أقر البنك المركزي السعودي مؤخرا بأن منتجي النفط من غير الدول الأعضاء في (أوبك) لم يتأثروا بانخفاض أسعار النفط، كما كان يُعتقد في السابق، ولكن التداعيات السلبية الناجمة عن أسعار النفط العالمية بدأت تظهر بالفعل على الاقتصاد السعودي. جاء هذا في سياق تقرير نشره موقع " إنترناشونال بزنس تايمز" الأمريكي والذي تناول فيه الآثار السلبية للحرب النفطية التي أشعلت السعودية فتيلها بهدف القضاء على شركات النفط الصخري الأمريكية، على اقتصاد الدولة الخليجية.
وإلى نص التقرير: جاءت محاولة المملكة العربية السعودية الرامية إلى تدمير صناعة النفط الصخري الأمريكية بنتائج عكسية. فسعر مزيج خام برنت القياسي العامي يتم تداوله الآن عند 48.52 دولارا ( 31 إسترليني) للبرميل، قياسا ب 107 دولارا ( 69 إسترليني، 98 يورو) في يونيو من العام 2014، ويعزى هذا إلى الزيادة الكبيرة في السعة الإنتاجية من جانب الرياض التي تضخ نحو 10.6 مليون برميل نفط يوميا.
وتمثل رد الفعل السعودي على زيادة عمليات التكسير الهيدروليكي للنفط والغاز الصخريين في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، والتي تهدد بخفض الاعتماد العالمي على النفط السعودي- في رفع مستويات الانتاج، وخفض الأسعار، والرغبة الجامحة في طرد شركات النفط الصخري الأمريكية من السوق العالمي.
لكن صناعة النفط الصخري الأمريكية لم تلقى الدعم فقط عبر استغلال القدرات التقنية وخفض التكاليف، ولكنها تضخ أيضا قرابة 9.6 ملايين برميل نفط يوميا، مسجلة أعلى مستوياتها في 43 عاما.
بل إن البنك المركزي السعودي قد أقر مؤخرا بأن "منتجي النفط من غير الدول الأعضاء في (أوبك) لم يتأثروا بانخفاض أسعار النفط، كما كان يُعتقد في السابق."
ولكن التداعيات السلبية الناجمة عن أسعار النفط العالمية بدأت تظهر بالفعل على الاقتصاد السعودي.
الذهب الأسود إن اعتماد السعودية على النفط والغاز يوضح السبب في قيام صناع السياسة بالدولة الخليجية بخوض تلك المغامرة. فقطاع الطاقة يشكل نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ما يسهم بنسبة 90% من إجمالي الصادرات السعودية. والأهم من ذلك،فإن هذا القطاع يمول 80% من الموازنة الحكومية للسعودية.
ويعني تراجع الدخل من قطاع النفط أن البلاد تشهد في الوقت الراهن زيادة في معدلات الإنفاق. ووفقا للتقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، ستشهد السعودية التي اعتادت على تسجيل فائض في الموازنة، عجز ا بقيمة 140 مليار دولار، ما يعادل نسبته 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال كالين من صندوق النقد الدولي:" توحيد السياسة المالية للمملكة العربية السعودية سيكون لازما خلال السنوات القليلة المقبلة بهدف خفض العجز تدريجيا. كما أن تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي وكذا كفاءة الطاقة الشاملة وإصلاح الأسعار وزيادة الإيرادات غير النفطية كلها ستكون بحاجة إلى تشكيل عناصر مركزية من استراتيجية التوحيد المالي."
ولجأت الرياض، في إطار محاولاتها لخفض عجز الموازنة، إلى احتياطها من العملة الأجنبية والذي تناقص بأكثر من 60 مليار دولار حتى الآن هذا العام. وعلاوة على ذلك، تخطط السعودية لإصدار سندات بقيمة 27 مليار دولار، كي تضيف بذلك إلى ال 4 مليارات دولار التي اقترضتها في يوليو المنصرم.
هل تحتاج السعودية إلى تدابير تقشفية؟ يعتقد الخبراء أن ثمة حاجة لخفض الإنفاق الحكومي واضطلاع القطاع الخاص بدور أكبر، واتجاه البلاد أيضا لتنويع اقتصادها، بدلا من الاعتماد الرئيسي على النفط.
وفي هذا الصدد، أضاف كالين أن " التراجع في أسعار النفط قد أكد على أهمية التنوع الاقتصادي. فالسياسات مستمرة في تعزيز بيئة الأعمال، لكن لا يزال ثمة حاجة لاتخاذ مزيد من الإجراءات بهدف تشجيع الشركات على التركيز بدرجة أكبر على الإنتاج القابل للتداول بدلا من الإنتاج غير القابل للتداول في القطاع غير النفطي."
وتابع:" ومع ارتفاع معدلات التوظيف في القطاع الحكومي، ينبغي خلق مزيد من فرص العمل لأبناء المملكة في القطاع الخاص بغية زيادة عدد الأفراد في سوق العمل."
ومع ذلك، فإنه ومع اعتياد المواطنين على الحصول على مزايا كبيرة مثل الدخول المعفاة من الضرائب والإنفاق العسكري المتزايد، ربما يبدو هذا الأمر صعب الحصول.
ولم يُظهر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي تولد مقاليد الحكم في البلاد في يناير الماضي بعد وفاة سلفه الراحل عبد الله بن عبد العزيز، أي نوايا على تطبيق سياسات تقشفية عندما قرر تخصيص 32 مليار دولار لمنح مكافأت للعاملين في القطاع العام بهدف كسب الولاء الشعبي في المملكة.
الحرب المكلفة التي قادتها السعودية على معاقل الحوثيين في اليمن أرهقت هي الأخرى الموازنة الحكومية، ناهيك عن احتمالية ظهور إيران مجددا في سوق النفط العالمي عقب الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مؤخرا مع القوى الست الكبرى، ما يمكن أن يزيد الطين بلة بالنسبة للرياض في هذا القطاع الحيوي.
تناقص الاحتياطي الأجنبي قامت وكالة " ستاندارد أند بورز" للتصنيف الائتماني في فبراير الماضي بخفض تصنيف السعودية من مستقرة إلى سلبية، محذرة من أن الاقتصاد السعودي " ليس متنوعا وعرضة للتراجع الحاد والمستمر في أسعار النفط."
وحتى الآن، تمتلك المملكة احتياطى أجنبي يكفيها للاستمرار في لعبة الحرب النفطية، لكن لن يستمر ذلك لأجل غير مسمى. فاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي يبلغ 672 مليار دولار، بانخفاض من 737 مليار دولار في أغسطس 2014، وبتراجع نسبته حوالي 12 مليار دولار شهريا.
وخلاصة القول فإن السعودية قد غرقت في مستنقع صنعته بنفسها، وهي على وشك خسارة الحرب النفطية التي أشعلتها فتيلها.