أكثر من مائة حالة وفاة داخل سجون العسكر جراء التعذيب خلال شهر واحد، وكثرة تكرار تلك الحوادث التى لم تتوقف يوماً بقيادة الداخلية ورجالها. ومن أبرز الحوادث التى بلورت ظاهرة التعذيب حتى الموت مقتل المحامى كريم حمدى فى قسم المطرية آخر فبراير الماضى، ما ولد تظاهرات نظمتها نقابة المحامين ووابلا من البلاغات ضد وزراة الداخلية وكتابا أسود تستعد النقابة لإصداره لتوثيق تجاوزات الداخلية ضد المحامين، والأكثر غرابة تمثيل ثلاثة من أمناء الشرطة بجثة متهم بمشرحة مستشفى الخانكة أغسطس 2014، ووضع السجائر فى فمه، والتقاط صورة "سيلفى" معه.. فما الدافع وراء هذه الممارسات؟
رسالة ترهيب
"التعذيب رسالة تبعث بها السلطة للشعب، للتخويف والقمع، وليس فقط لإجبار المتهم على الاعتراف والحصول منه على معلومات"، هكذا تحلل بسمة عبدالعزيز، طبيبة نفسية بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية، ل"مصر العربية"، دوافع ضباط وأمناء الشرطة للتعذيب، مؤكدة أن الضباط ليسوا بحاجة لتأهيل نفسى، وإنما يتوقف الأمر كلية على رغبة السلطة الحاكمة، فإذا أرادت وضع حد للتعذيب فستصدر تعليمات واضحة بمنعه ومعاقبة فاعله.
الانتقام
وأرجعت بسمة عبدالعزيز ما وصفته ب"عودة القمع داخل الأقسام والسجون"، خلال تصريح ل"مصر العربية"، إلى فشل ثورة 25 يناير فى كسر جناح الظلم لدى الداخلية، فعادوا أسوأ من أيام مبارك، لينتقموا من الضربات التى وجهت لهم إبان أحداث الثورة، والتى كسرت شوكتهم من قبل. وتابعت الطبيبة النفسية بأن غياب العقاب ومحاكمة المتورطين فى تعذيب المتهمين بالسجون ومقار الاحتجاز يحفز الضباط للاستمرار بنهج التعذيب، فهم يعلمون مسبقا بحصانتهم من العقاب، مضيفة: "التعذيب يحدث تحت إدارة ورعاية الدولة؛ لأنها من ترسل أدواته للسجون".
النقص وفسر جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، ل"مصر العربية"، تفشى ظاهرة التعذيب فى أقسام وسجون الشرطة بعاملين، أولهما يكمن برغبة البعض فى الانضمام لجهاز الشرطة من البداية لإحساسهم بالنقص أمام المجتمع، أما العامل الثانى فهو قلة الحيلة وعقيدة العمل الأمنى التى تتوارثها الأجيال من الضباط، فهناك غياب للاستراتيجية الفنية لدى جهاز الشرطة فى التعامل مع المتهمين، ما يجعل من التعذيب الحيلة الوحيدة لدى الضابط للحصول على المعلومات وإجبار المتهم على الاعتراف، واصفا ذلك ب "أسلوب الضعف". ويؤكد فرويز أن الرغبة فى الانتقام من الشعب الذى ثار عليهم دافع آخر يضاف لسابقيه يعيد بطش الداخلية، لافتا إلى أن التخلص من هذه العوامل النفسية التى تدفع الضباط للتعذيب يتمحور حول تطبيق اختبارات نفسية على راغبى الالتحاق بكلية الشرطة، وتدريب الضباط الشرطة وأمنائها وأفرادها على كيفية التعامل مع المجرمين والمتهمين. وفى المقابل، ترى سوسن فايد، أستاذ علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن التعذيب بالسجون لم يعد كالعهد السابق، ولكن انخفضت حدته، لخشية الضباط من العقوبة، معللة وقائع التعذيب التى حدثت بأنها حالات فردية من بعض الضباط الذين يعانون حالة نفسية سيئة وطبعهم يتسم بالعنف.
الترقية
وتابعت سوسن فايد، ل"مصر العربية": "بعض الضباط بحاجة للتأهيل النفسى وتعديل فى السلوك وترشيد لمفاهيم التعامل مع المجرمين والمتهمين"، مشيرة إلى أن بعض الضباط لديهم استعدادا شخصيا للعنف، وبعضهم لديه رغبة فى التفوق على زملائه والحصول على الترقيات، فيلجأ لتعذيب المتهم. وطالبت سوسن فايد بإخضاع ضباط الشرطة لمقابلات مع أطباء نفسيين قبل ضمهم لأكاديمية الشرطة، لاستثناء الأشخاص ذوى الميل للعنف. وأضافت أستاذ علم النفس أن شخصية المجرم عامل آخر ربما يدفع الضابط للاعتداء عليه، فبعض المتهمين يتطاولون عليهم، فيرد الضباط بعنف وتعذيب، مفيدة بأنه فى هذه الحالة يجوز ممارسة بعض الضغوط النفسية لترهيب المتهم، ولكن لا تصل لحالة التعذيب والعنف الجسدى.