الحمد لله والصلاة والسلام على من بعثه الله تعالى بشيراً ونذيراً، وسراجاً مُنيراً للناس كافةً، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين وتابع التابعين إلى يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المستحق للحمد والشكر. وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين الذى أرسله ربه رحمة للعالمين. أما بعد ؛ أنعم الله تعالى على عباده بنعم كثيرة ومنها أنه أنعم عليهم بالأعمال الصالحة والعبادات المشروعة التي تجعل المسلم في عبادةٍ مُستمرةٍ ، وتحوِّل حياته كلَّها إلى قولٍ حسنٍ ، وعملٍ صالحٍ ، وسعيٍ دؤوبٍ إلى الله جل في عُلاه ، دونما كللٍ أو مللٍ أو فتورٍ أو انقطاع . فضل الأيام العشر: قال تعالى : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) قال ابن عباس رضى الله عنهما: الأيام المعلومات أيام العشر . وقال تعالى : "وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ " قال الإمام الطبرى : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) هي ليالي عشر ذي الحجة ، لإجماع الحُجة من أهل التأويل عليه . وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء" و عن جابر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيامٍ أفضل عند الله من أيامَ عشر ذي الحجة ". قال : فقال رجلٌ : يا رسول الله هن أفضل أم عِدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال : " هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله " وعنه رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة ". قيل : ولا مثلهن في سبيل الله ؟ . قال " ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفّر وجهه في التُراب" وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من عملٍ أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى . قيل : ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ . قال : " ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء . قال وكان سعيد بن جُبيرٍ إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يُقدرُ عليه" خصائص هذه الأيام: 1 - أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها في كتابه الكريم. 2 - أن الله تعالى سماها في كتابه " الأيام المعلومات . 3 – الأعمال الصالحة أحب إلى الله فى هذه الأيام أكثر من غيرها. 4 - أن فيها ( يوم التروية ) ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج . 5 - أن فيها ( يوم عرفة ) ، وهو يومٌ عظيم يُعد من مفاخر الإسلام ، وله فضائل عظيمة. لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها ، ويوم العتق من النار. 6 – فيها ليلة المزدلفة وهى ليلة جمع. 7 - فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام. 8 - فيها ( يوم النحر ) وهو يوم العاشر من ذي الحجة ، الذي يُعد أعظم أيام الدُنيا ، وهذه الأيام المباركات تُعد مناسبةً سنويةً مُتكررة تجتمع فيها أُمهات العبادات كما أشار إلى ذلك ابن حجر بقوله : والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيه ، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره . 9 - أن الله تعالى جعلها ميقاتاً للتقرُب إليه سبحانه بذبح القرابين كسوق الهدي الخاص بالحاج ، وكالأضاحي التي يشترك فيها الحاج مع غيره من المسلمين. 10- أنها أفضل من الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان ؛ لما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل ؟ فأجاب : أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان ، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة . كيف نستفيد بهذه الأيام؟ 1 - الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه وتلاوة القرآن الكريم لقوله تبارك و تعالى : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } . وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التكبير ، والتهليل ، والتحميد ). والذكر يكون بقراءة القرآن وكثرة الاستغفار والتسبيح والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون بالمحافظة على ذكر كل عباده فذكر الله فى المال الإنفاق فى الخير وذكر الله فى الصحة إعانة المحتاج وذكر الله فى العلم تعليمه للناس وهكذا يذكر الله فى كل موضع كما يستحق ويرضى. 2- الإكثار من صلاة النوافل لكونها من أفضل القُربات إلى الله تعالى. 3– الأضحية للمستطيع . فهى من أفضل ما يقرب به العبد لربه فى يوم النحر. 4 - صلة الأرحام وهى من أفضل ما يتقرب به العبد لربه فى هذه الأيام وخصوصا فى يوم العيد. 5 - الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية : لما فيها من التقرب إلى الله تعالى وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين . 6 - الصيام لكونه من أفضل العبادات الصالحة التي على المسلم أن يحرص عليها لعظيم أجرها وجزيل ثوابها ، ولما روي عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام المُباركة ؛ فقد روي عن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيامٍ من كُلِ شهر ، أول اثنين من الشهر والخميس) وليس هذا فحسب فالصيام من العبادات التي يُتقرب بها العباد إلى الله تعالى والتي لها أجرٌ عظيم فقد روي عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: ) يُكفِّر السنة الماضية والباقية ([12]) 7 - قيام الليل لكونه من العبادات التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على المُحافظة عليها من غير إيجاب . 8- التوبة والإنابة إلى الله تعالى إذ إن مما يُشرع في هذه الأيام المباركة أن يُسارع الإنسان إلى التوبة الصادقة وطلب المغفرة من الله تعالى ، وأن يُقلع عن الذنوب والمعاصي والآثام ، ويتوب إلى الله تعالى منها طمعاً فيما عند الله سبحانه وتحقيقاً لقوله تعالى . 9 – الإكثار من الأعمال الصالحة . ومنها الإصلاح بين الناس ، وقضاء حوائج الناس ، والسعى على الأرملة والمسكين . 10 - الاهتمام بمصالح المسلمين والانشغال بها وهذا من الأعمال الصالحة . ومن أمثلتها اختيار الأصلح للوظائف العامة، والأفضل فى تمثيل الناس والوقوف بجواره ومناصرة أهل الحق والوقوف فى وجه الظالم وهذا من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. والجهاد بالكلمة لا يقل عن الجهاد بالسلاح والعلماء هم ورثة الأنبياء فيجب عليهم أن يتقربوا إلى الله تعالى فى هذه الأيام بتعليم الناس وإرشادهم وخصوصا أننا الآن فى بداية عهد جديد يحتاج إلى عمل من جميع أطياف المجتمع لنخرج بمصرنا الحبيبة من هذا النفق المظلم لنجعلها منارة للعلم وللحضارة ولتكون فى مقدمة الأمم. وهذا يحتاج إلى جهد وعمل كل مصري وعلى رأسهم العلماء فى كل مجال. اللهم اجعلنا ممن يعملون بأوامرك ويتبعون نبيك ويسيرون على نهجه. اللهم اكتبنا فى عبادك الصالحين وغفر لنا مع حجيج بيتك العتيق. وكتب لنا الحج يا رب العالمين.