[email protected] أقل التهم التى توجه لحماس من قبل المعتدلين فى المعسكر المناوئ للمقاومة اتهامها بأنها لم تدرس الواقع جيدا واندفعت فى قراراتها بلا ترو أو فطنة .... حتى أنهم يجعلونك تظن أننا إزاء مجموعة من الصبية المتهورين المتحمسين بلا عقل أو رشد – فهل حقا هذا هو حال حماس ؟
دعونا نتتبع خطواتها من البداية وحتى الآن:
1. اهتمت حركة حماس أساسا بتربية وتنشئة الشباب دينيا ومن ثم وطنيا ( الوطنية بدون عقيدة أيا كانت لا تبنى البشر) وهى الخطوة الأولى والأهم التى نفتقدها فى جميع أنظمتنا العربية.
2. تسلحت بالعلم فكل قادتها ورموزها من أصحاب الشهادات العليا والثقافة الراقية. والذى يستمع للمتحدثين باسمها خاصة باللغة الانجليزية فى المحطات الأجنبية يلحظ الفرق بين ثقافتهم وثقافة السياسيين فى الوطن العربى. دعك من الصحفيين والمحللين السياسيين فى الصحف القومية فإن ضحالتهم تكاد تضعهم فى مرتبة واحدة مع الأميين.
3. أدركت أن الصراع بيننا وبين إسرائيل هو صراع حضارى مستمر للأبد بعكس القادة العرب الذين يرفعون ويتمسكون ويناضلون ويؤكدون دوما أن شعارهم هو "السلام خيارنا الاستراتيجى" !
4. أيقنت أن الوقت لم يحن بعد للمعركة الكبرى ( ربما امتد الصراع لمئات السنين) فلم ترفع الشعارات الرنانة من نوع " سنرمى إسرائيل فى البحر " و " اللى مش عاجبه البحر الأبيض يشرب من الأحمر " ....وفى نفس الوقت فهمت طبيعة هذا الصراع وكنه استمراره على جولات متباعدة يتخللها فترات هدنة أو تهدئه.
5. بعد إنتهاء مرحلة الفهم والتربية وتكوين الكوادر استجابت لمطلب جماهير الشعب الفلسطينى خاصة فى غزة بتخليصهم من بؤر الفساد ( وهو المطلب والأمل لكل الشعوب العربية! ) وفى مرحلة تالية كان لابد من تجهيز المسرح للمشهد المتوقع وهو محاولة إسرائيل اقتحام غزة فلزم تطهير القطاع من الخونة وعملاء اسرائيل ( تخيل لو قامت الحرب وعصابة دحلان مازالت فى غزة ....هل كان باستطاعة المقاومة أن تصمد؟ ) إن كل ذلك لم يكن ليتحقق إلا بحكم البلاد فكانت أن أستغلت غفلة "حزب الشيطان" عن قوتها وقدرتها على الفوز فى الانتخابات وهو الأمر الذى دفعه لإجراء انتخابات حرة فعلا ( وهى اللحظة التى لا يقتنصها عادة قادة الحركات الإسلامية رغم أنها قد لا تتحقق إلا مرة واحدة !) فخططت للفوزفى الأنتخابات التشريعية وبالتالى تشكيل الحكومة – وهى بذلك نجت من مصيدة الأرهاب العلمانى الذى لا يفتأ أن يحذر الشعب من " الإسلام السياسى" ويتهم أتباعه بأن هدفهم هو السلطة وكأنه هدف غير أخلاقى وغير إسلامى ! فإذا كان السعى للسلطة جريمة فمعنى ذلك أن من يحكموننا هم من المجرمين ؟ ولسان حالهم يقول نحن فقط الذين يحق لهم ارتكاب هذه الجريمة (!) أما الإسلاميون فهم شرفاء لا يليق بهم ممارسة هذه الرذيلة!
( قارن بين موقف حماس وموقف " الأخوان المسلمين " فى مصر الذين تخلو عن الشعب المصرى برفضهم دخول الانتخابات البرلمانية فى جميع الدوائر بل أعلنوا صراحة أنهم لا يسعون للفوز بأغلبية المقاعد والأسوأ من ذلك رضاؤهم بلعب دور المعارضة فى لعبة ديمقراطية زائفة!).
6. رغم أحقيتهم فى تشكيل الحكومة منفردين ، كما ينص الإجراء الديمقراطى ، فإنهم ، ولنظرتهم السياسية المتعقلة والذكية ، بسطوا أيديهم لشركاء الجهاد فى " فتح " (قبل أن تتخلى عن خيار المقاومة ) بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية لكن فريق أبو مازن رفض. وأى فاهم للسياسة أدرك وقتها أن فتح بهذا الرفض إنما تسعى لإفشال حكومة حماس.
7. بدأت فى تنفيذ خطة إعداد المجتمع للجولة القادمة مع العدو مما كان يستلزم إبعاد العملاء والجبناء والمفسدين عن مراكز القيادة مما أوقعها فى صدامات عنيفة مع " دحلان" ورفاقه ( استضاف التليفزيون المصرى العميل دحلان أثناء الحرب) وهو ما لم يعجب رؤوس الفساد فى رام الله فكان الإنقلاب الدستورى على حكومة حماس والذى انتهى بفصل غزة وحصارها . (ليت كل حركة إسلامية فى الوطن العربى تدرك أن هذا ما سوف تواجهه حتى تستعد له. هذا إن سمح لها أصلاً بالوصول للحكم!).
8. فى خط متواز بدأت تعد للمواجهة القادمة مع العدو. وهو الإعداد الذى لم يكشف عن أبعاده بعد إلا أننا نستطيع أن نستشف مما سمعناه وشاهدناه وقرأناه أنها استخدمت الأنفاق بين مصر وغزة لإدخال الصواريخ مفككة ثم إعادة تركيبها ، ومما سمعناه أيضاً أنها كانت تشترى السلاح من الإسرائليين أنفسهم (يتسأل بعض المتحذلقين بخبث عن مصير التبرعات التى تدفع لحماس!) . والأهم من ذلك كله أنها لم تأبه بفتاوى علماء السلاطين فى دول النفط بتكفير الشيعة ورحبت بمساعدات إيران لها والتى لايمكن أن يكشف عنها علناً (ومرة أخرى يتساءل بعض المغرضين عما قدمته إيرانلفلسطين) وذلك بغض النظر عن هدف إيران من ذلك وهل كان من منطلق العمل بالآية الكريمة "إنما المؤمنون إخوة" و "و إن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر" أم كان لنشر المذهب الشيعى فى فلسطين أو استخدام حماس كورقة ضغط فى مواجهتها مع أمريكا. فكل ذلك لا يهم ، فالمجاهد والمحارب الذكى المؤمن بقضيته الواثق من نفسه يتحالف مع أى جهة تساعده فى تحقيق هدفه. وحماس بذلك قد أخذت بالأمر الألهى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" فهذا ما كانت تستطيعه حماس فماذا قدم لها المتباكون والمذرفون دموع التماسيح على أطفال ونساء أهل غزة؟! وفى هذا المجال لا يسعفنى ذكائى فى تقبل وفهم هذا الكم الهائل من الغباء الذى دفع بالكثيرين لترديد فتوى علماء سلاطين النفط من أن إيران هى العدو وليس إسرائيل!
9. أثبتت حماس قدرة فائقة فى إدارة المعركة سياسياً بعكس أشاوس القتال عبر الميكروفونات فى عالمنا العربى. فحينما رأت المصلحة فى الهدنة المؤقتة لم تتردد فى الموافقة على التهدئة مع العدو ثم حينما انتهت مدتها ووجدت أنها لم تحقق أية مصلحة للشعب الفلسطينى لم تتردد فى الإمتناع عن تمديدها . ولو قلنا نحن ذلك لاتهمونا بالجهل والغباء السياسى، فالحمد لله أن من فضح ذلك وكشفه كان أردوغان رئيس وزراء تركيا والذى صرح بأن حماس التزمت بكل شروط التهدئة فى حين أن إسرائيل لم تلتزم بأى شرط فيها. إن تلك التهدئة لم تجلب لشعب غزة غير الموت البطئ لذلك كان رأى حماس أنه إن كان من الموت بد فليكن موت الشرفاء.
وتذكروا يوم أن كان بمصر رجال وقف النحاس باشا صارخاً فى البرلمان: "من أجل مصر وقعت معاهدة 36 ومن أجل مصر ألغيتها"
10. وأخيراً فقد فرضت الحرب على حماس ولم تسع إليها وهى إن كانت قد أخطأت فخطأ واحد حينما ظنت أننا كشعوب عربية ما زلنا أحياء وغابت عنها حقيقتنا أننا قد أصبحنا أشباه رجال. ولم يكن أمامها إلا أن تصمد بعد أن جاءتها الضربة من أقرب الناس إليها. والحمد لله أنها صمدت رغم أنف كل من تمنوا انهيارها واستسلامها.