تعتقد أوساط دبلوماسية أوروبية خبيرة بالشرق الأوسط أن الاتهامات التي وجهتها الحكومة الصهيونية لسوريا بتزويد حزب الله بصواريخ سكود قائمة على توقعات استخباراتية أكثر منها على معطيات واقعية، الأمر الذي يفسر تحفظ الأوروبيين للتنديد بهذا العمل عكس الأمريكيين. وتعتبر هذه المصادر الرفيعة المستوى أن الدولة الصهيونية قلقة بشكل كبير من قوة حزب الله منذ المواجهة الحربية فى صيف 2006، والتي انتهت بهزيمتها الرمزية. وتابعت، أن الدولة الصهيونية والدوائر الغربية تتساءل عن القوة العسكرية للحزب منذ الخطاب الذي حذر فيه الأمين العام لهذه الحركة حكومة تل أبيب برد قاس إذا ما هاجمت لبنان. وكان حسن نصر الله قد أكد يوم 16 فبراير الماضي مخاطبا الصهاينة "أنتم تدمرون بناء في الضاحية الجنوبية ونحن ندمر أبنية في تل أبيب"، أي ما يعرف "بنظرية الضاحية". كما هدد بضرب البنى التحتية الصهيونية إذا مست البنى التحتية اللبنانية، قائلا "إذا ضربتم الضاحية ليس فقط سنضرب تل أبيب، إذا ضربتم مطار الشهيد الحريري الدولي في بيروت سنضرب مطار بن جوريون في تل أبيب، إذا ضربتم موانئنا سنقصف موانئكم، وإذا ضربتم مصافي النفط عندنا سنقصف مصافي النفط عندكم، وإذا قصفتم مصانعنا سنقصف مصانعكم، وإذا قصفتم مصانع الكهرباء عندنا سنقصف مصانع النفط عندكم...أعلن هذا التحدي ونقبل بهذا التحدي". ونظرا لاقتناع الدولة الصهيونية والعالم الغربي بمدى "عدم مبالغة" حسن نصر الله في تصريحاته بل يلتزم بما يتعهد به، فقد انكبت مختلف أجهزة الاستخبارات الدولية وأساسا الموساد علاوة على معاهد البحث الاستراتيجي على تقييم الخطاب، وكانت النتيجة إما امتلاك حزب الله لأسلحة جديدة أو أن سوريا زودته بصواريخ سكود، كما ذهبت إلى ذلك تل أبيب. وترى المصادر الأوروبية أن الحديث عن صواريخ سكود الروسية الصنع مبالغ فيها، لأن دمشق إذا منحت حزب الله هذه الصواريخ فهي تعرض نفسها لغضب من طرف موسكو، وربما الكثير من العراقيل في صفقات أسلحة مستقبلا على شاكلة ما تفرضه الولاياتالمتحدة مع زبنائها، أي عدم استعمال الأسلحة إلا للدفاع وعدم تفويتها لطرف آخر. وتؤكد المصادر الأوروبية أن الدولة الصهيونية لو كانت تمتلك أدلة ملموسة عن تزويد سوريا لحزب الله بصواريخ سكود لما تأخرت في تقديمها لمجلس الأمن الدولي التابع لهيئة الأممالمتحدة. وهكذا، فالإدعاءات الصهيونية هي ناتجة عن توقعات استخباراتية أو أن خوفها من مفاجآت من حزب الله يجعلها الآن تضغط على سوريا وتهددها بإعادتها للعصر الحجري لكي تقوم دمشق بالضغط على حزب الله لتفادي خوض حرب جديدة ضد الدولة الصهيونية. وفسرت مصادر عليمة أن تطور صناعة الصواريخ تؤكد أن قيام حزب الله بقصف العمق الصهيوني في حالة نشوب حرب لن يتطلب صواريخ سكود بمفهومها الغربي والتي تطلق عادة على الباليستية، بل صواريخ تتراوح ما بين قريبة المدى والحد الأدنى لمتوسطة المدى، ذلك أن المسافة بين الجنوب اللبناني وتل أبيب هي 114 كلم وباقي المواقع الاستراتيجية مثل الموانئ والمصانع ومحطات الكهرباء تدخل ضمن مسافة 250 كلم. وعموما، فهذه المسافة ليست بالطويلة نهائيا مقارنة مع التطور الهائل الحاصل الآن في صناعة الصواريخ. وعليه، فالرأي السائد أن حزب الله يتوفر على صواريخ جديدة صغيرة ولكنها قوية وليس من نوع سكود الكلاسيكية لأن هذه الأخيرة يمكن اعتراضها بصواريخ باتريوت وهو عمل في قدرة الجيش الصهيوني، في حين أن الصواريخ الصغيرة لا يتم اعتراضها مثلها مثل صعوبة أو استحالة اعتراض القاذفات التي تطلقها الدبابات. وفي الوقت ذاته، فالصواريخ الصغيرة لا تتوفر على منظومة إلكترونية متطورة بل على آليات ميكانكية وتجهيزات إلكترونية في الحد الأدنى تقف أمامها الرادارات مشلولة. ويبقى العامل الذي يقلق المؤسسة العسكرية الصهيونية أن المسافة بين الجنوب اللبناني والكيان الصهيونى تبقى قصيرة عسكريا، فرغم أن الرادارات قد ترصد الصواريخ، فالجيش لن يحقق نجاحا كبيرا في اعتراضها بسبب سرعة هذه الصواريخ وقصر المسافة. فالصواريخ الصغيرة أو المتوسطة الحجم لا تتطلب منصات ذات تقدم تكنولوجي معقدة للإطلاق تفاديا لرصدها من طرف أجهزة الرصد العسكرية الصهيونية. ورغم صغر حجمها ما بين متر إلى ثلاثة أمتار، فهذه الصواريخ تكون شديدة القوة بسبب نوعية المتفجرات التي تحملها والتي تحولها إلى أشبه بالقنابل العنقودية، حيث تغطي قوتها التدميرية مساحة كبيرة في بعض الأحيان. وهنا يمكن الحديث عن احتمالين، الأول امتلاك حزب الله لصواريخ جديدة إيرانية الصنع مجهولة من طرف الصهاينة، لاسيما وأن صناعة الصواريخ الإيرانية أصبحت متطورة ومتقدمة، وإما أن حزب الله استطاع بفضل خبرائه، ومساعدة أجنبية صديقة محتملة، تطوير صواريخ في مصانع سرية في لبنان وهو ما جعل الاستخبارات الصهيونية في موقف التائه. وعليه، فالكثير من الدول الأوروبية لم تقبل الاتهامات التي وجهتها الحكومة الصهيونية لسوريا حول صواريخ سكود وتعاملت معها ببرودة، واعتبرتها ضمن الحرب النفسية وضمن التوتر القائم في الشرق الأوسط.