الرضا هو سرور القلب بمر القضاء، نعمة غالية وعبادة قلبية تغيب عن الكثير، من يفتقدها يشعر بالسخط والضجر ولا يتلذذ بما أعطاه الله من نِعم كثيرة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ". الرضا جنة المؤمنين، فيها يستريحون من هموم الدنيا ومشاغل النفس وضيقها، فالرضا بقضاء الله وما قسمه لك فيه غنًا للنفس وراحة للبال، ولا يكون على الدوام في شدٍّ وجذب مع نفسه وفي كدر وضيق. لذا فالرضا هو قبول حكم الله في السراء والضراء، والعلم أن ما قسمه الله هو الخير كله، وليس الرضا هو الاستسلام لواقع يمكن تغييره بالسعي والأخذ بالأسباب كالتداوي من مرض أو السعي وراء الرزق أو دفع ضرر ما، فالاستسلام هو الانهزام وعدم بذل الجهد والأخذ بالأسباب لتحقيق الهدف. لكن الرضا فهو بذل الجهد والأسباب في تحقيق الهدف، ولو لم توفّق إليه، فترضى بما قسم الله لك من غير جزع، أو ضجر، أو سخط، كالذي تزوج ولم يرزق الولد رغم سعيه للعلاج، والذي أصيب بمرض لم يستطع دفعه بالدواء، والذي ابتلاه الله بالفقر وضيق ذات اليد، فاجتهد في تحصيل الغنى فلم يوفق، هنا يظهر التحلي بصفة الرضا بقدر الله، فتضع القلب في سرور دائم، وتشعر النفس بنعيم مقيم. فالرضا بمكروه القضاء من أرفع درجات اليقين، حينن يمتلئ القلب رضىً عن الله في السراء وفي الضراء، في الغنى وفي الفقر، في الصحة والمرض، في الزواج وفي عدم الزواج، وفي بعض الأوقات التي يكون فيها منع النعمة أو الخير فيها خير كثير وحكمة بلغيه لا يفهمها إلا ذوي البصيرة. فأمر المؤمن كله خير سواء كان في ضيق أو في يسر، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَبًا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيرًا له"، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه : "اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت". وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن من أسرار سعادة المؤمن رضاه بالقضاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة بن آدم تركه استخارة الله، ومن شقاوة بن آدم سخطه بما قضى الله له"، رواه الترمذي. وتحقيق صفة الرضا يقتضي النظر في أحوال الناس الآخرين، لتعلم مقدار نعم الله عليك، التي قد يغبطك عليها الملايين من البشر، فإن كنت فقيرًا، فهناك من هم أشد فقرًا، وإن كنت مريضًا فإن من حولك من هم أكثر مرض و أشدّ ألمًا منك، وإن كنت تحس بالحزن وكدر العيش فإن هناك من حولك من هم أكثر كئابة وحزنًا منك، فارضى بما قسمه الله لك، وخذ بالأسباب ثم توكل على الله تكن أسعد الناس.