بقلم: علي الطعيمات الإدارة الأميركية تواصل نهجها الأمني في التعامل مع قضايا المنطقة بالرغم من الفشل الذريع الذي حصدته في كل الأمكنة التي مارست فيها هذه المعالجات، والتي ثبت أنها سياسة طاردة لكل عوامل وشروط الاستقرار والأمن والسلام المنشود.
ففي العراق الذي غزته واحتلته تحت ذرائع اعترفت بأنها كانت كذبة كبرى، واستدارت لأسباب أخرى لم يثبت غير بطلانها على الأرض وهي نشر الحرية والديمقراطية والأمن وتحويل هذا البلد المستباح لكل قوى الدنيا، فالذبح والموت أصبح ثقافة وممارسة طبيعية بينما الاستثناء هو ان يمر يوم دون دوم ودون قتل وفقدان جديد لما تبقى من جزئيات الأمن والاستقرار والهبوط الى القاع تماماً وجره إلى القرون الوسطى المظلمة.
نماذج عديدة ما أن امتدت اليد الأميركية الأمنية إليها إلا وتحولت الى شعلة من نار تزداد امتدادا أفقيا وعموديا، خصوصا ان هذه اليد الأميركية التي ابتكرت أكذوبة «الفوضى الخلاقة» إذ لا يمكن لفوضى إلا ان تأتي بفوضى أكبر وضياع وفقدان لكل شروط الحياة الطبيعية .. والطبيعة لا تتجانس إلا مع المنطق، ومع ما يتوافق مع العقل السليم غير المشوش والمسكون بالفوضى وجنون العظمة، وربما المثال اللبناني، ومعه الفلسطيني وما بينهما الصومالي ولا ننسى الأفغاني حيث البؤرة والقاعدة التي انطلقت شرارتها الى كافة الانحاء منذ اللعب الأميركي الأول إبان الحرب الباردة وما زال العالم يعاني منها حتى الآن ولفترة طويلة قادمة.
وبالرغم من الفشل المتلاحق الذي تحصده المعالجات الأمنية الأميركية لأنها تسير عكس الارادات الشعبية وعلى المنطق وتمارس طغيان الدولة الأعظم دون ادراك ان الشعوب لا تعترف بمن لا يعترف بحقوقها ولا تحترم من لا يحترم حقوقها وإرادتها وكرامتها.
وفي هذا السياق فهي تمد يدها عميقا في الشأن الداخلي الفلسطيني من بوابة الأمن في سعي لاشعالها حربا أهلية في توأمة مع السياسة الاسرائيلية التي تصر على الوصول الى السلام من خلال هذه البوابة وهو ما لا يمكن أبدا، وقد ثبت يقينا ان الوصول الى البوابة الأمنية يسبقها بوابات كثيرة أبرزها وأهمها بوابة المفاوضات الجادة المتكافئة دون أحكام مسبقة جامدة ودون وضع ستار حديدي على القضايا واخراجها من دائرة التفاوض واخضاعها لقراءات الشرعية الدولية، وصولا الى تفاهمات واتفاقات ومعاهدات مبنية على أسس قوية عمادها الانصاف والسلام المتبادل والأمن المتساوي.
ولأنها ترفض الاعتراف بفشل سياستها او اعادة النظر في هذه السياسة التي تحاول من خلالها فرض ارادتها على الآخرين تسعى بكل ما تملك من طاقات لتحقيق شيء .. وهذه ا لمرة استدارت نحو الفلسطينيين ووقفت مع طرف ضد طرف آخر في محاولة واضحة لاشعال الفتنة والحرب التي تطمح اليها دولة الاحتلال حتى يصفي الفلسطينيون أنفسهم .. وأيضا قضيتهم .. وقد تجلى ذلك برفض واشنطن الديمقراطية التي ملأت الدنيا صراخا بأنها هي البلسم لكل الجراح والقضايا .. ومحاربتها عبر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة .. زادت من ضلوعها في الصراع بين فتح التي تريدها واشنطن لاستكمال طريق الثلاثة عشر عاما الماضية من عمر السلطة .. وحماس التي منعت من تجسيد خيار الشعب عمليا وممارسة الحكم بصورة طبيعية .. في طريق يبدو انه سيشهد حربا بالوكالة فوق الأرض الفلسطينية مثلما حدث على الأرض اللبنانية.