في محاولة لتقييم اثار الغزو الامريكي على العراق نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية مقالا يوم السبت استطلع فيه مراسلها بالعراق جوناثان ستيل عام 2003 اراء العراقيين حول الاطاحة بصدام حسين وبين وضع العراق اليوم بعد سبعة اعوام الغزو ليجد ان الامور لم تتغير بل زادت سوءً. وفي الرحلة الاخيرة زار ستيل عددا من المدن العراقية بالاضافة لبغداد، تكريت والفلوجة والبصرة ولاحظ في رحلته ان المكان الذي زاره في تكريت وهو قصر الفاروق لم يزل كما هو حطاما ولكن تحرسه القوات العراقية بعد ان أحاطته بأسلاك شائكة.
وما كشفه تحقيق ستيل ان الزائر الاجنبي للعراق اليوم يقرأ في احاديث العراقيين رغبة بالمقارنة بين عراقين، عراق صدام وعراق اليوم الذي نادرا ما تسمع فيه اي كلمة "ثناء" منهم على المحتلين.
وجاءت زيارة ستيل بمناسبة تخفيض اعداد القوات الامريكية في العراق ومغادرة القوات القتالية منه، وحاول البحث عن الاشخاص الذين قابلهم في عام 2003، لكنه يعترف ان المهمة عسيرة اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الكثيرين منهم ربما قتلوا في اثناء الحرب الطائفية او اجبروا على الرحيل من بيوتهم وانضموا لملايين من النازحين العراقيين في الخارج.
ولكنه يقابل في تكريت بشار الدليمي، طبيب العيون الذين كان يحرس ورفاقه المستشفى من عصابات النهب التي نهبت القصر ويلخص الطبيب سنوات الاحتلال بانها لم تف بالوعود التي جاءت بها فالبنية التحتية التي وعدوا بها لم تحقق مشيرا الى تكرار انقطاع التيار الكهربائي وغياب الوقود للسيارات والطوابير التي لا تنتهي.
ومع اعتراف الطبيب بحصول بعض التغييرات من ناحية زيادة الرواتب وتحسن المعدات الطبية الا انه مثل غيره يرى ان حالة الفوضى الامنية تظل المعضلة الاكبر منذ الاطاحة بصدام.
ولا يخفي سعادته برحيل الامريكيين الذي يقول ان رحيلهم لن يغير من واقع الحال شيئا ومؤكدا ان العراقيين هم وحدهم من بيدهم وقف العنف الذي يراه مشكلة للسنة الذين اتهموا بالعمالة واستهدفوا لان بعضهم اغنياء، واشار الى محاولات لتشريد مدينته من اطبائها واجبروا العديدين منهم على اللجوء للخارج. ولاحظ المراسل نفس الامر في الفلوجة التي زار فيها عامل محل نجارة قابله سابقا وكرر نفس المظالم التي يعاني منها العراقيون من غياب الامن وانقطاع التيار الكهربائي وتراجع الخدمات الاساسية، وعبر عن مخاوفه من تغلغل ايران في العراق فمع ان مدينة الفلوجة عانت عام 2004 من ابشع هجوم عليها من المارينز الان خوفه من المستقبل يجعله يأمل ببقاء الامريكيين في العراق.
وفي بغداد لاحظ كيف تحولت العاصمة الى كتل من الاسمنت وجدران تفصل السنة عن الشيعة. وبالنسبة للشيعة الذين قابلهم يرون ان الوقت الان هو وقت "للحرية والديمقراطية".
وتقرير ستيل عن الوضع العراقي يعبر عن لازمة في التقارير الاعلامية الغربية حول ارث امريكا في العراق، وتكاليف الحرب التي لم تحقق اهدافها، ففي تقرير لصحيفة "لوس انجليس تايمز" تحدث عن مصير 53 مليار دولار لمشاريع الاعمار والتي لم تؤد بسبب سوء ادارة المليارات والعنف والفساد الى تحقيق العديد من المشاريع التي بدأت ثم توقفت واتمت لكنها لم تجهز وبعضها كان مخططا لها ولم تنجز، ويبدأ التقرير بالاشارة الى اطلال سجن بدئ ببنائه في الصحراء قرب بغداد لكن كلفة بنائه العالية ادت لتوقف العمل به، كل هذا على الرغم من ان العمل بدأ به عام 2004، عندما كانت الاموال الامريكية تتدفق على العراق. كما ان اندلاع العنف ادى الى عدم العودة للموقع فيما قالت الحكومة العراقية انها ليست مهتمة ببناء سجن وجاء قرار الحكومة بعد ان تم انفاق 40 مليون دولار "من اموال دافعي الضرائب الامريكيين" على حد قول الصحيفة.
وتنقل عن مدير مكتب المفتش العام لمشاريع الاعمار في العراق قوله ان السجن هو واحد من الامثلة الحية عن الاموال التي دفنت في الرمال في مشاريع فاشلة.
فيما يتخذ المسئولون العراقيون من المشاريع ذريعة لانتقاد الاحتلال الذين يقولون انه لم يخلف وراءه اي شيء من اجل ان يظهر ما وعد به بوش عام 2003 من مشاريع تشبه خطة اعادة اعمار اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ويقول وزير التخطيط العراقي ان الامريكيين انفقوا الملايين بدون اية نتائج ظاهرة للعيان. وترى الصحيفة ان العديد من الاخطاء ارتكبت في محاولة الادارة اظهار نتائج سريعة حيث اعطت العطاءات الى جهات لا تعرف الكثير عن العراق. ومع اندلاع العمليات المسلحة تم التخلي عن المشاريع او تركت فيما بعد بسبب زيادة التكاليف الامنية عليها فيما يقول العراقيون انه لم تتم استشارتهم في طبيعة المشاريع التي يجب تنفيذها. فمن بين 1500مشروع تم التخطيط لها منحت الحكومة العراقية 300 مشروعا والبقية وضعت على الرف، لكن المسؤولين الامريكيين يقولون ان حوالي 20 مليار دولار خصصت للاعمار تم انفاقها على تجهيز واعداد وتدريب القوات الامنية.
وتعتقد الصحيفة ان ما يشير الى فشل الاحتلال الامريكي الذريع هو انقطاع التيار الكهربائي المستمر. ففي عام 2003، اعلنت الحكومة التي نصبها الاحتلال عن خطط لتوسيع قوة الطاقة الكهربائية بستة الاف ميغاواط في اليوم اي بشكل يستجيب لحاجات المواطنين واكثر مما وفره النظام السابق والخطة كانت ستنفذ بحلول صيف عام 2004. وتعلق انه بعد مرور اكثر من ستة مواسم صيف والعراقيون لا يزالون يتقلبون تحت نار الصيف الحارقة على الرغم من انفاق 4.9 مليار دولار.
ويرجع الامريكيون الوضع الى توسع المطالب والاقبال على استخدام الادوات الكهربائية التي لم تكن متوفرة بشكل كبير في العهد الماضي اضافة للنهب العام والاعمال التخريبية التي قام بها المسلحون على شبكات الكهرباء ومحطات توليد الطاقة. وكما هو الحال مع وزير التخطيط يقول وزير الكهرباء ان الامريكيين ارتكبوا اخطاء ولم يستشيروا العراقيين.
ونفس الوضع يلحظ في مشاريع اخرى مثل المسلخ في البصرة الذي كلف انشاؤه 5.6 مليون دولار ولكن بدون اي ضمان لوجود المياه كي يتم غسل الدماء، وكذا مشروع شبكة مجاري الفلوجة عام 2005 والتي ارتفعت كلفتها من 32.5 104 مليون دولار.
وكذلك مستشفى الاطفال الذي يحمل اسم السيدة الاولى باربرة بوش والذي بدأ بكلفة 37 مليون وكان من المقرر الانتهاء منه عام 2005 وحتى الان لم ينته بسبب ارتفاع كلفته الى 170 مليون منها 110 من اموال دافعي الضرائب. ويعتقد مسئولون ان نسبة 30 بالمئة من اموال الاعمار ذهبت الى توفير الحماية الامنية.
وترى الصحيفة ان العراقيين ارتكبوا اخطاء ايضا فلا احد يعرف مصير 97 مليار دولار خصصتها الحكومة للاعمار لانها لم تقم بعملية تدقيق للحسابات. وفي النهاية، حتى المشاريع التي نجحت لم تعمر طويلا.