مارس يوسف بطرس غالى النهج الذى يسير عليه قادة الحزب "الوطنى" وحكومته باستخدام فزاعة ما يسمى بالإسلام السياسى فى تخويف أمريكا ودفعها إلى التغاضى عن الممارسات اللاديمقراطية، والسكوت عن عمليات تزوير الانتخابات التى تقوم بها حكومات الحزب. قال وزير المالية المصري يوسف بطرس غالي في مقال نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" بأن مستقبل مصر السياسي أصبح يلقى اهتماماً كبيراً في واشنطن مع اقتراب موعد الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية، مشيراً إلى انتقاد خبراء السياسة للحكومة المصرية قائلين بأن مصر تعاني من حالة ركود وأن الحكومة تقاوم التغيير، وأضاف "أولئك الذين يعملون في الحكومة المصرية يعتقدون أن أكثر ما يهم المواطنيين المصريين العاديين هو مستوى معيشتهم، وفي هذا الصدد، فإن البلاد تمر بمرحلة تحول مثيرة للدهشة".
واستعرض غالي في الصحيفة ما اعتبره علامات التطور الإقتصادي في مصر، قائلاً بأنه منذ ان قامت الحكومة بإطلاق مشروع الإصلاح الإقتصادي منذ خمس سنوات تم توفير حوالي أربعة ملايين وظيفة، أضاف أنه بحسب مقاييس الأممالمتحدة فإن مؤشر التنمية البشرية في مصر هو العاشر في قائمة أسرع معدلات التنمية في العالم وتقريباً ضعف متوسط المعدل العالمي. وتابع قائلاً بأن البنك الدولي وضع مصر على رأس قائمة دول الشرق الأوسط من حيث الإصلاح الإقتصادي على مدي الثلاث سنوات الماضية، مضيفاً بأن هذه العلامات لا تدل على أي ركود.
ويرى غالي بأن النمو الإقتصادي قد ساعد على جعل المجتمع المدني المصري الأكثر ديناميكية في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن القنوات الفضائية المستقلة تصل إلى نحو 70 بالمائة من السكان، وان هناك أكثر من 500 منشور صحفي مستقل وما يزيد عن 160 ألف مدون في مصر، وأضاف بأن عدد الصحف اليومية المعارضة في مصر يزيد عن عددها في أي دولة أخرى في الشرق الأوسط. و مضى قائلاً بأن هناك حرية في مجال الإنترنت في مصر وأنه لا توجد قيود على نتائج محركات البحث مثل جوجل، وأشار إلى أن النساء يشغلن 23 بالمائة من المناصب العامة وأنه سيتم تخصيص ما لا يقل عن 12 بالمائة من مقاعد البرلمان في الإنتخابات القادمة للنساء.
وتابع قائلاً بأن مصر الآن تختلف عما كانت عليه منذ خمس سنوات من كل النواحي، مستطرداً بأن مجتمع السياسة في واشنطن لا يعكس ذلك. ودافع غالي عن الحكومة المصرية قائلاً أن المراقبين الغربيين يشيرون دائماً إلى عيوب النظام السياسي في مصر، والتي قال بأن النظام يعترف بها ويناقشها بشكل علني. واعتبر غالي حقيقة أن المصريين يجرون مناقشات مفتوحة حول الإنتخابات القادمة، وأداء الحكومة، والفقر، بل وحتى الرئيس نفسه هي دليل صحة البيئة السياسية في مصر.
وفيما يتعلق بانتقال السلطة قال غالي "إن الدستور المصري يحدد إطار دقيق للإنتخابات الرئاسية، والتي هي مفتوحة أمام أي حزب سياسي لديه ما لا يقل عن مقعد واحد في البرلمان" وأضاف بأن مصر لم تواجه أبداً في تاريخها الحديث أي أزمة تتعلق بانتقال السلطة. وقال أن الحكومة تدرك بأن مصر لا يزال أمامها طريقاً طويلاً، وأن الكثير من الناس لا يزالون يعيشون في فقر، وقليلون فقط هم من يحصلون على تعليم مناسب، إلا أنه لا شك بأن مصر تقف عند نقطة تحول نحو المزيد من الرخاء، على حد قوله.
واعتبر غالي أن التحدي الأساسي أما الحكومة المصرية هو مواصلة اصلاحاتها الإقتصادية في الوقت الذي تنفتح فيه مصر سياسياً، مشيراً انه لهذا السبب فإن الإنتخابات البرلمانية التي سيتم عقدها هذا الشهر و الإنتخابات الرئاسية القادمة ستكون حاسمة. وأضاف قائلاً "سيسعى الحزب الوطني، والذي أنتمي له، إلى ولاية متجدده من أجل التغيير من خلال هذه الإنتخابات. نحن نعتقد أننا الحزب الوحيد الذي يمتلك الرؤية والسجل الحافل لتحقيق الازدهار والنمو المستمر لمصر"، على حد زعمه.
وحذر غالي من خلال مقاله من أن البديل الرئيسي لرؤية الحزب الوطني يقدمه أشخاص و صفهم بأنهم "أولئك الذين سيقودون البلاد بعيداً على الليبرالية الإقتصادية، والتسامح الديني، والتقدم الإجتماعي نحو مزيد من التطرف" مما سيؤدي في النهاية إلى خلق دولة دينية في البلاد التي طالما احتضنت التنوع، على حد تعبيره. وتابع قائلاً "تخيلوا للحظة مصر في يد الأصوليين المتطرفين، الذين يثيرون عدم الإستقرار ويتحالفون مع الأنظمة المارقة".
وتابع غالي مقاله قائلاً بأنه بصفته عضواً في المجتمع المسيحي المصري، والذي اعتبره الأكبر في الشرق الأوسط، يدرك جيداً مخاطر التعصب الديني، وبصفته وزيراً للمالية يدرك حتمية التغيير في مواجهة المصالح الراسخة، وبصفته عضواً منتخباً في البرلمان أصبح يدرك بأن التغيير لا يمكن أن يتحقق بدون الدعم السياسي النابع من الداخل.
وأضاف: "رؤيتنا لمصر هي دولة مدنية حديثة تقوم على المساواة والتسامح الديني واقتصاد السوق الحرة، وأن الإزدهار والتعليم الأفضل يمثلان محركاً للتغيير السياسي السلمي والذي نأمل أن يقوم بدوره بإحياء نظام التعددية الحزبية و التي ذبل للأسف نوعاً ما في السنوات الأخيرة". واعتبر غالي أن الخيار لا يجب أن يكون بين الحزب الوطني من وصفهم ب"الأصوليين"، أنه ينبغي أن يكون هناك مجال للبدائل العلمانية النابضة بالحياة.
و أشار غالي إلى أن المساعدات الأمريكية على مدى الثلاثين عاما الماضية لعبت دوراً حيوياً في بناء إقتصاد السوق الحرة، و انه مع نمو الاقتصاد المصري تحولت علاقة مصر بالولايات المتحدة من واحده تقوم على أساس المساعدات الإقتصادية إلى أخرى تقوم على التجارة و الإستثمار، على حد قوله.
و اختتم غالي مقاله في الصحيفة الأمريكية قائلاً بأن مصر هي الدولة الأكبر في المنطقة العربية و أنها طالما لعبت دوراً رائداً في المنطقة، و أن تحويل الإقتصاد المصري سيولد الإزدهار و الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة العربية و يشكل حصناً ضد التطرف، و أخيراً أن تحقيق التقدم الإقتصادي و الاستقرار السياسي في مصر من شأنه تحسين أمن أمريكا و وضع الأسس لشرق أوسط مزدهر و مستقر.