تشتهر محافظة أسوان منذ القدم بتوابلها وبهاراتها ذات المذاق والرائحة النفاذة، وغالباً ما تجد شوارع المحافظة ممتلئة بمحال العطارة التي يمتلكها تجار ينتمون إلى النوبة أو أسوان غالبا لكننا صادفنا ب "غرب سهيل"، إحدى أشهر القرى النوبية، بائعا مختلفا، فلهجته تدل بوضوح على أنه غريب عن النوبة، بل عن كامل محافظة أسوان، وبالرغم من ذلك استطاع أن يعيش وسط الأسر النوبية لسنوات وكأنه واحد منهم، وعمل في مهنة "العطارة" التي تتميز بخصوصيتها هناك.
إنه محمود أحمد (43 عاما) الذي ترك محافظته ليأتي بزوجته وأولاده للعيش وسط الأسر النوبية، والتي نادراً ما تسمح لأي غريب بالعيش معها
ليست طريقة حياته هي ما أثار انتباهنا، بل موهبته، فمحمود يتحدث 7 لغات مختلفة، وبالرغم من ذلك فضل أن يعيش كبائع للتوابل والبهارات.
تعرفنا على قصته التي رواها قائلا: "منذ سنوات كنت أعيش بسوهاج، وعندما تزوجت سافرت إلى مرسى علم للبحث عن مصدر رزق، ووسط زحام الحياة لفت انتباهي طريقة حياة أصدقائي النوبيين، وانبهرت كثيرا بمدى ترابطهم وحرصهم على العمل كفريق واحد بروح واحدة، ومنذ ذلك الحين نمت لدي فكرة التعرف على بلاد النوبة، ومع الوقت قررت نقل أسرتي بأكملها إلى هنا، بعد أن أتفقت مع زملائي على توفير مكان لي بإحدى القرى النوبية"
وعن إجادته لسبعة لغات يقول: "خلال تواجدي بمرسى علم تعلمت من السائحين عدة لغات واستطعت إتقانها حتى أصبحت أتحدث 7 لغات هي: الهولندية، والإيطالية، والألمانية، والفرنسية، والإنجليزية، والأسبانية، والمكسيكية، وبعد تدهور السياحة قررت الاستقرار بالنوبة، وبحثت عن عمل حتى تمكنت من العمل بالعطارة، ونجحت بها لإجادتي هذه اللغات، حيث أستطيع التعامل مع أي سائح"
ويروي محمود سر نجاح البهارات النوبية فيقول: "المصري دائما ذواق، وعندما يأتي لأسوان يبحث عن البهارات الطبيعية، فما يميز العطارة بأسوان هو زراعة هذه التوابل بأرض النوبة المشهورة بطميها الرائع، ومن هنا تنبت أعشاب تتميز بالروائح النفاذة"
وعن أغرب أنواع التوابل يقول محمود: "هناك مجموعة من البهارات والتوابل تبهر السائح الأجنبي والمصري، ومنها "الخورنجان"، وهو نبات طبيعي يستخدم كمشروب مهدئ كما يوضع بالأطعمة المختلفة ليعطيها مذاقا أشبه بالبهارات الهندية، و"الكابا"، وهي من أرقى البهارات ذات المذاق الرائع، ويقبل عليها المنتمون للطبقة الراقية"
أما الزبون المصري، بحسب محمود، فدائما ما يُقبل على الكركديه النوبي، سواء المطحون، والذي يستخدم كمسحوق يوضح بالمياه ويشرب كعصير طبيعي، أو شراء زهرة الكركديه، والتي تزرع بأراضي النوبة وتجفف ثم تباع طازجة قبل طحنها، كما يقبل أيضاً على الدوم الأسواني والشطة التي تشتهر بها المحافظة.
محمود لا يبيع بهارات للطعام والشراب فقط، بل لديه من الأعشاب ما يستخدم في التزيين، ومنها "كف مريم"، وهو نبات غريب الشكل يزرع بالنوبة وعند نموه يوضع في المياه فيصبح لونه أخضر، ويشتريه السائح ليضعه داخل إناء كبير مليء بالمياه، فيكبر النبات يومياً ليصل إلى حجم الوعاء ثم يجفف ليستخدم في تزيين المنزل