالقضية والمتاجرة بها، بحيث يرفعون أيديهم عنها، ليتولى الفلسطينيون تدبير أمرهم بأنفسهم، وقد أثبتت أجيالهم الرائعة أنهم قادرون على ذلك، حيث لا مفر من الاعتراف بأن القضية التى كانت هما عربيا حينا من الدهر، انقلبت موازينها بحيث أصبح الدور العربى هما فلسطينيا مؤرقا.