ما كان يدور سرًا من خلافات بين دولتي السودان، وجنوب السودان أصبح بالأمس أمرًا معلنا من جانب مسؤولي الدبلوماسية بالدولتين إثر تبادل الاتهامات بينهما بدعم وإيواء متمردي البلدين وهو ما قد ينذر بنشوب حرب محتملة بين البلدين. وجددت الخرطوم من تحذيراتها لجوبا في استمرار تمويل الجماعات المتمردة ضدها، وطالبت بتجريد حركة العدل والمساواة المتمردة في إقليم دارفور حيث وصف جيش جمهورية جنوب السودان تحذيرات الحكومة السودانية بإمكانية دخول أراضيها لمطاردة متمردين سودانيين بإعلان الحرب ضد البلاد، وأكدت جوبا أنها مستعدة لمواجهة أي تصعيد من قبل السودان، وكشفت عن أن الخرطوم تقوم الآن بترحيل قوات التمرد التابعة لنائب الرئيس السابق رياك مشار من مواقع مختلفة من داخل أراضيها. وقال المتحدث باسم جيش جنوب السودان فيليب أقوير بأن الحكومة السودانية ظلت تسعى منذ وقت طويل للإعلان عن حرب ضد بلاده، وأضاف: الآن أعلنت الخرطوم الحرب ضد جنوب السودان ونحن نتعامل مع تصريحات المسؤولين الحكوميين بجدية ومستعدون لحربهم ضدنا، نافيا أي وجود لحركات التمرد السودانية على أراضي بلاده.- بحسب ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط-. وتابع: "هذه الاتهامات محاولة لتبرير إعلان الحرب ضد دولة ذات سيادة والعالم كله يشهد على أن الخرطوم هي التي تساعد جماعة رياك مشار المتمردة منذ بدء الحرب قبل عام"، وكشف عن أن معلومات قواته أكدت عن وجود ترحيل لقوات التمرد ضد بلاده من مواقع مختلفة من السودان في اتجاه جنوب السودان. وقال: "الآن تقوم الاستخبارات السودانية من مدينة كوستي جنوبالخرطوم بترحيل قوات تابعة للمتمردين بقيادة بول دينق قاي شقيق تعبان دينق قاي كبير المفاوضين لحركة التمرد وقوات أخرى من مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان"، وأوضح أن الحكومة السودانية سبق أن أعلنت عمليات الصيف الحاسم ضد المتمردين في جنوب كردفان، وقال: "لكن الخرطوم كشفت عن سرها بأنها ستقوم بغزو بلادنا ونحن سندافع عن أراضينا” وكان مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني الفريق محمد عطا قد حذر أول من أمس دولة جنوب السودان من استمرارها في دعم وتمويل حركات التمرد ضد حكومته. وقال خلال مخاطبته قوات الدعم السريع المتوجهة لمناطق العمليات في جنوب كردفان أن بلاده ترغب في جوار آمن مع جوبا، داعيا جوبا تجريد حركة العدل والمساواة من أسلحتها مثلما فعلت حكومته مع قوات المتمردين. وشدد على أن أي تحركات عدائية من حركة العدل والمساواة أو أي مجموعة مسلحة أخرى من داخل الأراضي الجنوبية ستكون بمثابة اعتداء من جوبا، وقال: على دولة الجنوب الكف عن إيواء الحركات المعارضة للحكومة وتحديدا العدل والمساواة وهي موجودة في بلدتي خور شمام وديم جلاد في شمال بحر الغزال، وردد بأن الجيش السوداني سيلاحق متمردي الجبهة الثورية في أي مكان، في إشارة إلى مطاردتهم داخل أراضي الدولة التي استقلت حديثا. واتهم عطا بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان بالتواطؤ مع جوبا في إنكار تواجد الحركات المعادية للخرطوم في أراضي الجنوب مؤكدا أنها تنفذ العمليات العسكرية انطلاقا من داخل أراضي الجنوب. ودعا عطا حكومة الجنوب لإعمال حسن الجوار والمعاملة بالمثل، وتجريد كل الحركات من السلاح وعده الحل المقبول لكل الأطراف، مشيرا في هذا الخصوص إلى أن السلطات السودانية جرَّدت متمردي جنوب السودان من الأسلحة وآلياتهم العسكرية عند دخولهم الأراضي السودانية واحتلالهم هجليج بولاية جنوب كردفان. قالت الحكومة السودانية إن دولة جنوب السودان ما زالت تقدم الدعم اللوجستي والمادي للحركات المتمردة ما يتنافى مع الروح المطلوبة للعلاقات بين البلدين وكشفت الخرطوم عن امتلاكها كل المعلومات الموثقة لهذه الخروقات. وقال المتحدث باسم بوزارة الخارجية يوسف الكردفاني إن دولة الجنوب لا تزال مستمرة في دعم الحركات المتمردة وتقدم لها الدعم اللوجستي والمادي و"هذا أمر يتنافى مع الروح المطلوبة للعلاقات بين البلدين". وكشف الكردفاني للمركز السوداني للخدمات الصحفية، عن امتلاك الحكومة كل المعلومات الموثقة حول هذه الخروقات داعياً دولة الجنوب للحفاظ على العلاقة والالتزام بالوعود التي قطعت بشأن إيقاف الدعم لهذه الحركات. وشهدت الأيام الماضية تصعيدا في العمليات العسكرية بين القوات الحكومية ومتمردي الحركة الشعبية شمال، ووصلت المعارك إلى تخوم كادقلي وأكد الكردفاني حرص السودان على استمرار العلاقة مع الجنوب سيما وأن هناك اتفاقيات للتعاون المشترك بين البلدين مشدداً على إكمال بنود الترتيبات الأمنية والتي ستساعد الطرفين على تحقيق السلام والاستقرار وبناء الثقة وتحديد الخط الصفري والمنطقة منزوعة السلاح. وأوضح المتحدث باسم الخارجية حرص الخرطوم على استقرار الأوضاع في جنوب السودان عبر مشاركته في عدد من المبادرات في إطار منظمة "إيقاد" للمساهمة في التسوية السياسية بين الأطراف المتنازعة بالجنوب. وعلى جانب آخر دعا مجلس الأمن الدولي أمس الجمعة حكومتي السودان وجنوب السودان إلى عقد اجتماع اللجنة الأمنية، على مستوى عال، في أقرب وقت ممكن. وشدد المجلس، في بيان، على التنفيذ الكامل لآلية مراقبة الحدود المشتركة بين البلدين، وفقا لقرار المجلس (2046) الصادر في 24 أبريل 2012، الذي أيد خريطة الطريق التي وضعها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، بهدف حفظ الأمن والشفافية وايجاد منطقة حدودية آمنة، منزوعة السلاح. ورحب المجلس بزيارة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت في الرابع من نوفمبر المنصرم للخرطوم، معربا في الوقت نفسه عن القلق إزاء عدم إحراز أي تقدم في تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة في جنوب السودان منذ نوفمبر 2013. ودعا مجلس الأمن، في ختام بيانه، كلا من الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا وقوات الأممالمتحدة المؤقتة لأبيي (يونسفا) إلى التعاون مع حكومتي السودان وجنوب السودان من أجل تطبيق بنود الاتفاقيات التي تفضي إلى إحلال السلام والقانون في منطقة أبيي. وكان البلدان قد وقعا اتفاق تعاون مشترك في سبتمبر من العام 2012 من ضمن بنوده عدم إيواء أي بلد لمتمردي البلد الآخر، غير أن الاتفاق تم تجميده من قبل الخرطوم عقب اندلاع الحرب في جنوب السودان قبل عام. وتوترت العلاقات بين البلدين منذ انفصال الجنوب الغني بالنفط عام 2011، فيما لم تتمكن الحكومتان من خلال مفاوضات سلام برعاية الاتحاد الإفريقي من الوصول لاتفاق بشأن الأجزاء المتنازع عليها من الحدود التي يبلغ طولها 1800 كيلومتر، وأوشك الخلاف على الحدود على أن يتحول لحرب شاملة عام 2012.