فند مسئولون سابقون في حكومة رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير، وكتاب وباحثون قانونيون مزاعم الرئيس الامريكي السابق جورج بوش في مذكراته الجديدة التي قال فيها ان تعذيب قادة القاعدة خاصة خالد الشيخ محمد باسلوب الايهام بالغرق ادى الى استخراج معلومات منه ومن قادة اخرين ادت الى الحفاظ على ارواح الكثير من الابرياء وتحديدا منعت هجمات اخرى على كل من مطار هيثرو والحي الاقتصادي في لندن 'كناري وورف'. واكد مسئولون ان الاسلوب الذي استخدمته الاستخبارات الامريكية يظل اسلوب تعذيب في ظل القانون البريطاني، مشيرين الى التصريحات الاخيرة التي صدرت عن مدير الاستخبارات الخارجية البريطانية جون سويرز في محاضرته والتي اكد فيها ان عملاء وكالته لا يقومون بالتعذيب وان وكالته لا تأخذ المعلومات الا من دول ديمقراطية.
وقال المسئولون ان هذه الدولة الديمقراطية هي امريكا التي مارست التعذيب. وفي رد على ما ورد في المذكرات اكدت صحف بريطانية منها "الجارديان" و"التايمز" و"الاندبندنت"، انه لا توجد ادلة عن منع المعلومات التي حصل الامريكيون عليها من خلال التعذيب هجمات على بريطانيا. وقالوا انه حتى في حالة تقديم خالد الشيخ محمد معلومات عن هجمات محتومة فانها تظل غامضة ولا تفاصيل واضحة فيها. وانتقد المعلقون البريطانيون لهجة الرئيس الامريكي واعتبروها، تعبيرا عن الغطرسة وجهلا.
واكدت تعليقات ان بوش يأتي وبعد عشرة اعوام من الغزو ليتحدث عن عراق نموذج يحتذى به في مجال الديمقراطية وعراق آمن ولم يكن يعي ان كتابه صدر في وقت حدثت فيه مجزرة كنيسة النجاة ولم تتوقف الهجمات والتفجيرات في العراق منذ ان ترك الحكم.
وزعم بوش ان اساليب التعذيب القاسية ضد خالد الشيخ محمد وثلاثة اخرين من القاعدة ادت الى كسر ارادتهم وتوفير معلومات منعت هجمات جديدة ضد امريكا وضد اهداف في بريطانيا وهجمات متعددة ضد سفارات امريكية في الخارج واشار بوش الى التكنيك الذي استخدم في مذكراته باسم "الشارع الغارق".
وتعرض خالد الشيخ محمد الى 183 عملية تعذيب باستخدام هذا الاسلوب. وادى الى تقديم خالد الشيخ محمد قائمة من 31 موقعا حول العالم كانت القاعدة في طور التخطيط لمهاجمتها. وقال مسئولون ان اجراءات امنية مشددة اتخذت حول مطار هيثرو قبل شهر من اعتقال خالد الشيخ محمد والذي قبض عليه في شهر مارس 2003 واعتبر امر توني بلير المصفحات لحراسة المطار مبالغة ورد فعل لم يكن ضروريا في حينه.
وفي الوقت الذي سارع فيه مسئولون سابقون في حكومة بلير ومسئولون امنيون لابعاد انفسهم عن ما ورد في مذكرات بوش الا انهم اكدوا على اهمية المعلومات التي قدمها خالد الشيخ محمد. واشاروا الى ان المعلومات لم تكن مهمة في الجانب العملياتي بقدر ما وفرت معلومات عن بنية القاعدة القيادية وطبيعة عملها. وقالت ديم اليزا مولرر مديرة (ام اي 5)، وكالة الاستخبارات الداخلية ان بريطانيا احتجت هذا العام حول طريقة معاملة وتعذيب المشبته بارتباطهم بنشاطات ارهابية، واضافت ان بريطانيا لا تعرف الظروف التي يعتقل فيها خالد الشيخ محمد.
فيما قال كيم هاولز، رئيس لجنة الامن والاستخبارات البرلمانية السابق والوزير في وزارة الخارجية، ل"بي بي سي" انه وان لا يشك بوجود مؤامرة ضد بريطانيا اعدتها القاعدة الا انه يشك في ان يكون اسلوب التعذيب الذي مورس على خالد الشيخ محمد كان وراء الكشف عنها. وانتقد مسؤول سابق في حزب المحافظين، ديفيد ديفيس ما قاله بوش حيث اشار الى ان الاخير يرى ان الطريقة الوحيدة لاستخراج المعلومات لا تتم الا بالتعذيب.
واضافة الى خالد الشيخ، ذكر بوش، القيادي في القاعدة ابو زبيدة الذي اعتقل في عام 2002. ونقلت التايمز عن مسؤول في الادعاء البريطاني قوله انه لم ير شيئا جوهريا يدعم ادعاء الرئيس السابق بوش، فيما نقل عن النائب العام السابق، لورد غولد سميث قوله "يجب علينا ان لا نشجع او ندعم التعذيب". وقال انه قرأ ما ورد في كتاب بوش لكنه لا يملك، اي النائب العام اية ادلة كما انه لم يسمع بهذه المعلومات اثناء عمله في الحكومة؟
وفي خروج عن اجماع الصحف والمسئولين السابقين حول عدم صحة معلومات بوش، نقلت صحيفة "ديلي تلجراف" المحافظة عن مسئولي استخبارات امريكيين دعمهم لما ورد في كتاب بوش من ان التعذيب ادى للكشف عن مؤامرات ضد بريطانيا وقال مسؤول امريكي للصحيفة ان اعترافات خالد الشيخ محمد تم تمريرها للمسئولين البريطانيين. واضاف المسؤول الامريكي ان التعذيب قاد للقبض على خالد الشيخ محمد مشيرا الى ان الشخص الذي قاد رجال الامن الباكستانيين لمكان وجوده هو زين العابدين حسين، وذلك بعد اعتقاله عام 2002 وتعرضه لكل الوان التعذيب، الايهام بالغرق، الحرمان من النوم والاغتصاب الجنسي.
لكن مسؤولين سابقين وفي محاولة منهم للتشكيك في صحة المعلومات التي اخذت من خلال الاكراه، اشاروا الى ان ابو زبيدة اخبر المحققين ان صدام حسين، الرئيس العراقي السابق اقام علاقة مع القاعدة وان الاخيرة خططت لضرب امريكا باستخدام قنبلة قذرة وثبت عدم صحة المعلومات هذه. وقال قانونيون بريطانيون متخصصون في حقوق الانسان ان اعتراف بوش بالتعذيب يضعه محط الاتهام والتقديم للمحاكمة خاصة ان عملية الايهام بالغرق تعتبر في رأي غالبية الخبراء شكلا من اشكال التعذيب. واتهمت مديرة مؤسسة ليبرتي، شامي شاكرباتي بوش بانه قام باغراق الديمقراطية في مستنقع الاكاذيب والحروب والتعذيب.
صمت سوري وقالت صحيفة "الجارديان" ان سورية التزمت بالصمت حيال ما كشفه بوش عن تفكيره ارساله قوات خاصة بناء على طلب من ايهود اولمرت، لضرب منشآت في منطقة الكبر القريبة من نهر الفرات، حيث قامت تل أبيب بضرب الموقع عام 2007. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين قولهم ان الصمت السوري نابع من محاولة دمشق تجنب تدهور العلاقات مع واشنطن في وقت تعاني فيه العلاقات من توتر حول الوضع اللبناني.
وقرأت الصحيفة في الهجوم على سورية واعتراف بوش بمعرفته به انه تأكيد لرأي الشعوب العربية حول العلاقة القريبة بين امريكا والدولة الصهيونية مع ان بوش اعترف انه لم يعط اولمرت "ضوءا اخضر" لضرب المفاعل.
وفي هذا السياق كرر احد المسئولين السابقين في ادارة بوش لازمة العلاقة بين صدام والقاعدة وامكانية تهريب اسلحة الدمار لسورية، فقد دافع بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع الامريكي السابق، واحد مهندسي الحرب على العراق عن دوره في الحرب حيث اخبر "التايمز" قائلا انه "بعد يومين من الهجمات كانت هناك الكثير من الاشياء التي لم نكن نعلمها، لكننا كنا نعرف ان الزعيمين الوحيدين في العالم اللذين رحبا بالهجمات هما اسامة بن لادن وصدام حسين" حسب زعم المسئول السابق. وعن عدم العثور عن اسلحة الدمار الشامل في العراق لم يستبعد وولفويتز وهو من المحافظين الجدد امكانية تهريبها لسورية. مشيرا الى ان التهديد الرئيس لم يكن كيماويا بل بيولوجيا وان الامريكيين عثروا على ادلة تظهر ان مخابرات صدام كانت تعمل على بناء القدرات البيولوجية.
اوقفوا حملة تصحيح الصورة وكان بوش قد بدأ جولة توقيع لكتابه "نقاط القرار" من بيته في نورث دالاس حيث سيجول في عدد من المدن الامريكية ويقوم بتوقيع الكتاب اضافة لحملة اعلانية يقصد منها اعادة تصحيح صورة رئيس ارتبطت بالحروب والتعذيب والفشل الذريع في مجال الاقتصاد. ولا يعتقد المحللون ان يكون بوش من خلال الرحلة يريد العودة للسياسة لكن لا يخفى ان وراء الرحلة محاولة لتعزيز واجباته ودوره الذي يقوم به عادة الرؤساء السابقون، ويفهم ان ناشره، كراون بابليشر، قام باصدار اوامر من اجل طباعة مليون ونصف مليون نسخة من المذكرات.
وعودة بوش للاضواء "طبخت" مقدما في استديوهات شبكات التلفزة، "ان بي سي" و"فوكس نيوز" ومقابلة مع اوبرا وينفري. ويعتقد الكثير من المعلقين ان وراء الحملة الاعلانية المطبوخة والعروض المعدة مقدما والتعليقات المشجعة لرئيس ترك البيت الابيض وقد تراجعت شعبيته لادنى مستوياتها هو محاولة لتصحيح صورته المشوهة في الاذهان الامريكية.
ودعا جوناثان فريدلاند في مقال له في "الجارديان" الى وقف حملة تصحيح صورة الرئيس وقال ان بوش الذي يريدنا الرئيس السابق معرفته "ابن ناس" ويحترم مشاعر عائلات الجنود الذين ماتوا في حربه، حيث ارسل مئات الرسائل الى عائلاتهم هو غير بوش الذي اختار معلومات غير صحيحة ليدمر بلدا لم يهدد امريكا، وترك سجلا من الفشل في العراق وافغانستان وايران وجوانتانامو وابو غريب وكاترينا.
وختم الكاتب مقاله بقوله من "الجيد ان نقرأ عن حياة الرئيس وكلبه الذي يلقي ببرازه في الحي الذي يسكن فيه سيده. ولكن وسخ بارني هو اهون من الوسخ الذي تركه وراءه سيده للعالم".
واعتبرت "ديلي ميل" في افتتاحية لها ان تخلي رئيس دولة عظمى عن اخلاقيته هو عار على فترة حكم مليئة بالاخطاء.