مازال التحالف العربي التي شكلته السعودية للتدخل في اليمن يمثل الكثير من الأخطار والكوارث على دول الخليج بعد أن حولها لكرة مشتعلة من اللهب. ورغم أن هذا التحالف العسكري يضم مختلف الدول العربية والإسلامية، بدءًا من دول الخليج ومصر والأردن والسودان والمغرب وحتى باكستان، بزعم القضاء على الحوثيين واستعادة "الشرعية اليمنية"، وقد لقي هذا التحالف دعما دوليا وإقليميا واسعا، إلا أن هناك دولا معدودة على رؤوس الأصابع أبدت تحفظها تجاه التدخل العسكري في اليمن. دعونا إذن نتعرف على هذه الدول ودوافع رفضها المشاركة في "عاصفة الحزم". الجزائر.. جيشنا يحارب داخل أراضينا أبدت الجزائر، خلافا لمعظم الدول العربية، رفضها الشديد للعملية العسكرية "عاصفة الحزم" في اليمن منذ انطلاقها؛ حيث قال وزير شؤونها الخارجية، رمطان لعمامرة، في أول يوم للحملة الجوية، إن الجزائر لن تشارك في عملية "عاصفة الحزم العسكرية ضد معاقل الحوثيين، مبررا موقف بلاده بأن "الجزائر لديها موقف سياسي وهو أن جيشها يحارب داخل أراضيها فقط". كما نبه لعمامرة إلى أن الحوثيين هم طرف أساسي في المعادلة السياسية اليمنية، لذلك فإن الجزائر تركز على ضرورة إجراء حوار سياسي، مضيفا بأن "الجميع سيضطر إلى العودة إلى الحوار، لأن الحوار ضروري". و قد أعلنت الجزائر تحفظها قبل ذلك عن مشروع تشكيل قوة مشتركة عربية؛ حيث أكد مجددا رمطان العمامرة بأن الدستور الجزائري لا يسمح بإرسال وحدات قتالية خارج حدوده، منوها إلى أنه لابد أولا من تنظيم البيت الداخلي لكل بلد على حدة، بحيث ينعم بالاستقرار والعدالة والتسامح بين مختلف أطيافه. تغير المواقف غير أن هذا الموقف الجزائري المتصلب في نظر دول التحالف العربي، ستخفف حدته في اليومين الأخيرين، بعد تدخل الرياض والقاهرة لتليينه؛ حيث قال وزير الشؤون الخارجية الجزائري دفعا للحرج إن "بلاده مع الحل السلمي كون عقيدتها القتالية تقول بعدم نشر قواتها خارج الحدود، لكننا سنشارك من خلال التكوين والتجهيز والتمويل وأمور لوجستية أخرى في تعزيز وحماية الأمن القومي العربي بدون تواجد قوات جزائرية خارج الحدود الجزائرية". و قد أبدت الجزائر يوم أمس تحفظات على مقررات القمة العربية بشرم الشيخ حول تشكيل قوة عربية مشتركة، بخصوص مهام هذه الأخيرة وطريقة تفعيلها، إلا أنه تم إرجاء النقاش حول ذلك لاجتماع رؤساء الأركان لدول التحالف العربي. و رغم أن القيادة الرسمية للجزائر ترفض التدخل العسكري في اليمن وتدعم الحل السياسي السلمي، فإن التيار الإسلامي الجزائري يؤيد بشدة "عاصفة الحزم"، إذ يعتبرها حربا "مقدسة" ضد "الذراع الإيراني الصفوي". هذا وكانت الجزائر رفضت طلبا من مصر قبل أسابيع للتدخل عسكريا بليبيا؛ حيث دعمت الحل السلمي والحوار السياسي بين الفرقاء الليبيين، وهو ما أيدته الأممالمتحدة وسارت على نهجه. سلطنة عمان.. نحن على الحياد يثير امتناع عمان عن المشاركة في "عاصفة الحزم" العسكرية تساؤلات الكثير، خصوصا وأنها معنية بالنزاع جغرافيا، ولم تصدر عمان لحد الآن أي بيان رسمي يوضح موقفها إزاء الحملة العسكرية سواء بالقبول أو الرفض مثلما فعلت الجزائر، واختارت الحياد؛ حيث رد وزير الخارجية العماني يوسف علوي حول موقف بلاده إزاء التدخل العسكري باليمن بعبارة "لا جواب". السلطان قابوس.. الباب مفتوح لكل المتصارعين و تعرف سلطنة عمان بكونها دولة مسالمة وبعيدة عن معمعة الصراع في الشراق الأوسط، وليست لديها أي عداوات مع أي بلد، وتحرص على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية بشكل متوازن مع مختلف القوى العالمية، الخليجية والإيرانية والأمريكية والغربية منها. و يرى محللون أن تنصل سلطنة عمان من المشاركة في الحملة الجوية ضد الحوثيين، راجع إلى سياستها الثابتة، التي ترتكز على عدم التدخل في شؤون الغير مثلما لا تتدخل هي في شؤون الآخرين، كما أن حدودها الجغرافية تتلامس مع اليمن في الجنوب، الشيء الذي قد يورطها في حرب مباشرة مع أنصار الحوثيين، وهو ما لا تريده في كل الأحوال، بالإضافة إلى أنها تعتبر وسيطا في المفاوضات النووية بين أمريكاوإيران، وهي بموقفها المحايد ذاك تدفع جهود المشاورات بينهما نحو الأمام. و في كل الأحوال فإن سلطنة عمان لم تقف حائلا أمام مقررات القمة العربية، مثلما لم تبدِ أي دولة من التحالف العربي انزعاجا من موقفها الحيادي حول أزمة اليمن، مما يفسره البعض بكون دول مجلس التعاون لديها رغبة في أن تبقى عمان بوابة مفتوحة على مختلف أطراف الصراع في اليمن، كما حدث في الحرب العراقيةالإيرانية، و بذلك تضمن دول المجلس الخليجي معبرا لأي مفاوضات محتملة مستقبلا لبنان.. تباين شديد بين مواقف الفرقاء انقسمت القوى السياسية في لبنان تجاه "عاصفة الحزم" في اليمن، ففي حين أيدها تيار المستقبل وقوى 14 آذار، هاجم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله السعودية، ووجه إليها انتقادات لاذعة، واصفا عملياتها ب"العدوان الذي سينتهي بهزيمتها". ولا يسمح وضع لبنان السياسي باتخاذ موقف رسمي إزاء مثل هذه الأزمات الخارجية، حيث اختارت الحكومة اللبنانية بقيادة تمام سلام سياسة النأي بنفسها عن الأزمة اليمنية وتخيّرت الصمت حيال موقفها من التحالف العربي الذي يشن حربا ضد الحوثيين، كما لم تتطرق إليه في اجتماعاتها الوزارية ولم تصدر بيانا رسميا يوضح موقفها. وقد أثارت العملية العسكرية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية عاصفة سياسية في لبنان، كادت تهدد بانهيار الحكومة اللبنانية الهشة، بفعل التباين الشديد بين مواقف الفرقاء السياسيين اللبنانيين. وكانت لبنان قد اعترضت مشروع تشكيل قوة مشتركة عربية الذي طرحته الجامعة العربية باقتراح من مصر ودول الخليج. العراق.. الحوار والمصالحة عارضت العراق حملة "عاصفة الحزم"؛ حيث يدعو بيان صادر عن وزارة خارجيتها "جميع الأطراف إلى الحوار وتحكيم لغة العقل والمصلحة اليمنية للحفاظ على وحدة اليمن وسيادته"، وأعربت الوزارة عن قلقها إزاء لتدخل العسكري في الشأن اليمني الذي يؤدي إلى تعقيد الأوضاع في اليمن أكثر من السابق ولا يسمح بتبني الحلول السياسية في الظروف المعقدة القائمة، على حد تعبيرها. و كان العراق، المشغول بحربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قد سجل تحفظه حول تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة. و ترى المملكة العربية السعودية إضافة إلى حلفائها، بأن إيران قد تمددت في كل من سورياولبنانوالعراق، ولن تسمح لها بالاستحواذ على اليمن أيضا، ما جعلها تقوم بحملة عسكرية سمتها "عاصفة الحزم" لردع النفوذ الإيراني المتمثل في الحوثيين الذي يهدد مصالحها الترابية والاستراتيجية.