بقلم : د. عبد الوهاب المسيري لا تزال أصداء الهزيمة الإسرائيلية في الحرب الأخيرة تتردد في أعمدة الصحف الإسرائيلية ومقالاتها. ففي مقال "إسحاق بيلي" المعنون ب"حرب لبنان الثانية وفشل وقف إطلاق الصواريخ من القطاع ستُذكر كأشهر مؤشرات لفقدان الردع لدولة إسرائيل" (يديعوت أحرونوت 14 يناير 2007)، يذهب الكاتب إلى أن (أعداء إسرائيل لم يعودوا يخافون منها "رغم أن قوتنا تفوق قوتهم بآلاف الأضعاف. في قطاع غزة يطلقون "القسام" رغم وقف النار، ويرفضون تحرير "جلعاد شاليت" دون تحرير مئات المخربين. في لبنان يواصل "حزب الله" تهريب الصواريخ من سوريا والإبقاء على جنديينا المخطوفيْن في حالة من الكتمان التام. ولما كان الردع ينبع من صورة القوة والتصميم، فإن كل مؤشر ضعف يعتبر لدى العدو دليلاً على الضعف. الأشهر الأخيرة كانت مليئة بمؤشرات الضعف). ثم يضيف الكاتب: "إن انعدام التصميم في تحقيق أهداف المعركة دون إلحاق الهزيمة بالعدو هو مؤشر على أن الجيش الإسرائيلي فقد قدرته على القتال، الأمر الذي يعزز ثقة العرب بأن النصر على إسرائيل قريب".
ويقول أيضاً: (إن انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بعد نصف سنة من العمليات التي لم تنجح في وضع حد لنار "القسام" كان يكفي لأن يجعل "حماس" تتبجح، وكأن قصفها سيؤدي إلى إخلاء "سديروت" من سكانها. واعتراف سياسيين إسرائيليين بأن الجيش الإسرائيلي غير قادر على منع نار "القسّام" لم يُضف شيئاً لصورتنا).
وفي مقال بقلم "آلوف بن" بعنوان "إسرائيل وقادتها استخفوا بصواريخ القسام وبالكاتيوشا التي تحولت إلى سلاح استراتيجي يتوجب توفير رد عسكري وسياسي عليه" (هآرتس 4 يناير 2007) يذهب الكاتب إلى أنه (من الأجدر أن نُسمي عام 2006 ب"عام الصاروخ"، فهو العام الذي أدى إطلاق الصواريخ فيه على الأراضي الإسرائيلية من قطاع غزة ومن لبنان إلى تحديد السياسة الخارجية والأمنية الإسرائيلية. الكاتيوشا التي أطلقها "حزب الله" و"القسّام" التي أطلقها الفلسطينيون أثرت في السياسة الأمنية الإسرائيلية أكثر من تزايد قوة إيران).
(لقد تلقت "سديروت" ومحيطها في السنة الماضية أكثر من ألف صاروخ "قسام" من غزة، وإبان الحرب أُطلقت على المناطق الشمالية في الدولة 4 آلاف صاروخ. الخسائر والأضرار كانت صغيرة بالمقارنة مع تلك التي لحقت بنا في الحروب الماضية وفي العمليات الانتحارية. ولكن الصواريخ جرّت إسرائيل إلى تمديد فترة القتال في لبنان، وأقنعت رئيس الحكومة إيهود أولمرت وأغلبية الجمهور بأن الانسحاب من مناطق أخرى في الضفة الغربية وفي الجولان خطير).
"المؤسسة السياسية والأمنية في إسرائيل أخطأت في فهم المغزى الاستراتيجي للصواريخ. استخفوا بها وأسموها أشياء متطايرة وكأنها خُردة من خردوات العصابات. من الصعب أن يتأثر الإنسان كثيراً من ماسورة فولاذية مملوءة بالسكر وبعض المواد المحترقة المندفعة بالمقارنة مع السلاح المتطور الموجود في الترسانة الإسرائيلية. ما هي كل هذه الأسلحة بالمقارنة مع طائرة إف 16 ومروحية "الأباتشي" والقنابل الذكية التي يملكها الجيش الإسرائيلي؟ ولكن قوة "القسام" لا تنبع من تكنولوجيا وإنما من الجمع بين الإطلاق المكثف وانعدام وجود أسلحة مضادة فعالة لدى الطرف الآخر. عمليات القصف والاغتيالات في قطاع غزة ووقف إطلاق النار كذلك لم توقف إطلاق الصواريخ. لقد طوّر الجيش رداً على الصواريخ بعيدة المدى وحدها وأهمل صواريخ "الكاتيوشا" الأقل مدى. "خلال المداولات الأخيرة التي أجراها أرييل شارون قبل ساعات من انهياره، ضرب على الطاولة وطالب جهاز الدفاع بطرح أفكار جديدة لمواجهة صواريخ "القسام" قائلاً إن هذا الوضع لا يمكن أن يتواصل على هذا النحو، قالها صارخاً. وزير الدفاع "عمير بيريتس" حذّر، وكان مُحقاً، بأن هذا الصاروخ البدائي سيتحول إلى تهديد استراتيجي، وأنه بانتظار توصيات الجيش حول المنظومة الدفاعية. أولمرت أيضاً أجرى مداولات حول هذه القضية، ولكن من الواضح أنه لا توجد إجابة حاسمة حتى الوقت الحالي على هزة الصواريخ البدائية قصيرة المدى.
ويتبدى الإحساس الإسرائيلي بالعجز العسكري في مقال "عوفير هعبري" بعنوان "كثير من الإسرائيليين يتصورون أن الجدار الأمني يستطيع صد الفلسطينيين عن محاولات ضرب العمق الإسرائيلي، لكن هذا التصور مخطئ يجب تغييره" (يديعوت أحرونوت 8 يناير 2007) يذهب الكاتب إلى أن الجدار الأمني في الضفة الغربيةوغزة نجح في مهمة أمنية رئيسية وهي "القضاء على القدرة العامة للمخربين على تفجير أنفسهم في مدننا. لكن الجدار يتحول عند كثيرين من مُركب تكتيكي إلى استراتيجية عامة، وإلى تصور أنه ليس مجرد وقاء من خطر المخربين المنتحرين فقط، بل من جميع المشكلات الأمنية: باعتبار أن الجدار وتراجعنا خلفه سيحددان الحدود ويقضيان على النزاع مع الفلسطينيين.
"ولكن كما كانت الحال مع خط بارليف، يقوم التصور على وهم. ينبغي أن نتخلص منه، قبل أن تنفجر نتائجه في وجوهنا انفجاراً عظيماً.
وُلد الجدار كتصور في أعقاب النجاح الذي نسبه كثيرون إلى الانسحاب الأحادي من لبنان. ولكن تبين أن الانسحاب الأحادي لم يحل "حزب الله"، بل جعل له يداً حرة ليتسلح على نحو لا سابقة له ولينتشر حتى الحدود. وجعلت الشرعية الدولية كل عملية للجيش الإسرائيلي وراء الحدود أكثر إشكالية من الناحية الدبلوماسية. كانت حرب لبنان الثانية الثمرة العفنة للتصرف الأحادي".
"وفي غزة ولّد الانفصال ربطاً فاسداً بين الأحادية والجدار وواقع مخالف تماماً. يرى المخربون هدم المستوطنات والانسحاب الأحادي هرباً. إنهم يُعدون من وراء الجدار في غيابنا بنى تحتية وخططاً. لم يعد الجيش الإسرائيلي الآن قادراً على وقف صواريخ القسام، ولا يصعب أن نصف ما يُعده المخربون تحت غطاء وقف إطلاق النار الذي أُعطي لهم".
ثم يطل موضوع "نهاية إسرائيل" برأسه للمرة المليون. ففي مقال بعنوان "الخراب التام لإسرائيل سيكون ثمناً لإقامة دولة فلسطينية" (يديعوت أحرونوت 15 يناير 2007) كتب المستوطن الصهيوني في الضفة الغربية إلياكيم هعتسني يتحدث عن "المصيبة" أي "الآثار الكارثية" المتوقعة للدولة الفلسطينية، التي بات أمر إقامتها مسلماً به: 1- حصار: فلسطين السيادية ستبتلع الأردن الذي معظم سكانه فلسطينيون. وستقف تجاه إسرائيل المتقلصة دولة معادية، من حدود العراق وحتى البحر الأبيض المتوسط، مع رواق يجتاز النقب بين غزة والخليل. 2- فوضى: عرب الجليل والمثلث سيطالبون ب"حكم ذاتي"، كمرحلة أولية قبل الانضمام إلى فلسطين، وهذه ستطالب بتطبيق قرار الأممالمتحدة 181 -انسحاب إسرائيلي إلى حدود 1947 (إخلاء نهاريا، عكا، الناصرة، يافا، أسدود، عسقلان، كريات جات وبئر السبع)- وهو المطلب الذي طرح قبل الاحتلال. 3- الإرهاب: الضغط السياسي من المعتدلين سيترافق مع إرهاب المنظمات التي تنازلت وزيرة الخارجية "لفني" منذ الآن عن تفكيكها حسب "خريطة الطريق". لن يكون هناك مركز آمن للفرار إليه. 4- التسلح: فلسطين السيادية ستلتزم بتجريد السلاح مثلما فعل الفلسطينيون تجاه كل التزاماتهم التي وقعوا عليها منذ "أوسلو". فلسطين ستكون مسلحة بسلاح هجومي حديث. 5- اللاجئون: حسب موافقة (لفني - بيريتس) على المبادرة السعودية كأساس، ستستوعب إسرائيل بضع مئات الآلاف من اللاجئين، ولكن المطلب في أن نقبل بكل ملايين اللاجئين سيشتد فقط. في هذه الأثناء سيتدفقون إلى فلسطين ومن هناك سيسيرون نحو الحدود. 6- المجال الجوي: سلاح الجو لن يطير فوق الضفة: مثلما طرد من سماء لبنان. 7- الأحلاف: فلسطين ستخرق كل حظر على توقيع الاتفاقات العسكرية مع دول معادية لإسرائيل. والحرس الثوري الإيراني سيظهر على حدودنا. 8- المياه: مثل السلطة الفلسطينية قبلها، فإن فلسطين ستنفذ حفريات منفلتة العقال، ستصفي الخزان الجوفي للجبل. 9- الضربة الروحانية: سيادة يهودية ستشطب حق اليهود في البلاد. وحتى لو احتللنا فلسطين ألف مرة، فهذه ستكون قد أصبحت أرض فلسطين. 10- الطرد واليأس: في الحدود المؤقتة لفلسطين سيطرد 100 ألف يهودي. أما الحدود النهائية فستتطلب طرد 200 ألف آخرين. الطرد سيبعث الكراهية في الشعب، هجرة معاكسة جماهيرية، أزمة اقتصادية، ضعضعة الأمن وشرخ في الجيش الإسرائيلي. 11- فقدان الاستقلال: المسار وضع في "خريطة الطريق": من الواضح أنه في الحدود التقليدية لإسرائيل ستكون هناك صعوبة للدفاع عن نفسها، هناك حديث عن مرابطة قوات دولية في الجنوب وفي الوسط أيضاً. هذا هو رأي مستوطن يميني متطرف، ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: هل هذه الرؤية شكل من أشكال الهستريا، أم أن لها جذوراً في الواقع؟!