فقدت الحركة الوطنية الفلسطينية والفكر الجهادي المعتدل قبل 19 سنة رائداً من رواد العمل الإسلامي الذي منح فلسطين وقضيتها جلّ وقته وجهده حتى قضى شهيداً في عملية اغتيال نفذها الموساد بجزيرة مالطا . وارتكب الموساد جريمة اغتيال الشهيد "فتحي الشقاقي" مؤسس حركة الجهاد الإسلامي يوم السادس والعشرون من أكتوبر للعام 1995، مغيباً في ذلك الوقت أحد قادة العمل الوطني حين كان منشغلاً وقتها بإعادة اللحمة لفصائل العمل الوطني والإسلامي لتركيز الجهود نحو قضية فلسطين .
ونجح أحد عناصر "الموساد" الإسرائيلي قبل 19 سنة في جزيرة مالطا بتصويب خمس رصاصات من سلاحه الشخصي على "فتحي الشقاقي" ويقتله، قبل أن يلوذ بالفرار مستخدماً دراجة نارية ثم استقلال قارب كان ينتظره في الميناء أوصله سريعاً إلى دولة الكيان الصهيوني.
الحق الفلسطيني بعد تتبع الشهيد الشقاقي لفترة طويلة رصد "الموساد" أخيراً رحلة الشهيد إلى ليبيا مستخدماً جزيرة "مالطا" التي كان مضطراً للنزول فيها مستخدماً جواز سفر مزيف يحمل اسم "إبراهيم الشاويش" .
يقول أحمد المدلل القيادي في حركة الجهاد الإسلامي إن ما عرفه يومها أن الشقاقي كان منشغلاً بحل قضية الفلسطينيين العالقين في مدينة "السلّوم" الحدودية بين مصر وليبيا بعد أن طردهم النظام الليبي من أرضه عقب توقيع اتفاقية "أوسلو" .
ويؤكد المدلل وهو من القلّة الذين يعرفون عن الشقاقي الكثير داخل الحركة أن الشهيد حاول إعادة عشرات الأسر الفلسطينية عبر تسوية الأمر مع ليبيا، لكن "الموساد" علم بسفره وأنه لابد سيسلك طريق "مالطا" فتتبع مساره .
ويضيف لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام:" لم يكن من سبيل آخر كما علمنا لاحقاً إلا ذلك الطريق حتى يعود لدمشق وأنت تعلم أن جزر البحر المتوسط مرتع للموساد فتم هناك الاغتيال ولم تقبل أي دولة عربية نقل جثمانه حتى نقلناه بعد حوارات لدمشق".
خسارة وتحدي لا يخفي المدلل أن اغتيال الشقاقي كان فاجعة كبيرة لحركة الجهاد تماماً كحادثة اغتيال الشهيد أحمد ياسين وغيرهم من القادة، لكنه يرى أن الاحتلال لا يدرك الحسابات جيداً فقد انطلقت بعد اغتيال الشقاقي انتفاضة وسلسلة عمليات.
وحول توقيت اغتيال الشقاقي، يؤكد المدلل أن نجاح عملية "بيت ليد" الفدائية التي نفذها الفدائيان "صلاح شاكر وأنور سكر" كبدت الاحتلال خسارة عشرات الجنود قتلي وجرحى ما شكل مرحلة جديدة في مواجهة العدو تجسدت في سلسلة عمليات لاحقة.
ويتابع:" بدا أن العدو يعاني هاجساً أمنياً بعد مقتل وجرح قرابة 100 جندي كانوا يمارسون العدوان ما دفع الاحتلال لاغتيال الشقاقي أملاً في إخماد جذوة العمل لكن الأمور أتت بعكس حسابات الاحتلال" .
قضية مركزية الراصدون لفكر ونهج الشقاقي يؤكدون أنه عبر عن طريق الثورة الجهادية داخل فلسطين لمواجهة مزاعم اليهود بأن لحق حق داخل فلسطين فكان يكرر دوماً أنها إسلامية .
ويرى خالد صافي المختص في شئون التاريخ والحركات الإسلامية أن رحيل الشهيد الشقاقي جسد خسارة كبيرة للقضية الفلسطينية ولنهج الإسلام السياسي عامةً فهو من أسس الفكر الجهادي وأقام حركة الجهاد الإسلامي .
ويضيف لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام:" صاحب فكرة أن فلسطين هي القضية المركزية للمشروع الإسلامي وليس كما كان يقال سابقاً أنها جزء من المشروع الإسلامي وقد تبنى ذلك انسجاماً مع نظرية قرآنية انعكست في كل كتاباته وأدبياته حتى قال إنها القضية المركزية فأسس حركة اتخذت الجهاد أساساً للتحرير".
وتميز فكر ونهج الشقاقي بالجمع بين "مركزية قضية فلسطين واتخاذ الجهاد كطريقة تحرير"، حيث أثر رحيله حسب متابعة المختص صافي على حركة الجهاد الإسلامي وشكل اغتياله خسارة كبيرة لها وللحركة الجهادية في فلسطين حتى اليوم. أما القيادي المدلل فيرى أن الشقاقي ترجم رؤيته حول فلسطين كمركز القضية الإسلامية بجهاد متواصل انطلق على يد عشرات النشطاء من أبناء الجهاد الإسلامي، مشدداً على أن تحقيق الوحدة بين الفصائل الوطنية ومواصلة الجهاد هما أقصر الطرق لفلسطين.
عن ذلك يضيف:" أمضى آخر سنوات عمره يدعو للمّ الشمل والوحدة ودعا لتجاوز كافة الخلافات واعتبر كل قريب من قضية فلسبطين قريب منه شخصياً وكل حليف لفكر الجهاد حليف له ولفلسطين".
ورغم مرور 19 سنة على اغتيال الشقاقي إلا أن كلمات ونهج الشهيد لا زالت تنبض بالحياة ورؤيته السياسية والفكرية الثاقبة في مقاومة الاحتلال تجد طريقها لآلاف العاملين في مشوار الحركة الوطنية والجهادية داخل وخارج فلسطين.