أشارت بيانات البنك المركزي المصري إلى زيادة صافي الدين المحلي الحكومي، خلال الربع الثالث من العام الماضي بنحو 140 مليار جنيه، ليصل إلى 2012 مليار جنيه، ويختلف الرقم عن إجمالي الدين المحلي الحكومي. البيانات تشير إلى أن رقم الصافي يستبعد من الدين المحلي الحكومي أرصدة ودائع أجهزة الموازنة العامة، وهي ودائع الجهاز الإداري الحكومي أي الوزارات والإدارة المحلية والهيئات الخدمية، كما يقل رقم صافي الدين المحلي الحكومي والخاص بأجهزة الموازنة العامة الثلاثة عن رقم الدين العام المحلي، والذي يضيف إلى صافي دين أجهزة الموازنة، صافي مديونية الهيئات الاقتصادية، وكذلك صافي مديونية بنك الاستثمار القومي ليصل الرقم الإجمالي للدين العام المحلي إلى 2259 مليار جنيه بنهاية سبتمبر الماضي. ونعود إلى الدين المحلي الحكومي وهو موضوع المقال، والبالغ الصافي له 2012 مليار جنيه بنهاية سبتمبر الماضي للتعرف على مكوناته، لنجد أن نسبة 58 % من الإجمالي عبارة عن سندات على الخزانة العامة، و31 % أذون على الخزانة العامة، و11 % صافي أرصدة الحكومة لدى الجهاز المصرفي، بعد استبعاد الودائع الحكومية. وتبدو خطورة الدين المحلي الحكومي من عدة أوجه، أولها نصيبه الضخم من الإنفاق بالموازنة العامة، والبالغ 40 % من إجمالي الإنفاق، وذلك على حساب باقي بنود الإنفاق، حيث بلغ نصيب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 20 %، وأجور الموظفين بالحكومة 19 %، والاستثمارات الحكومية 6.5 %، ونسب أقل لباقي بنود الإنفاق بالموازنة، حيث بلغت مخصصات فوائد الدين المحلي خلال العام المالي الحالي 2015 / 2016 بالموازنة 237 مليار جنيه، ومخصصات سداد أقساطه 218 مليار جنيه، بإجمالي 455 مليار جنيه لتكلفة الدين المحلي بالموازنة، وهو أكبر من أي رقم ببنود الإنفاق عند مقارنته بها، حيث بلغت مخصصات الدعم بكل أشكاله 231 مليار جنيه، والأجور 218 مليار جنيه، والاستثمارات 75 مليار جنيه، وشراء السلع والخدمات 41 مليار جنيه. تكلفة الدين أكبر من الضرائب زادت مخصصات تكلفة الدين المحلي الحكومي والبالغة 455 مليار جنيه عن إجمالي تقديرات موازنة العام المالي الحالي لكل أنواع الضرائب والبالغة 422 مليار جنيه شاملة ضرائب الدخل والمبيعات والدمغة والجمارك والرسوم، ومتضمنة 30 مليار جنيه حصيلة متوقعة لضريبة القيمة المضافة التي لم تُطبق بعد. وبالطبع تكون الأولوية لدى وزارة المالية في بنود الإنفاق، تدبير نفقات فوائد وأقساط الدين، حتى تستطيع مواصلة الاقتراض لأنه بعد سداد تلك الفوائد والأقساط، هناك عجز بالموازنة متوقع بلوغه 251 مليار جنيه بموازنة العام المالي الحالي، مطلوب أيضًا الاقتراض لسداده. ومن هنا جاء الجانب الآخر لخطورة الدين الحكومي المحلي، وهي الزيادة الكبيرة التي تلحق به بالآونة الأخيرة، فخلال العام المالي 2013/2014 وهو العام المالي المواكب لحكومة الببلاوي، كان متوسط الزيادة الشهرية به 23.1 مليار جنيه. وفي العام المالي التالي 2014/2015 والمواكب لوزارة محلب، زاد المتوسط الشهري لزيادة الدين إلى 27.7 مليار جنيه، ثم زاد المتوسط الشهري خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2015/2016 أي خلال شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر إلى 46.8 مليار جنيه . وهكذا كان المتوسط اليومي لزيادة الدين المحلي الحكومي بالعام المالي المواكب للببلاوي 770 مليون جنيه، ليزيد المتوسط اليومي بالعام المالي التالي المواكب لمحلب إلى 925 مليون جنيه، ثم يقفز المتوسط اليومي للزيادة خلال الربع الأول من العام المالي الحالي إلى 1 مليار و559 مليون جنيه. الإضرار بالمواطن البسيط خدميًا هو أمر بالغ الخطورة نظرًا لأضراره الجسيمة بالمواطن العادي، فمع زيادة العجز بالموازنة تضغط المؤسسات الدولية على الحكومة لخفض عجز الموازنة، من خفض الدعم وخفض مخصصات أجور الموظفين، وهو ما حدث مع خفض دعم المنتجات البترولية والكهرباء ومياه الشرب وغيرها، وكذلك الحد من زيادة بند أجور العاملين بالحكومية، من خلال إصدار قانون الخدمة المدنية. أيضًا تدنى نصيب الاستثمارات الحكومية، والتي يتم من خلالها إنشاء المدارس والمستشفيات ومشروعات المياه والصرف الصحي، وغيرها من مشروعات البنية الأساسية، فرغم صغر مخصص الاستثمارات في تقديرات الإنفاق بالموازنة، يسفر الحساب الختامي للموازنة عن انخفاض كبير بها، وهو ما يتسبب في تأخر إنجاز تلك المشروعات الحيوية، وطول فترة تنفيذها لسنوات طويلة، تزيد خلالها التكلفة. كذلك تطول فترة حصول المقاولين المتعاقدين لتنفيذ مشروعات حكومية على مستحقاتهم، مما يعرض بعضهم للحبس بسبب تأخرهم عن سداد قروضهم المصرفية، كما يتأخر حصول العاملين بتلك الشركات على حقوقهم. وأيضًا تدني نصيب بند شراء السلع والخدمات بالموازنة، وهو الخاص بتدبير المستلزمات الطبية بالمستشفيات، والمستلزمات التعليمية بالمدارس، ومستلزمات إدارة دولاب العمل الحكومي من أدوات كتابية ووقود وقطع غيار ومياه وكهرباء بالمصالح الحكومية، إلى جانب ضعف مخصصات الصيانة للمنشآت الحكومية من مباني وطرق وغيرها. مزاحمة الحكومة للشركات بالقروض وبالنظر إلى استحواذ سندات الخزانة وأذون الخزانة على نسبة 89 % من الدين المحلي الحكومي، فإن المشتري الأكبر لتلك السندات والأذون هي البنوك، خاصة البنوك العامة التي تملكها الحكومة، حيث بلغ نصيب البنوك من الجهات الحائزة على أذون الخزانة 75 %، بينما يتخطى نصيب البنوك من حائزي سندات الخزانة نسبة أكبر من ذلك. وهكذا نجد نصيب تلك السندات والأذون في أكتوبر الماضي من أصول البنوك 40 %، مقابل نسبة أقل من 28 % للقروض غير الحكومية، وهو ما يمثل مشكلة للقطاع الخاص الذي يعاني من إمكانية الاقتراض من البنوك، بما يعنيه ذلك من صعوبات لتدبير المواد الخام والمستلزمات والأجور حتى تكتمل دورة التشغيل، مما يزيد من الطاقات العاطلة، حيث تفضل البنوك إقراض الحكومة الخالِ من المخاطر، بعكس القطاع الخاص الذي يعمل في أجواء ركود وعدم استقرار إلى جانب كون قيادات البنوك العامة معينة من قبل الحكومة، ويهمها إرضاء القيادات. وكانت النتيجة استحواذ صافي المطلوبات من الحكومة على نسبة 66 % من الائتمان المحلي بالبنوك، بخلاف حوالي 4 % لقطاع الأعمال العام، أي بإجمالي 70 % في أكتوبر الماضي، مقابل نسبة 21 % لشركات القطاع الخاص و9 % للقطاع العائلي، الأمر الذي أثار انتقادات من مؤسسات دولية. وحتى بالبنك المركزي نجد أنه بالنظر إلى الأصول المقابلة لنقود الاحتياطي به في سبتمبر الماضي، نجد صافي المطلوبات من الحكومة للمركزي 597 مليار جنيه، مقابل 3.5 مليار جنيه صافي المطلوبات من البنوك للمركزي، أي أن الحكومة تشكل 171 ضعفًا للمطلوبات من البنوك، رغم أن البنك المركزي من مسمياته بنك البنوك أي المعني بمساندتها. وفي ضوء استمرار العجز بالموازنة لسنوات عديدة قادمة، سيستمر الدين الحكومي المحلي في الزيادة، ففي شهر أكتوبر الماضي زادت المطلوبات من الحكومة ضمن الائتمان المحلي بالبنوك، بنحو 17.9 مليار جنيه خلال شهر واحد. كما زاد صافي المطلوبات من الحكومة للبنك المركزي بنحو 8.5 مليار جنيه، أي بإجمالي 26.3 مليار جنيه، وهو ما يعني بلوغ الدين المحلي بنهاية العام الماضي نحو 2090 مليار جنيه في أقل التقديرات، فلو تخيلنا جدلًا سد عجز الموازنة، وتوقف الحكومة عن الاقتراض المحلي، فإن الأجيال القادمة مطالبة بسد قيمة ذلك الدين وفوائده، فلو تصورنا سداد ذلك الدين على عشر سنوات، فإنه مطلوب سداد 209 مليار جنيه سنويًا، بخلاف الفوائد، وهو ما يشير إلى الإضرار بالأجيال القادمة لسنوات طويلة، حيث سيتم سداد ذلك الدين على حساب الإنفاق على تحسين المرافق والأجور وغيرها من صور الإنفاق بالموازنة. وقد يسأل البعض وماذا عن القروض الحكومية من الخارج؟ ونقول إن تلك القروض نصيبها أقل كثيرًا في الإنفاق بالموازنة العامة بالعام المالي الحالي، حيث بلغت مخصصات فوائدها 7 مليار جنيه، ومخصصات أقساطها 40 مليار جنيه، بإجمالي 47 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 4.1 % من إجمالي الإنفاق بالموازنة، ولكن للقروض الخارجية مخاطر مختلفة عن الديون المحلية، تتعلق بشروط المقرضين وبمخاطر سعر الصرف وتلك أمور يحتاج توضيحها إلى مقال آخر.