لأن العالم بأغنيائه وفقرائه مشغول بمنع انهيار اقتصادي ومالي شامل، لا يلتفت احد هذه الأيام الى مشاكل الدول الفقيرة ، او الى فشل المفاوضات التجارية العالمية المعروفة باسم جولة الدوحة. في بريطانيا قبل يوم اجتمع وزراء مالية الدول العشرين، ورؤساء البنوك المركزية فيها، للإعداد لقمة مجموعة العشرين في لندن في بداية ابريل. في الماضي كانت مشاكل العالم المالية والاقتصادية هي حكر على مجموعة السبع الكبرى التي سميت احيانا الثماني الكبرى كلما رضي الغرب على روسيا. أما اليوم فإن الأزمة الراهنة استدعت مشاركة من مجموعة العشرين التي تضم، فضلا عن الدول الكبرى، دولا نامية كبيرة مثل الصين والبرازيل. هذه المجموعة تمثل 85 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي. ورغم أن مجموعة العشرين تركز على مشاكل العالم الاقتصادية بدون تمييز بين غني وفقير، هناك على اجندة العشرين دعوة الى زيادة ميزانية صندوق النقد الدولي بمعدل ثلاثة اضعاف الميزانية الراهنة ، اي الى 750 بليون دولار. هذا ما تقترحه الولاياتالمتحدة التي قالت إنها سوف تسهم بمائة بليون دولار للصندوق، وهو المبلغ نفسه الذي قالت اليابان إنها سوف تسهم به. دول أخرى تريد زيادة الميزانية الى 500 بليون دولار فقط. أما روسيا والصين ودول اخرى فلا تريد الإسهام في دعم الصندوق الا بشرط زيادة في قوتها التصويتية. الهدف من زيادة اموال صندوق النقد الدولي هو تعزيز مقدرة الصندوق على مساعدة الدول الفقيرة والنامية في مواجهة آثار الأزمة العالمية الراهنة، لأن انهيار هذه الدول الصغيرة سوف يسحب معه الى الهاوية جزءا كبيرا من دول العالم الأخرى. وهذا يأخذنا مرة اخرى الى جولة الدوحة. المفاوضات التجارية العالمية التي بدأت في الدوحة عام 2001 بشرت العالم بكونها جولة التنمية، اي الجولة التي ستمثل فرصة لإعطاء الدول الفقيرة اسواقا لبيع منتجاتها في العالم، بما في ذلك اسواق الدول الغنية. جولة مفاوضات الدوحة كان يفترض ان تتوصل اخيرا الى اتفاق بحلول نهاية العام 2008. الهند والبرازيل وجنوب افريقيا قالت إنها ملتزمة بالتوصل إلى اتفاق، والولاياتالمتحدة واوروبا تعهدتا بتأييد جهود التوصل الى اتفاق. والخلاف الرئيسي امام الجولة هو بالدرجة الأولى خلاف زراعي بشأن ضمانات لحماية مزارعي الدول الفقيرة والنامية. هذا الخلاف ينمو في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة، بالنظر الى ان دول العالم اليوم تميل إلى الحمايات التجارية لمنتجاتها وليس إلى حماية فقراء المزارعين. كانت الدول الغنية قد تعهدت بتخفيض التعرفات على 97 في المائة من كافة صادرات الدول الفقيرة. ولكن هذا التعهد لم يتحقق بصورة واضحة بعد. والدول الفقيرة في حاجة ليس فقط لأسواق الدول الغنية، بل ايضا اسواق الدول متوسطة الدخل. وفي غياب اتفاق ، او حركة نحو اتفاق تجاري عالمي بسبب الأزمة الراهنة، يجب على مجموعة العشرين ان توافق على الأقل على دعم صندوق النقد الدولي بحيث يتمكن من مساعدة الدول الفقيرة والنامية. إن دراسة اجراها مركز كارنيجي للبحوث، هنا في واشنطن، اوضحت ان اتفاق الدوحة الذي لم يتم التوصل اليه حتى اليوم، كان من شأنه ان يضع دولارين اثنين فقط في جيب كل مواطن من مواطني الدول الفقيرة، بينما يضع ثلاثين دولارا بالمقارنة في جيب كل مواطن من الدول الغنية. أي ان المعادلة ببساطة هي أن مساعدة الفقراء تعود ايضا بالنفع على الأغنياء. ولكن الدول الفقيرة تحتاج الى ما هو اكثر من دولارين. وفي ظل الأزمة الراهنة فإن ثلاثين دولارا لن تفيد الأغنياء كثيرا. ليس هذا هو وقت اصلاح سياسي في منظومة الصندوق. بل هو وقت حركة سريعة لإنقاذ القارب من الغرق. وبينما تحاول الصين وروسيا انتزاع تنازلات سياسية في وقت الغرق، نجد ان الولاياتالمتحدة، ودولا غنية اخرى، تفرض ايضا حمايات تجارية على منتجاتها للحيلولة دون الغرق، في الوقت الذي تتشدق فيه بحرية التجارة العالمية. القارب الغرقان فيه روسيا ، والصين، واميركا، ومجموعة العشرين ، وكل العالم بما في ذلك انا وانتم. وإذا غرق غرقنا جميعا بدون ان تنقذنا القوة التصويتية لأحد. هذه أوقات يأكل فيها الطعمية الفقراء والأغنياء على حد سواء. ورجاء ألا نختلف حول ما إذا كان اسمها الأصلي هو الفلافل.