بدأ العدّ التنازلي لأوّل انتخابات تشريعية ديمقراطية ينتظر أن تشهدها تونس منذ استقلالها عن فرنسا في مارس 1956. أكثر من 5 ملايين ناخب تونسي يستعدّون للتوجّه يوم غد الأحد إلى صناديق الاقتراع في جميع محافظات البلاد، لانتخاب 217 نائبا ممّن سيمثّلونهم في "مجلس نواب الشعب"، في حدث مفصلي يضع من خلاله التونسيون حجر الأساس لأول برلمان ينتخب بشكل ديمقراطي في تاريخ البلاد. ويشارك في الانتخابات التشريعية التونسية حوالي 80 حزبا من أصل 190 حزبا معترفا به في البلاد، ويتوزّع مرشّحوه إلى جانب المستقلّين على ألف و327 قائمة، بينها ألف و230 قائمة في الداخل (في الجمهورية التونسية)، و97 قائمة بالخارج. وتتوزع القائمات المشاركة على 33 دائرة انتخابية، 27 منها في الداخل و 6 في الخارج، فيما يبلغ العدد الجملي للمراكز الانتخابية 4 آلاف و864 مركزا، بينها 330 مركزا بالخارج. وتتألّف القائمات ال 1327 من 744 قائمة حزبية و152 قائمة ائتلافية و334 قائمة مستقلة، إضافة إلى ال 97 قائمة الموجودة بالخارج.، وتضمّ 13 ألف مترشحا يتنافسون على مقاعد البرلمان. ووفقا للقانون الانتخابي، فإنّ المجلس النيابي يضمّ 217 نائباً ممثلين كالآتي: 199 عن 27 دائرة انتخابية داخل تونس، و18 عن 6 دوائر خارج البلاد. وتجري الانتخابات بنظام القائمة النسبية وتشهد الانتخابات التشريعية التونسية احتدام المنافسة بين العديد من الأحزاب، غير أنّ الثنائي الذي يتنافس على المرتبة الأولى والثانية يظلّ حركة النهضة ونداء تونس، على الترتيب، كما تجمع توقعات المراقبين. ولم تتمكّن سوى أربعة أحزاب فقط من أن تكون لها قائمات في الدوائر ال 33 (27 في تونس و6 خارجها) وهم: حركة النهضة، المؤتمر من أجل الجمهورية، الاتحاد الوطني الحر ونداء تونس. وبالنسبة للقائمات الائتلافية، فيوجد تيار المحبة الموجود في 33 دائرة ثم الجبهة الشعبية في 32 دائرة فقط. ونظرا للدور المفصلي الذي تضطلع به في تحديد الملامح الكبرى للمرحلة القادمة في تونس، حظيت الانتخابات التشريعية التونسية بدعم لوجستي هام، تبلور من خلال تخصيص ميزانية بقيمة 40 مليون دينار تونسي (حوالي 22.2 مليون دولار) للعملية الانتخابية، إضافة إلى مشاركة 80 ألف عنصر من الشرطة والجيش والامن الخاص، لتأمين اقتراع الاحد، بحسب أرقام شبه رسمية. وأمام بعض المخاوف من حدوث عمليات إرهابية يوم الاقتراع، عقب العملية الأمنية التي استهدفت، أمس الجمعة، مجموعة إرهابية بمنطقة وادي الليل بمحافظة منوبة، على الأطراف الغربية للعاصمة تونس، أكّد مستشار الرئاسة التونسية أنور الغربي، في مقابلة مع الأناضول، أنه "لن يكون هناك مكان للإرهاب في تونس، سواء خلال الانتخابات أو بعدها"، مشدّدا على أنّ العملية الأمنية المذكورة، لن تعرقل سير الانتخابات. وبحديثه عن الجزئية الأخيرة، أضاف مستشار الرئاسة أنّ "هذا الحادث لن يكون له أيّ تأثير على الانتخابات، بل بالعكس، سيكون ذلك بمثابة الدافع بالنسبة للتونسيين للتوجّه نحو مراكز الإقتراع، لأنّ معظمهم أدرك، عقب قراءته الخاصة لأحداث وادي الليل، أنّ البلاد قد تنزلق في أي وقت (إلى متاهات الإرهاب)، في صورة لم يتمّ التحرّك في الإبان". ومع اقتراب الموعد الانتخابي، تتشكّل في أفق المشهد السياسي التونسي ملامح سيناريوهات لتحالفات مختلفة، يتغذّى البعض منها من الوزن السياسي لكلّ حزب، فيما يقف البعض الآخر على معطيات مختلفة منها الواقعي، ومنها الاستشرافي. وفي كلّ الأحوال، فإنّ أبرز السيناريوهات المطروحة حاليا، ترجح إما فوز النهضة بالأكثرية، يدعمها في ذلك نصيب هام من المقاعد لحلفائها السابقين والقوى القريبة منها، وهو ما سيمنحها تأشيرة تشكيل الحكومة المقبلة، وإما أن تفوز النهضة، غير أنّ حلفاءها السابقين لا يحصلون على نتائج مهمة في التشريعية، وهو ما يضع الحزب الأول أمام إلزامية البحث عن حلفاء خارج دائرة حلفائه التقليديين. غير أنّ توجّه النهضة نحو الكتل النيابية الكبيرة (نداء تونس والجمبهة الشعبية) قد لا يلقى قبولا منها، وهذا ما يجعلها أمام خيارين: فإما أن تطبق الفصل 89 من الدستور التونسي ويقوم رئيس الجمهورية بمشاورات من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر، أو أن تفضّل النهضة تكليف مهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية الحالي بتشكيل حكومة جديدة موسعة، باعتباره شخصية حازت على إجماع مختلف القوى السياسية في البلاد. لكن يبقى احتمالان آخران، وهما إما أن تضطر النهضة –في صورة فشل جميع خياراتها- للتحالف مع نداء تونس، في إطار ما يعرف بتجاذب الأضداد أو الاستقطاب التعسّفي، وإمّا أن تحوز نداء تونس على الأكثرية، وتقوم هي بتشكيل الحكومة، وهذا السيناريو يظل مستبعدا بالنظر إلى البيانات الاستشرافية المتوفّرة. وعن مختلف اللجان المكلّفة برصد الإخلالات المحتملة أثناء العملية الانتخابية، سيؤمّن مراقبة الانتخابات التونسية ما لا يقل عن 17338 ملاحظا منهم 559 أجنبيا، بحسب مصادر الهيئة العليا للانتخابات. وقد انطلقت العملية الانتخابية بدوائر الخارج ال 6 المتمثلة في فرنسا الشمالية وفرنسا الجنوبية وإيطاليا وألمانيا وأستراليا وأمريكا ودول العالم العربي بتوجه 359 ألف و530 ناخب لاختيار 18 ممثلا لهم من نواب البرلمان الجديد من بين 97 قائمة انتخابية مرشحة في هذه الدوائر لتمتد إلى يوم 26 غد أكتوبر الحالي. ويتوزع الناخبون التونسييون المقيمون بالخارج على 304 مراكز اقتراع و 387 مكتب اقتراع.