كتب : على القماش على قدم وساق من كل عام ظلت القنصلية الإسرائيلية بالإسكندرية تقوم بتيسير ترتيبات زيارة اليهود لضريح أبو حصيرة بقرية دميتوه بالبحيرة لهذا الغرض. وفي الوقت نفسه كانت قد استعدت شركات السياحة المتعاونة مع العدو الصهيوني لاستقبال اليهود القادمين من إسرائيل وبعض الدول الغربية؛ لحضور الاحتفال بالمولد في وقت كانت فيه أجهزة الأمن توفر كافة سبل الحماية خاصة مع ما تقدمه أجهزة المحليات التي كان يسيطر عليها حزب جمال مبارك، وأحمد عز، وصفوت الشريف، وكمال الشاذلي المسمي بالحزب الوطني (!!) من تيسيرات منها كوبري يربط منطقة الضريح بشكل مباشر، وتكثيف الإضاءة والنظافة، في وقت لم توفر فيه تلك الأجهزة طرقًا مناسبةً للمواطنين تنقذهم من الأوحال بكافة أرجاء محافظة البحيرة خاصة القرى، والتي تتضاعف أزماتها مع انهمار الأمطار في هذه الفترة من العام بينما الأوحال بمعناها المتسخ كان يجب أن تكون من نصيب الصهاينة. وكان هذا الاهتمام الرسمي يقابله رفض شعبي واسع متمثلًا في تنظيم وقفة احتجاجية للقوى الوطنية، وتنديد العديد من التنظيمات للاحتفال، ومنها "ائتلاف مدونون ضد المولد"، و"حركة فوق أرضنا لن تمروا"، وكافة الجمعيات والتنظيمات والقوى السياسية الرافضة للتطبيع. مسمار جحا وتعد مقبرة أبو حصيرة بقرية دميتوه بدمنهور محافظة البحيرة أشهر مسمار جحا لليهود في مصر .. فالقبر أو المقام المزعوم تقام حوله سنويًّا الموالد والمهرجانات اليهودية الصاخبة، وما يصاحبها من مجون .. وقد ظهرت هذه الاحتفالات عقب اتفاقية السلام، وهى احتفالات لم يقم بها اليهود في مصر قبل هذا التاريخ، وهو ما يدحض أكاذيبهم بأن سيدهم أبو حصيرة (المزعوم) توفى عام 1820 . ونظرًا لأن الاحتفالات الإسرائيلية تثير شعور أي وطني .. ويزيد من إثارة الشعور ما يصاحب تلك الاحتفالات من مجون وخمور، وهي أمور تتنافى مع السواد الأعظم للمصريين بشكل عام .. وأخلاق القرية التي يقع بها المقام المزعوم وهى قرية دميتوه التي يفصلها عن مدينة دمنهور كوبري أبو الريش .. فقد تصدى أهالي القرية وغيرهم لإيقاف هذه المهزلة .. وأقام مصطفى رسلان المحامي – من أهالي القرية – دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية حملت رقم 3417 لسنة 1995 ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، والسفير الإسرائيلي في القاهرة، ووزير الداخلية في ذلك الوقت طالب فيها بإزالة الجبانة اليهودية، والمباني المقامة حولها، ووقف احتفالات "أبو حصيرة". اتفاقية العار...وأكاذيب اليهود وذكر مصطفى رسلان المحامي : أنه لم يثبت أن الجبانة اليهودية التي كانت تخص الطائفة اليهودية في ذلك الوقت تم دفن فيها أي يهودي، ولا توجد حقيقة لأبو حصيرة، ولم يكن يوجد طائفة يهودية في دمنهور منذ مطلع الأربعينات حتى الحرب العالمية الثانية عام 1945 حيث كانت خالية تمامًا .. وأضاف : أنه لم يكن للإسرائيليين ذكر في قرية دميتوه إلا بعد اتفاقية " السلام ".. وزعموا وجود مقام للمدعو" أبو حصيرة "، ونسجوا حوله الأكاذيب والخرافات واصطنعوا له تاريخ !.. فقالوا إنه الحاخام الأكبر يعقوب أبو حصيرة وإنه كان من الحافظين لأسرار التوراة، وأنشأ مدرسة كبرى في المغرب لتعليم التصوف العبراني، وإنه كان يستطيع معالجة جميع الأمراض، وإنه كان في طريقه إلى القدس فغرقت سفينته فجلس على حصيرته، والتي صارت مركبًا بمعجزة ربانية أوصلته إلى شواطئ الإسكندرية، ثم سافر منها إلى مدينة دمنهور ثم إلى قرية دميتوه، واستقر بجوار مقابر اليهود، وظهرت كراماته. ومع وفود قوافل يهودية إلى قرية دميتوه؛ للتبرك بكرامات أبو حصيرة وسط كؤوس الخمر، عزموا على إقامة مستعمرة في قلب القرية، وحاولوا شراء الأراضى من الأهالي بأسعار خيالية؛ لإقامة فنادق سياحية ومنتجعات ترفيهية تتناسب مع مقام ومكانة أبو حصيرة !!.. الأهالي يرفضون حوافز الحكومة والصهاينة ولكن الأهالي رفضوا إغراءات الأموال، وتصدوا لهم حتى لو كان للجهات المسؤولة رأى آخر تمثل في رصف المنطقة وإنارتها إنارة مبهرة، وإنشاء كوبري يصل الطريق السريع بالقرية دون دخول مدينة دمنهور؛ لتسهيل حركة السياحة، مع تكثيف التواجد الأمني، وهى أعمال لا تستطيع إسرائيل أن توفرها!! إلا أن محكمة القضاء الإداري أصدرت حكمًا بوقف هذه المهزلة، وإلغاء الاحتفالات، وإزالة مقام سيدهم أبو حصيرة .. وهو الحكم الذي أراح الرأي العام وتمنى تنفيذه بشدة .. حيث استمرت الأطماع الصهيونية في شراء أراضي القرية، ويأتي للاحتفال ما يقرب من 40 إسرائيليًّا بطريقة سرية ..أخذت في التزايد ..وهو ما اضطر المحامي مصطفى رسلان إلى إقامة دعوة جديدة في نهاية عام 2009 قدم فيها وثيقة موقعة من جميع أهالي القرية؛ لنقل المقابر اليهودية خارج القرية استنادًا "إلى القانون رقم 5 لسنة 1966، وقانون الجبانات الذي ينص على أن المقبرة التي لم يدفن بها أحد لمدة 10سنوات، يمكن طلب نقلها إذا كان هناك ضرر منها".. ..والمقابر المذكورة – والتي من بينها مقبرة أبو حصيرة – لم يدفن بها أحد منذ نشأتها من حوالي 70سنة.. والضرر يؤكد من الاحتفالات الماجنة التي لا تتفق مع طبيعة أهالي القرية . وإذا كان – من المؤسف – أن هناك قرارًا من فاروق حسني وزير الثقافة باعتبار هذه المقابر في تعداد الآثار (!!) فإن القانون أقوى من قرار الوزير، وكان المطلب هو إزالة هذه المقابر وليس نقلها فحسب، فهي مجرد مبانٍ أو (بؤر) خالية، ولا يعقل نقل "مسمار جحا" من مكان إلى مكان آخر!! كوارث فاروق حسني أما عن المشكلة التي تسبب فيها المجلس الأعلى للآثار وقت فاروق حسنى خاصة في عهد رئاسة الدكتور جاب الله علي للمجلس الأعلى للآثار .. بجهل وقُصر نظر في الفكر هو إصدار قرار بتسجيل الضريح المذكور في تعداد الآثار – وهو ما يخدم الإسرائيليين – ودافع البعض عن التسجيل؛ بدعوى أن التل الموجود به أبو حصيرة تل أثرى؛ حيث تضم البحيرة 106 قطع أراضٍ خاصة بالآثار بمساحات كبيرة، ويطلق عليها تعبير التلال الأثرية، وهي تلال موجود مثلها في معظم أرجاء مصر خاصة محافظات الوجه البحري .. وهذه التلال مسجلة بمساحتها الكلية في تعداد الآثار، وبالطبع يدخل ضمن التسجيل أي جزء حتى لو كان بالفعل غير أثرى.. والتل الموجود به أبو حصيرة تل للآثار اليونانية، وهو ما أكده تقرير الآثار .. وفى قلب هذا التل توجد مقبرة أبو حصيرة وهى مقبرة لا يعلم أحد عن سيرة صاحبها بدقة أو تاريخه أو " كراماته " !!.. وعمر أبو حصيرة المزعوم لا يتعدى 75 سنة .. ولا توجد بالمقبرة مفردات معمارية مميزة .. وكل هذا يفقد اعتباره أثرًا سواء من الناحية التاريخية؛ حيث لم يمر عليه مائة سنة أو من الناحية المعمارية التي تطلب التميز والتفرد .. لا طابع أثري أو تاريخي ومنذ سنوات طويلة خاصة في الثمانينات من القرن الماضي أحتج الأهالي على احتفالات أبو حصيرة، وطالبوا بهدم هذه المقبرة خاصة أنها لا تعد من الآثار .. وعندما تولى د. جاب الله علي موقع الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار صرح للصحف بتاريخ 27/12/2000م بأن أبو حصيرة لا ينسحب عليه أي طابع أثري أو تاريخي، ولذلك لا ضرورة للإبقاء عليه .. إلا أنه – أي د. جاب الله – عاد وأدلى بتصريح آخر بتاريخ 5 يونيو 2001م قال فيه : إن التل الموجود به " أبو حصيرة " تل أثرى بغض النظر عن ديانة صاحب القبر، وكان يمكن أن يقال التفصيل والتوضيح في التصريحات بأن التل الموجود به أبو حصيرة تل أثري، وأن قبر أبو حصيرة رغم وقوعه بالتل لا تنسحب أثرية التل على القبر المذكور؛ لأن القبر لم يمر عليه مائة سنة وليس به شواهد أثرية أو معمارية متميزة .. وقد نتج عن هذا الخلل وعدم وضوح الاستثناء أن أعتبر البعض قبر أبو حصيرة ضمن الآثار المسجلة!.. أبو حصيرة " ليس في تعداد الآثار وفى تقديرنا أن ذكر هذا الاستثناء كان له متطلباته الهامة، وإذا كنا نقول – على سبيل المثال – إن منطقة الأهرامات منطقة أثرية فإن هذا لا يعنى أن مكاتب الموظفين بالمنطقة ضمن تعداد الآثار .. وفى حالة "أبو حصيرة" فإن الأمر أكثر خطورة وله أسبابه ولم يكن عيبًا ذكر بوضوح أن التل أثري وأن " أبو حصيرة " ليس فى تعداد الآثار .. وقد تسبب هذا اللفظ في اضطرار البعض للجوء إلى القضاء للتأكيد على عدم أثرية " أبو حصيرة "، ولو من خلال مدخل إلغاء إقامة المولد والمهرجانات .. وهو ما حكم به القضاء المصري النزيه .. وأذكر أنني كتبتُ متهكمًا – كاتب هذه السطور -على من دافعوا وزعموا أثرية " أبو حصيرة " وقلتُ : إزاء هذا كان علىَّ أن أراجع معلوماتى .. فأبو حصيرة يحمل كل المقومات التي تجعله يستحق التسجيل حتى لو لم يمر على وجوده مائة سنة .. فربما هناك دلائل على القدم فهو من عصر " الحصيرة " الذي تلاه عصر مرعى بتاع الأكلمة " ثم عصر " الموكيت والسجاد ".. وبهذا السياق ربما يوصلنا البعض إلى عصر الجلوس على " البلاطة " .. صاحب المقام المشؤو !! أما أبو حصيرة نفسه – صاحب المقام !! – فلا يعرف أحد قصة حقيقية أو وجود حقيقي له وربما يكون أشبه بقصة المثل الشعبي التي تحكى عن صديقين استغلا سذاجة أهل إحدى القرى، وتبركهم بأضرحة الأولياء الذين ترد قصص تنسج لهم كرامات خيالية فيقدموا لهم التبرعات والولائم .. فقاما ببناء ضريح في قطعة أرض نائية، ودفنوا فيه حمار ميت، وأشاعوا بين الناس أنها لأحد الأولياء الصالحين وصدقهم السذج، وقاموا بالتبرعات الكثيرة إلا أن الصديقين اختلفا في توزيع الأموال، ووصلت حدة الخلاف إلى الشجار، وهنا أقسم أحدهم بكرامة الولي صاحب الضريح .. فضحك الآخر متعجبًا قائلًا : نعم ؟!.. " إحنا دافنينو سوا " وصارت هذه الجملة مثلًا شعبيًّا، وإن كان هناك مثل شعبي آخر ينطبق على هذا الضريح المزعوم وهو " مسمار جحا " !.. الصهاينة ورجالهم ظل الخطر ومن وقت إلى آخر يحاول الصهاينة عن طريق أعوانهم فرض حقيقة لضريح أبو حصيرة .. ومن بين هذه المحاولات تقديم جامعة تورنتو الأمريكية منحة بلغت 70 ألف دولار؛ لترميم الضريح المذكور إلا أن المجلس الأعلى للآثار رفض المنحة . وهو ما قابله إصرار كافة القوى الوطنية لاتخاذ كافة الجهود للتنديد بزيارة الصهاينة وإلغاء المولد المزعوم، والذي يأتي في وقت يتم فيه منع الفلسطينين بالاحتفال بأي عيد إلى أن جاء عيد النصر بإصدار الحكم القضائي بإيقاف احتفالات أبو حصيرة، وخلع واحد من أكبر مسامير جحا الصهيوني في مصر، والتي تحتاج إلى نفس الإصرار من الوطنيين، وتجار الكلام والعملاء، وأيضا الوكلاء المغفلين للصهاينة في مصر يمتنعون...