انتقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مشروع القرار المقدم من منظمة المؤتمر الإسلامي، بالنيابة عن الوفد الفلسطيني وبقية الدول العربية والإسلامية، إلى مجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة بعدم إحالة الجرائم التي ارتكبتها الدولة الصهيونية وتلك التي ارتكبتها "حماس"، كما يدعي تقرير "جولدستون"، إلى محكمة العدل الدولية. واعتبر المركز أن مشروع القرار الإسلامي يعد "دفنًا تدريجيًا" لتقرير "جولدستون"، وتحقيقا للمطالب الأمريكية والصهيونية بدفن التقرير "فوريا"!!
وكانت لجنة الخبراء المستقلين بالأممالمتحدة، المكلفة برصد وتقييم التحقيقات الداخلية التي قامت بها تل أبيب والجانب الفلسطيني في جرائم الحرب التي ارتكبت أثناء عملية "الرصاص المصبوب" قد قدمت تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة، وقد ذكرت اللجنة علي لسان رئيسها البروفسور كريستيان توموشات أن التحقيقات التي تجريها الحكومة الصهيونية تفتقر إلى "الشفافية" و"النزاهة"، وأشار إلي أن الحكومة الصهيونية قد فشلت في التحقيق مع من خططوا وأشرفوا على الهجوم.
وقد أشارت لجنة الخبراء أيضا إلى أن الجانب الفلسطيني قد فشل هو الأخر في إجراء التحقيقات الداخلية الخاصة به. وهو الأمر الذي يتوجب معه واستنادا إلي تقرير جولدستون إحالة الملف إلي مجلس الأمن لإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ولكن مشروع القرار العربي الإسلامي، بحسب البيان الذي أصدره المركز أمس الثلاثاء، رفض المقترحات المشتركة لمركز القاهرة وعدد من المنظمات الفلسطينية والصهيونية والدولية، بتحويل الملف إلى مجلس الأمن لتحويله إلى المحكمة الجنائية الدولية، مثلما حدث في قضية دارفور.
وبدلا من ذلك يدعو مشروع القرار إلى إجراء مزيد من التحقيقات الداخلية، برغم اتضاح غياب الإرادة السياسية اللازمة لدى الصهاينة للشروع بتحقيق جدي، وبرغم أن الطرفين تأخرا في تقديم تقريرهما في مارس الماضي، واضطرت الأممالمتحدة لمد أجل التقرير حتى يوليو 2010.
بينما تدعو الولاياتالمتحدة والدولة الصهيونية المجلس لأن يغلق الملف بشكل نهائي، أي "الدفن الفوري"، اكتفاءً بالتحقيقات التي جرت، برغم أنها لم تتوصل إلى نتائج ملموسة تنصف الضحايا.
وكان مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قد قام أول أمس بإصدار نداءً مشتركاً مع عدد من المنظمات الحقوقية العربية والدولية. وألقى بيانا أمام مجلس حقوق الإنسان مطالبا الجمعية العامة للأمم المتحدة بحث مجلس الأمن الدولي بأن يقوم، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، بإحالة الوضع في الدولة الصهيونية والأراضي الفلسطينية المحتلة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وطالب ممثلي الدول الأطراف في المحكمة أن يحيلوا القضية إلى المدعي العام، وذلك وفقا للمادة 14 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك لما فيه من حماية للسلم والأمن الدوليين، مؤكدا في أكثر من مناسبة انه لا يمكن فصل تحقيق العدالة عن تحقيق السلام.
كما نظم مركز القاهرة بالتعاون مع الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان وعدد من المنظمات الفلسطينية ندوة حول الموضوع في مقر الأممالمتحدة بجنيف، وعقد اجتماعات "ثنائية" مع وفود دول: (باكستان، رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي، أيرلندا، المكسيك، ألمانيا، المجر، بريطانيا، سويسرا، سلوفاكيا، بلجيكا، أسبانيا، السلطة الفلسطينية، بولندا، مصر، النرويج)، من أجل حثهم على اتخاذ قرار ينصف الضحايا.
ويؤكد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بعد مرور ما يقرب من 20 شهرا على عملية الرصاص المصبوب والتي سقط ضحيتها أكثر من ألف قتيل، أن تواطؤ الحكومات العربية على دفن تقرير جولدستون، ومنح الصهاينة الفرصة للإفلات من العقاب، لهو موقف مشابه لما اتخذته الدول العربية من قبل في تعاطيها مع قضية دارفور.
ويحث مركز القاهرة مجلس حقوق الإنسان والدول الأعضاء فيه بضرورة الالتزام بمسئولياتهم إزاء ضحايا جرائم الحرب، ويدعو إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية لاتخاذ إجراءات ملموسة لضمان تنفيذ توصيات تقرير جولدستون وقرارات الأممالمتحدة. إن تجاهل هذه التوصيات سوف يساعد على تكرار جرائم الحرب، طالما أن مرتكبيها قد تيقنوا أنهم بمنأى من المحاسبة والعقاب، وتيقن الضحايا بأن اليد العليا هي لغياب القانون وليس لسيادته.