تعتبر الجدعنة والشهامة.. صفة عرف بها المصريين منذ القدم، اشتهروا بجميع مظاهرها في مختلف المواقف اليومية، إلا أنه في بعض الأحيان يتجلى امتلاكهم للشيء ونقيضه في الوقت ذاته، فكما يمتلكون الشهامة يحملون أيضًا السلبية واللامبالاة، وهذه أبرز المواقف التي رصدتها "مصر العربية"، تتجلى فيها تلك التناقضات والتشخيص النفسي لذلك الأمر قتلى المظاهرات كان فيديو مقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ، عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مثالا صارخا يبرز تصرفات المصريين السلبية تجاه الأحداث والمظاهرات المحيطة بهم، فانقسم الفيديو لعدة مشاهد، ففي الوقت الذي كان يحملها زميلها ويصرخ في أحد أصدقائه أن يستوقف تاكسي لإسعافها، كانت هناك سيارات ترفض الوقوف له، وكان هناك مواطنون يجلسون على أحد قهاوي وسط البلد يتناولون مشاريبهم، ويدخنون الشيشة دون مبالاة، أو إبداء أي وسيلة للمساعدة. ظاهرة الانتحار باتت إحدى أشهر وسائل المصريين للتعبير عن سخطهم على حياتهم، سواء كانت بسبب الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وكان كوبري قصر النيل أكثر مسارح تنفيذ حالات الانتحار في الآونة الأخيرة، سواء كان شنقًا أو غرقًا، كل ذلك على مرأى ومسمع من المارة، الذين يظهر القليل منهم مبادرة لإنقاذ المنتحر، في حين يشارك الكثير بسلبيتهم سواء بالمشاهدة أو بالتجاهل. التحرش الجماعي انتشرت حوادث التحرش الجماعي في أوقات الأعياد أو المظاهرات، وأبرز تلك الحوادث شهدها ميدان التحرير أثناء بعض الفعاليات التي أقيمت، مشاركة الشباب في تلك الواقعة تنوعت بين متحرشين وبين مصورين أرادوا أن يوثقوا الواقعة، وبين قليل حاول الدفاع عنها، وهناك فئة كان لها نصيب الأسد من المشاركة، وهم "المتفرجون" الذين قرروا ألا يتدخلوا لإنقاذ الضحية.
تفكيك القنابل في الفترة الأخيرة شهدت مصر الكثير من العمليات الإرهابية، من زرع قنابل ومتفجرات في الميادين العامة وبالقرب من أقسام الشرطة، ومن أكثر المشاهد التي كانت تعبر عن مدى غرابة تصرفات المصريين تجاه الموقف الذي يعد خطيرًا على كل الأصعدة، بأن يلتف المواطنون حول خبير المفرقعات أثناء تفكيك القنبلة، مع علمهم بأنها قد تنفجر في أي لحظة وتودي بحياتهم. البعد النفسي كان للدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفس، تفسيراته على تلك المواقف، ففسر الموقف الأول وهو تعامل المصريين مع قتلى ومصابي المظاهرات بسلبية، أنه راجع إلى تراكم الأحداث على مدار الأربع سنوات، وما سببته المظاهرات من خسائر اقتصادية خلقت حالة من النفور والغضب والتعود على تلك المظاهرات. وموقف المصريين تجاه حالات التحرش الجماعي، أرجعه "فرويز" إلى أمرين: الأول هو أن هناك قطاعًا من المواطنين معترض على ملابس الفتيات ويرى في ذلك حقًا للمتحرش أن يقوم بفعلته، أما الأمر الآخر هو الخوف من المتحرش، وخصوصًا أن أغلبهم يكون تحت تأثير المخدرات وحاملين سلاح أبيض. أما تجمع المصريين حول القنابل أرجعه فرويز إلى حب الفضول والشغف لدى المصريين تجاه ما سيحدث، ورغبتهم في التقاط صور وفيديوهات للانفجار ورفعها على مواقع التواصل الاجتماعي. وموقفهم تجاه حالات الانتحار فسره فرويز إلى إحساسهم بالعجز تجاه الموقف، وأنهم لا يمتلكون القدرة على التدخل الايجابي لإنقاذ المنتحر. كما أكد الدكتور سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي بكلية طب قصر العيني، أن الأمر راجع إلى التعود الذي أصاب المصريين من كثرة الأحداث التي تعايشها الدولة، الأمر الذي يخلق حالة من اللامبالاة، وأحيانًا يولد خوف بأن يتم القبض عليه على خلفية المظاهرات. وتابع عبد العظيم أن هناك الكثير يتبع منهج أن ينأى بنفسه من أن يدخل في مناوشة، قد تجلب عليه المشاكل في النهاية، مستعينًا بمثل شعبي ليؤكد كلامه، وهو: ”مينوبش المخلص إلا تقطيع هدومه".