رصد مدير برنامج السياسة العربية في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»،ديفيد شينكر، التحولات التي طرأت على السياسة الخارجية للسعودية في عهد الملك «سلمان بن عبد العزيز». وخلص شينكر إلى أن المملكة باتت مقتنعة بأن الولاياتالمتحدة لم تعد حليفا يمكن الوثوق به؛ لذلك بدأت في انتهاج سياسات تحقق مصالحها دون اعتبار للرغبات الأمريكية. وقال شينكر، في تقرير نشره المعهد تحت عنوان: «التحول في السياسة الخارجية السعودية»، "على الرغم من التعتيم والسرية (التي تحيط بعائلة آل سعود)، فإن الانتقال من حكم الملك عبد الله إلى الملك سلمان اقترن بتحول ملموس في السياسة الخارجية السعودية". ولفت إلى أنه بينما «لم تتغير الملامح الأساسية للموقف الإقليمي الذي تتبعه المملكة، إلا أن صعود الملك سلمان إلى العرش في يناير من العام الماضي، أشار إلى اتباع نهج سعودي أكثر حزماً لمواجهة سياسة التآمر والتخريب التي تتبعها إيران في المنطقة؛ فمن اليمن، مروراً بسوريا، ووصولاً إلى لبنان، تعمل الرياض حالياً على جدول أعمال يتعارض أحياناً بصورة صارخة مع السياسات الإقليمية المترابطة التي تتبعها واشنطن». واعتبر الباحث السياسي الأمريكي أن «النهج الأكثر حزما الذي تتبعه السعودية جاء رد فعل على المبادرات الدبلوماسية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي أوباما تجاه طهران في إطار الاتفاق النووي». وأضاف أن هذه المقاربة تمثل ردا من الرياض على تصور للرئيس الأمريكي، «باراك أوباما»، كشفت عنه مجلة (نيويوركر) الأمريكية خلال مقابلة أجرتها في يناير 2014؛ حيث يعتقد في «ولادة توازن جيوسياسي جديد في منطقة الخليج»، وأن هذا التوازن «آخذ في التطوّر بين دول الخليج، وبين إيران حيث توجد منافسة بينهما، وربما شكوك، ولكن ليست حرب فعلية أو أخرى بالوكالة». وليس من المستغرب، وفق «شينكر»، أن تكون المقابلة أثارت قلق المملكة، لكن التوقيع على «اتفاق الإطار النووي» مع إيران في أبريل 2015 و«خطة العمل المشتركة الشاملة» في يوليو من العام ذاته «أكدا مخاوف الرياض من سياسة إعادة المواءمة التي تريد الإدارة الأمريكية اتباعها في الخليج». وكان السعوديون قلقين بشكل خاص من أن يؤدي الاتفاق النووي إلى استمالة حصانة إيران من قيام عمل انتقامي أمريكي بسبب سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة، الذي قد يتفاقم بسبب الإفراج عن أكثر من 100 مليار دولار من الأموال المجمدة. وفي الأشهر التي تلت التوقيع على «خطة العمل المشتركة الشاملة»، ازداد التباعد بين الولاياتالمتحدة والسعودية مع احتضان واشنطنلطهران - على ما يبدو - في العراق وسوريا، كقوة محتملة للاستقرار في المنطقة، كما قال الباحث الأمريكي.
ولفت «شينكر» إلى أنه «خارج حدود العمليات الحركية السعودية، التي لم يسبق لها نظير في اليمن، والنهج الإبداعي الجديد الذي تتبعه الرياض في لبنان، يمكن أن ينظر أيضا إلى النهج السعودي الأكثر صرامة بأنه يأتي في نطاق اتخاذ القرار على المستوى المحلي». ومن الأمثلة على ذلك قرار الرياض الحفاظ على إنتاج النفط عاليا وعلى أسعار النفط منخفضة، وهي سياسة مدروسة لتقويض الاقتصادين الإيراني والروسي، حسب الباحث الأمريكي. وأشار إلى مثال آخر ل«هذا النوع من التفكير الجريء في مواجهة إيران، وهو القرار السعودي في يناير الماضي بإعدام رجل الدين الشيعي المحلي البارز الشيخ نمر النمر، الذي كانت تربطه علاقات مع إيران». ورأى أن «إعدام (النمر) قبل أيام فقط من يوم تنفيذ الاتفاق النووي، ورفع العقوبات عن طهران، والإفراج عن أكثر من 100 مليار دولار لإيران - كان رسالة واضحة من الرياض إلى طهران بأن المملكة سوف تتخذ نهجا استباقيا للحفاظ على أمنها». واعتبر «شينكر» أن هذه المبادرات السعودية «تشير إلى انحراف عن السياسات التي تتبعها إدارة أوباما»، لافتا إلى انتقادات شديدة وجهتها الإدارة الأمريكية للحرب الجوية التي تشنها السعودية في اليمن. كما بددت مناورات الرياض الأخيرة في لبنان، حسب الباحث الأمريكي، «آمال واشنطن في انتخاب السياسي المؤيد للأسد، سليمان فرنجية، وهو تطور وصفه مسؤول كبير في إدارة أوباما بأنه (لو حدث لكان سيشكل) خطوة تدريجية أخرى في اتجاه تحسين التعاون الإقليمي مع إيران كما يُفترض». وأشار إلى أن واشنطن وجهت، أيضا، انتقادات بشأن إعدام «نمر النمر»، وهو قرار وصفه مسؤول أمريكي كبير بأنه يدل على «تجاهل تقصيري» لتأثيره الاستفزازي. وخلص «شينكر»، في تقريره، إلى أنه «في أعقاب كارثة الخط الأحمر حول الأسلحة الكيميائية السورية، والابتعاد عن الالتزام بالإطاحة بالأسد عام 2015، والاتفاق النووي مع ايران، وصلت الرياض إلى نتيجة مفادها أن واشنطن لم تعد حليفا يمكن الوثوق به». وأضاف أن المملكة، على ما يبدو، قررت انتهاج سياسات خارجية لتحقيق مصالحها دون اعتبار لرغبات الولايات المتحدة