قضايا خلافية جوهرية حول عدة ملفات استراتيجية بمنطقة الخليج العربي بوجه خاص، والمنطقة العربية بوجه عام، أوجدت هوة وفجوة بين الرؤية الأمريكية والرؤية الخليجية لحلول هذه القضايا، وعكست تباينًا واضحًا في المصالح والعلاقات والتحالفات بالمنطقة، وهو ما كشف عنه تغيب 4 قادة خليجيين عن حضور القمة الأمريكية الخليجية بكامب ديفيد، التي تعقد يومي 13 و14 مايو الجاري، رغم حجم التحضيرات الكبيرة التي سبقتها من الجانبين. تعددت الأسباب التي تفسر تغيب القادة الخليجيين، يتصدرها الخلافات حول الملف النووي الإيراني، والموقف من الأزمة السورية والأزمة اليمنية، وتخوفات الخليج المتصاعدة، وعجز الولاياتالمتحدة عن تقديم تطمينات حقيقية وضمانات جادة تكفل الوفاء بوعودها، واتجاه دول الخليج لتشكيل تحالفات بينية عربية وإسلامية، قد تؤشر لمحاولة للاستغناء عن الحليف الأمريكي. ويؤشر تضارب المصالح الأمريكية والخليجية في المنطقة إلى بداية مرحلة من التصعيد، والتوتر المحتمل قد يؤدي لاتخاذ قرارات إستراتيجية وعسكرية أحادية الجانب، أو بتنسيق عربي وإسلامي، بعد عقود تفوق فيها القرار والإدارة والقيادة الأمريكية، وذلك في ظل استمرار سعيها لتحقيق سياساتها وأهدافها بالمنطقة، بتعميق إبعاد تحالفها مع إيران على حساب تهديد دول الخليج وأمنها ومصالحها العليا والحيوية، تهديدًا مباشرًا يضرب الأمن القومي الخليجي في العمق. تغيب (4) قادة خليجيين عن القمة أصبح في حكم المؤكد عدم ترؤس 4 من قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست، وفود بلدانهم في القمة الخليجية الأمريكية في كامب ديفيد، رغم ترحيب وزراء خارجية دولها بالدعوة، حيث أعلنت كل من السعودية والبحرين أن وليا العهد بهما سيترأسان وفدي بلديهما، فيما أعلنت عمان ترؤس فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء، لوفد بلاده في القمة. فيما لم تعلن الإمارات عن رئيس وفدها بالقمة، إلا أنه يستبعد أن يكون رئيس الوفد هو رئيسها الشيخ خليفة بن زايد، الذي يغيب عن أي أنشطة رسمية علنية. ويأتي تغيب القادة الخليجيين الأربعة، رغم خطورة وحساسية أجندة وملفات القمة المعقدة، وضرورة التوصل فيها لالتزامات محددة وعاجلة، الأمر الذي يكشف عدم ثقة الخليج في جديتها من الأصل، فقد أوضح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير يوم الجمعة الماضي، أن قمة كامب ديفيد ستتم خلالها مناقشة الكثير من القضايا الأمنية؛ حيث ستناقش التهديد الخاص بالإرهاب، وتمدد المنظمات الإرهابية، ودعم إيران لهذه الصراعات، والسبل الكفيلة بتسوية النزاعات الإقليمية، والملف النووي الإيراني، وتهديد "داعش". "شؤون خليجية" يرصد أبرز 5 أسباب أدت إلى تغيب القادة الخليجيين الأربعة عن قمة كامب ديفيد، التي وصفها بعض المحللين والمراقبين بالتاريخية، نظرًا لأهمية الظرف الذي تعقد فيه، والملفات المهمة والشائكة التي تناقشها، والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها.
1- خلافات حول الملف النووي الإيراني جاءت قمة كامب ديفيد بالأساس لطمأنة دول الخليج بشأن الاتفاق النووي الإطاري، الذي تم التوصل إليه في الثاني من إبريل الماضي، بدعم أمريكي لإيران، يجعل من الاتفاق النهائي الجاري الآن، صياغة بنوده أمرًا منتهيًا جار حسم تفاصيله قبل نهاية يونيو القادم. وأكد خبراء أن هذا الاتفاق يجعل إيران جوادًا رابحًا في جميع الأحوال، حيث سيتم بموجبه رفع العقوبات والعزلة الدولية والحظر المفروض عليها، على المستوى الاقتصادي والعسكري، وسيكون بمقدورها إعادة تصدير النفط والتأثير على سوق النفط وأسعاره، مع الاحتفاظ بقدراتها النووية وتجميد بعضها فقط، دون تدمير شامل أو ضمانات للرقابة والتفتيش التي تراوغ إيران بشأنها. وبينما تهدد إيران السعودية يوميًا، بهزيمتها وإسقاط آل سعود، ودعم حركات وقوى شيعية بالمنطقة، وتستعرض قوتها، وتهدد دول الخليج، تقف الولاياتالمتحدة متفرجة، فيما بدأت دول الخليج فعليًا سباق التسلح النووي بالمنطقة. وكانت القيادات الخليجية تسعى للحصول من الإدارة الأميركية على تأكيد صريح وعملي، بأنها لن تسمح لإيران الساعية لتوسّع إقليمي بتطوير سلاحها النووي، أو بتخفيف الضغط السياسي والاقتصادي عنها، مما يعطيها مجالًا أكبر لدعم أطراف عربية تعمل لها بالوكالة في اليمن، سورياوالعراق ولبنان. وتعتبر دول الخليج أن الولاياتالمتحدة تراهن على الجواد الإيراني، الذي يخوض معها حربًا ميدانية متواصلة في العراقوسوريا، مقابل التضحية بالتحالف الخليجي والسعودي التقليدي، رغم ما قدموه من تمويل فاتورة الحرب الدولية الأمريكية على "داعش" أيضًا، ما أُثار توترًا وفتورًا في العلاقات الأمريكية الخليجية. 2 - ضعف ثقة الخليج في الحليف الأمريكي وفي مؤشر على ضعف ثقة الخليج في الحليف الأمريكي طلبت دول الخليج ضمانات مكتوبة، بحسب ما نقلته إذاعة صوت أمريكا "فويس أوف أمريكا"، عن السفير الإماراتي لدى واشنطن "يوسف العتيبة"، "بأن قادة الخليج يريدون رفع مستوى علاقاتهم الأمنية مع الولاياتالمتحدة"، مضيفًا: "تطلع دول الخليج للحصول على ضمانات أمنية في ضوء السلوك الإيراني في المنطقة، وصعود تهديد المتطرفين، وأن دول الخليج تريد من واشنطن، اتفاقًا مكتوبًا ومؤسسيًا، وليس اتفاق شرف شفهي كما كان في الماضي". وأشارت إذاعة "صوت أمريكا" إلى أن إدارة أوباما لن توقع اتفاقية مع دول الخليج، ولكنها ستعمل على تعزيز قدرات الخليج الدفاعية، عبر تسريع وتيرة بيع الأسلحة، وعمل منظومة دفاعية إقليمية ضد الصواريخ الإيرانية، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة. ولكن يبدو ذلك ليس كافيًا من وجهة نظر الخليج، كذلك يقلل أوباما من حجم الخطر الإيراني، حيث تحدثت "إذاعة صوت أمريكا" عن أن "أوباما" يعتبر التهديد الداخلي لدول الخليج أكبر من تهديد إيران، بسبب حالة عدم الرضى وضيق الأفق السياسي، مضيفة أن انتقادات أوباما للسياسات الداخلية في الخليج بالتزامن مع نهجه الجديد مع إيران، زاد من حالة عدم الثقة لدى حكام الخليج. وذكر مراقبون أن إدارة أوباما بدلًا من توقيع اتفاقية أمنية ملزمة بشكل كامل، تناقش حاليًا فكرة كتابة اتفاق دفاعي فضفاض وأقل إلزامًا، تتم كتابته دون إرساله للكونغرس. 3 - توجيه رسالة بأنه يمكن الاستغناء عن واشنطن وبحسب مراقبين، فإن تغيب 4 قادة خليجية عن قمة كامب ديفيد قد يحمل رسالة سياسية للولايات المتحدة، مفادها أن دول الخليج بإمكانها التحرك في دوائر وتحالفات سياسية أخرى خارج الدائرة الأمريكية، وبالفعل شهدت الفترة الماضية، حراكًا سياسيًا نشطًا قادته السعودية لتأسيس تحالفات عربية موسعة مع تركيا ومع باكستان، وتقوية بنية مجلس التعاون الخليجي، وجاء التحرك بعملية "عاصفة الحزم" بالأساس بتحالف عربي وليس دوليًا، وقد يكون السبب هو عدم وفاء الولاياتالمتحدة بوعودها، ومحاولة إنهاك الخليج بحروب مفتوحة، ودفع فاتورة الحرب بلا مقابل حقيقي. وقدمت الرياض أوراقًا كثيرة لواشنطن، حيث قامت المملكة بتطبيق سياسة أمريكيا في توظيف ورقة تخفيض أسعار النفط سياسيًا لإضعاف الدب الروسي، ومولت مع دول خليجية الحرب ضد "داعش" ودفعت فاتورتها بالكامل، في حين تتعرض لقصف مدنها الحدودية ويتهدد أمنها القومي والاستراتيجي بلا تحرك أمريكي كاف. 4 - حل الأزمة السورية نموذج لتضارب المصالح تمثل الأزمة السورية وأولويات وأجندة التعاطي معها نموذجًا بارزًا لتضارب المصالح والاختلاف بين الولاياتالمتحدة ودول الخليج، رغم اتفاقهما على أنه لا مستقبل لبشار الأسد ونظامه في سوريا، إلا أن الموقف الأمريكي يتسم بالسيولة والمراوغة، بسبب تحالفها مع إيران الداعمة لبقاء الأسد، وتخوض معه معارك ميدانية شرسة للبقاء عليه تحت مظلة أمريكية، وتحت ذريعة القضاء على تنظيم الدولة "داعش". بينما تريد السعودية ودول الخليج الإطاحة ببشار الأسد أولًا، تريد الولاياتالمتحدة الإطاحة بداعش أولًا، ما دفع السعودية بحسب خبراء، لدراسة "عاصفة حزم" سورية بتحالف تركي قطري، للإطاحة ببشار الأسد. وبسبب السياسات الأمريكية يتمدد النفوذ الإيراني، وطال أمد الحرب ضد قوى سنية في العراقوسوريا واليمن، تحت مظلة الحرب على داعش، ما وضع دول خليج في تناقض وتهديد لأمنها القومي. 5 - فجوة حول رؤية الحل للأزمة اليمنية تتسع الفجوة بين الرؤية الأمريكية لحل الأزمة اليمنية، وبين دول الخليج وبخاصة السعودية، فبينما تسابق الأخيرة الزمن لإحراز نصر عسكري على جماعة الحوثي "الشيعة المسلحة"، والقوات الموالية لهم بقيادة المخلوع على عبد الله صالح باليمن، لإنقاذ مكانتها وهيبتها وسيادتها بالمنطقة، ضغطت الولاياتالمتحدة لتطبيق هدنة إنسانية باليمن، رغم مراوغة الحوثيين، بدليل قيامهم أمس، بحسب المتحدث الرسمي باسم قيادة التحالف ومستشار وزير الدفاع العميد ركن أحمد عسيري، باستهدافهم لمدينة نجران المحاذية للحدود اليمنية، مؤكدًا أن معاودة الحوثيين لقصفها يشكك في التزامهم بالهدنة الإنسانية، التي أعلن عنها وزير خارجية المملكة عادل الجبير بدءًا من 12 مايو، ولمدة خمسة أيام مشروطة بالتزام الحوثيين، الذين أعلنوا لاحقًا عن موافقتهم على الهدنة. وأكدت قناة "سكاي نيوز" الإخبارية، على تجدد سقوط قذائف قرب السجن المركزي في مدينة نجران السعودية، مصدرها الأراضي اليمنية. وتعتبر السعودية بحسب محللين، أن جماعة الحوثي وافقت على الهدنة من قبيل المراوغة والخداع التكتيكي لالتقاط الأنفاس، وإعادة تسليح قواتها وجمع شتاتها ونهب مواد الإغاثة، وليس بهدف التوصل لحل سياسي، وسط حالة من الصمت الأمريكي المتحالف مع إيران المحرك لجماعة الحوثي. وحذر محللون يمنيون من عدم التزام جماعة الحوثي وحليفهم المخلوع علي عبد الله صالح بأي هدنة، وأكدوا أنهم سيستخدمونها في نهب مواد الإغاثة وتوزيعها على أنصارهم، وإعادة تمركز قواتهما، والتقدم ميدانيًا لاحتلال مزيد من الأراضي.