إنعقدت ندوة الحوار المسيحى الإسلامى فى الفاتيكان من4 الى 6 نوفمبر الحالى(2008). ولفهم حقيقة ما يدور فى المؤسسة الفاتيكانية لا بد من نظرة سريعة لما سبقها من أحداث.. ففى السابع والعشرين من شهر أكتوبر 2008 نشرت مواقع الفاتيكان بيانا ، بعناوين مختلفة حتى لا يبدو انه مقصود النشر، حول اللقاء المغلق الذى سيدور فى الفاتيكان تحت عنوان "ندوة الحوار الإسلامى-المسيحى" ، موضحا أن برنامج ذلك اللقاء قد تم وضعه فى شهر مارس الماضى، أثناء أحد اللقاءات التى تتم دوريا. والمعروف انها تتم بين مجموعة من المسلمين الموالين للفاتيكان، فهو الذى ينتقيهم، وأخرى من العاملين به.. كما أعلن ذلك البيان ان اللقاء المحدد له من 4 إلى 6 نوفمبر 2008 قد سبقته عدة لقاءات مسيحية إسلامية فى أماكن مختلفة من العالم.. وهو ما يكشف عن كيفية قيادة الفاتيكان وإعداده لهذه اللقاءات التى يرمى من خلالها الى الحصول على مزيد من التنازلات.. فالحوار فى نصوص الفاتيكان المنشورة يعنى " كسب الوقت حتى تتم عملية التنصير" ..
وكان آخر هذه الإجتماعات ما تم إنعقاده يومى 24 و 25 اكتوبر الماضى ، فى تركيا، بين المعهد البابوى للدراسات العربية والإسلامية وجامعة مرمرة، تحت عنوان "العلاقات بين العقل والإيمان فى الإسلام والمسيحية". وإجتماع آخر فى مطلع الإسبوع، فى مدينة بروكسل، بمبادرة من مجمع الكنائس الأوروبى ومجلس المجامع الأسقفية الأوروبية، وكان بين الحاضرين الكاردينال جان-بيير ريكار (J.P.Ricard) الذى راح يكرر مطلب بنديكت 16 بعد تلقيه خطاب ال138 مسلما، من أنه يتعيّن على المسلمين أن يسلكوا نفس الطريق الذى سلكه الفاتيكان فى القرنين الماضيين وتطبيق مطالب عصر التنوير، وخاصة ما يتعلق منها بحقوق الإنسان وحرية العقيدة وممارستها علناً!..
والمعروف ان خروج الفاتيكان عن تعاليم دينه وتبرأة اليهود من دم المسيح وإستبعاد المسلمين من نسل سيدنا إبراهيم وفرض تنصير العالم بل والإعتراف بأن الكتاب المقدس من صياغة بشر وليس من عند الله، هى من اهم قرارات مجمع الفاتيكان الثانى الذى كان من توابع عصر التنوير، وكل ذلك مكتوب ومنشور فى وثيقة "فى زماننا هذا" منذ عام 1965 والتى كرر الكاردينال جان لوى توران أكثر من مرة قائلا: "أنها ستكون حجر الأساس للحوار بين الفاتيكان والمسلمين"، وهو القائل قبل ذلك " انه لا يمكن إيجاد حوار مع المسلمين طالما يعتقدون ان القرآن منزّل من عند الله! " ، والتعليق تم نشره آنذاك فى كل الصحف.. فهل سيقوم المسلمون بالخروج عن دينهم وتبديل آيات القرآن الكريم واستبعاد بعضها مرضاة للفاتيكان أو تمشيا مع سياسته الرامية اإلى إقتلاع الإسلام بأيدى المسلمين ؟؟. إن الخطاب الذى وقّعوا عليه يقولون فيه: "قل هو الله أحد الله الصمد" مستبعدين بقية السورة القائلة "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" ، وهى إدانة صريحة من الله عز وجل لفرية تأليه السيد المسيح وبدعة الثالوث إدانة بلا مواربة.
كما أوضح ريكار أن "حرية العقيدة تعنى حرية الإنتقال من ديانة إلى أخرى أو ترك الديانة دون أن يترتب على ذلك أية ردود أفعال"، والمقصود بها حد الردة، وهو كما قال: "موضوع حساس بالنسبة لكثير من المسلمين، لكننى أعتقد أن الإندماج الكامل فى المجتمعات الأوروبية يتضمن هذه الحرية، كما ان مبدأ الحرية الدينية يجب ان تكون له قيمة متبادلة، أى ان توجد فى أوروبا وفى البلدان الإسلامية " ! وهو ما يكشف حقيقة ما يحاك للوجود الإسلامى فى الغرب وكيف ان الإندماج فى تلك المجتمعات يعنى، فى نظر الفاتيكان، الا يتشرب المسلمون عادات المسيحيين وتقاليدهم فحسب وإنما ان يتشرّبوا عقيدتهم أيضا؛ كما يتضمن الإصرار على بناء كنائس فى ارض المملكة السعودية وهو ما يحاول الفاتيكان فرضة عن طريق الدهاليز الدبلوماسية.
ومن اللقاءات السابقة والممهدة لندوة 4-6 نوفمبر، المحاضرة التى القاها القس كريستيان ترول (Ch. Troll) فى لندن بعنوان "نحو إلتزام مسيحى-إسلامى" ، بحضور كل من اسقف كانتربرى ، روان ويليامز، الذى يلعب دورا واضحا فى تلك اللقاءات التابعة للبابا، إضافة إلى عبد الحكيم مراد وينتر وعارف على النايض ، ويعتبران من أهم شخصيات لقاء 4-6 نوفمبر الممالئة للفاتيكان على حد ما يُفهم من المقالات التى يمليها على وسائل إعلامه.
وعلى الرغم من الإعلان عن ان كل وفد سيتكون من 29 فردا من بينهم بعض السيدات، إلا ان الفاتيكان لم يعلن إلا عن أسماء خمسة فقط من كل جانب. وأوضح ان أسماء المسلمين المشاركون فى ذلك الحوار المغلق هى: عبد الحكيم مراد وينتر البريطانى، وعارف على النايض الليبى، وكلاهما استاذ فى جامعة كمبردج، وإبراهيم كالين التركى، ويقوم بالتدريس فى كلية يسوع بجامعة جورج تاون بواشنطن، وسهيل نخّودة الأردنى، مدير مجلة "إسلاميكا مجازين" التابعة للفاتيكان، والإيطالى يحيى بللافتشينى وكان من فرق الهيبيز السابقين .. وإن خرجنا بشىء من هذه الأسماء ، إضافة إلى ما نشر عن حضور طارق رمضان او محمود عزب ، لأدركنا بوضوح كيف ان الفاتيكان يستعين بقدرات كل من يمكنه تمرير طلباته المخادعة والهادمة للإسلام سواء عن عمد او عن جهل..
وفيما بين الثانى والثالث من نوفمبر وقبل بداية ذلك الحوار المغلق نشرت الصحف والإذاعات الفرنسية العامة والمسيحية حوارات وموضوعات تشترك جميعها فى عرض الموضوع وكيف أنه بدأ بالخطاب الذى القاه البابا فى راتسبون وفُهم منه "خطأ" انه سب الإسلام والمسلمين ، فأُصيب المسلمون بالهلع، فتقدم 138 من كبار العلماء بخطاب يناشدون فيه البابا قائلين "تعالى الى كلمة سواء ، ولنبحث عن المشترك بيننا" – فيبدو الأمر وكأن المسلمون قد خافوا من ان يتمادى البابا فى كشف "مساوىء" الإسلام فقرروا لمّ الموضوع وترك الخلافات، التى أوضحها الله عز وجل فى كتابه الكريم، ليبحثوا مع الفاتيكان عن المشترك بين الديانتين – ويا للعار !..
ومن المؤسف ان يكون هذا موقف تلك المؤسسة الدينية وتعاملها بوجهين، إن لم يكن بعدة أوجه، فالحقيقة التى تكشفت آنذاك فى مواقعها ونصوصها هى: ان البابا قد قلق من رد فعل المسلمين وطالب الكاردينال جان لوى توران أن يتصرف لمحاصرة الموقف!.. فبدأ باللجوء إلى من يراهم من الموالين له من المسلمين وتمخضت اللعبة عن ذلك الخطاب الفضيحة الذى يقول فيه المسلمون أنهم يعبدون نفس الإله مع المسيحيين ، متناسين اننا نعبد الله الذى ليس كمثله شىء ، خالق الكون بكل ما به، بينما يعبد المسيحيون "ربنا يسوع المسيح الذى تجسد بشرا وعُذب وصُلب وقُبر ونزل فى الجحيم ثلاثة أيام ثم صعد وجلس عن يمين الآب الذى هو نفسه" !. وهو ما يقوله بنديكت 16 فى كافة خطبه واحاديثه، مؤكدا انه لا خلاص لكافة البشر إلا بيسوع المسيح، بل وذلك ما قاله احد اعضاء الفاتيكان فى اول جلسة إفتتاحية لذلك الحوار المنعقد من 4 الى 6 نوفمبر، ولا نملك إلا أن نتساءل هل يعبد المسلمون مثل هذه الفريات المختلقة عبر المجامع على مر العصور والتى لا يقبلها عقل ولا منطق ؟!.
وفى الكلمة التى القاها البابا بنديكت 16 باللغة الإنجليزية، صباح يوم الخميس 6 نوفمبر الحالى، أمام أعضاء الوفدين فى تلك الندوة المغلقة، ونشرتها جريدة "لا كروا" نقلا عن الفاتيكان ، قال بنديكت 16 فى تعريفه للإله الذى يعبده هو وأتباعه قائلا: " يُعلن التراث المسيحى ان الله محبة (يوحنا 4:16) ومن منطلق الحب خلق الكون بأسره، وبحبه أصبح موجوداً فى التاريخ الإنسانى. ولقد أصبح حب الله مرئيا، متجلّياً كاملا ونهائيا فى يسوع المسيح. وهكذا نزل ليقابل الإنسان، وبينما ظل بكونه الله، إتخذ شكل طبيعتنا. وأعطى نفسه لكى يستعيد الكرامة الكاملة لكل شخص ويجلب لنا الخلاص" ، إذ يقول النص بكل وضوح : "The christian tradition proclaims that God is Love (1 Jn 4:16). It was out of love that he created the whole universe, and by his love becomes present in human history. He thus came down to meet man and, while remaining God, took on our nature. He gave himself in order to restore full dignity to each person and to bring us salvation" فهل ذلك هو مفهوم الله عند المسلمين حتى يسكت الحاضرون ويبصمون ؟!.. ولا أقول شيئا عن باقى المطالب التى جاهر بها البابا، من قبيل التأكيد على نسيان سوء الفهم وإجتياز كل الخلافات و حماية الحقوق الأساسية للإنسان كحرية المعتقد وحرية العقيدة والعنف الذى يلاقيه رجال الدين او العنف باسم الدين، فهى بحاجة الى مقال على حدة، فأقل ما كان يجب ان يقال له : إن كان هناك ثمة عنف بإسم الدين من جانب المسلمين فهو يقينا كرد فعل ضد عمليات التبشير والتنصير التى تقودها الكنيسة بهيستريا عبر العالم الإسلامى !
أما البيان الختامى الصادر عن اللجنة المجتمعة مساء يوم 6/11، فقد تضمن 12 بندا تدور حول المساواة بين الرجل والمرأة، وحرية المعتقد وحرية العقيدة، وإنشاء نظام إقتصادى أخلاقى، ورفض العنف والإرهاب باسم الدين، وهى وثيقة بحاجة إلى دراسة وردّ تفصيلى، لكننا نتوقف عند أول بند، الذى تأخذ ديباجته نصف صفحة تقريبا، بينما باقى البنود قد صيغ كل منها فى سطرين أو ثلاثة.
يتناول البند الأول التعريف بحب الله وحب القريب بالنسبة للمسيحيين وفقا لإنجيل يوحنا، وتحديد ان هذا الحب خاص بالإنسانية جمعاء وبكل البشر" لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (3 : 16) وان هذا الحب قد وُضع فى القلب البشرى عن طريق الروح القدس ..
أما بالنسبة للمسلمين فيعتمد حب الله والقريب فى هذا البيان على ما ورد بخطاب "كلمة سواء" الذى تمت فيه عملية بتر مغرضة للآيات القرآنية، دون ذكرها فى البيان، وإنما تم الإستشهاد بحديثين لمسلم والبخارى، مع إضافة : " ان هذا الحب، كما يحدده القديس المحبوب ماأوميه، هذا الحب اقدم من الحب الإنسانى للإله الوحيد الحقيقى" ! ( le Saint et Bien-aimé prophète Mahomet ) والمقصود ب "القديس المحبوب ماأوميه" هو سيدنا محمد صلوات الله عليه، فكلمة "ماأوميه" هو التحريف الذى اشتقه التعصب الكنسى عبر التاريخ لإستبعاد اسم سيدنا محمد عن الذاكرة العامة، على الأقل فى الغرب، الذى يعرف تماما كيف يكتب اسم محمد حينما يتعلق بأى شخص آخر إلا رسول الله ! وكان الأكرم لهؤلاء المشاركين، لو كانت لديهم ثمة غيرة على دينهم او اى إحترام لنبيهم ان يحتجوا ويطالبوا الفاتيكان بتعديل كتابة اسم سيدنا محمد بدلا من التوقيع على ذلك التحريف !. أما الإله الوحيد الحقيقى فى نظر تلك المؤسسة المجحفة فيقصد به "ربنا يسوع المسيح"، وهو ما لا يكف بنديكت 16 عن ترديده فى كافة كتاباته وخطبه، وانه الطريق الوحيد لخلاص كل البشر !. وما اكثر الخلط والتلاعب بالألفاظ فى هذه الوثائق ..
ومن مهازل افراد هؤلاء المسلمين، ان يدلى الدكتور مصطفى شريف، الجزائرى، بحديث لإذاعة الفاتيكان تم نشره يوم 6/11 فى موقع الإذاعة يقول فيه بكل مغالطة: "بكل اسف، يعانى المسيحيون على ارض الواقع فى البلدان الإسلامية وخاصة فى العراق" !. وكان الأكرم له أن يتهم ذلك الإحتلال الغاشم السياسى-الدينى، الذى راح ضحيته اكثر من مليون شهيد ومشرّد عراقى، فقوافل المبشرين التى غزت العراق ضمن العتاد الحربى الأمريكى فضحته الصحافة الغربية والأمريكية قبل ان تتناوله الصحافة العربية والإسلامية.. فإن فرضنا جدلا وكانت هناك أية ردود افعال من المسلمين، سواء فى العراق او فى اى بلد إسلامى، فهى ردود أفعال نتيجة لكل ما يمارس عليها من تنصير استفزازى سواء للمسلمين او لمعالم البلدان الإسلامية. وكان الأكرم له ان يطالب بحماية الفلسطينيين من طغيان الصهاينة الذين عاون الفاتيكان على تأسيس دولة لهم مغتصبة على ارض فلسطين وان يطالب بفك الحصار المميت عن سكان غزة وغيرها، او ان يطالب بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، او أضعف الإيمان ان يذكر ويدين عمليات التنصير الدائرة على ارض الجزائر ذات المليون شهيد !!
ولا يسعنى إلا ان اقول لتلك الحفنة المفرّطة فى دينها جهلا او عن عمد، ان تتقى الله، وأن تقرأ نصوص الفاتيكان الخاصة بالحوار وغيره، لتدرك الهاوية التى يسوقون إليها انفسهم أولا، قبل أن يسوقوا الإسلام والمسلمين، الذين لم ينتخبوهم ولم يوكلو إليهم عقد اللقاءات باسمهم او التوقيع على قرارات مجحفة، كل المطلوب منها كسب الوقت والحصول على مزيد من التنازلات، وكان الأكرم لهم ان يطالبوا ذلك البابا ومؤسساته الفاتيكانية بوقف تنصير العالم الذى يقوده بجبروت محموم عن غير وجه حق.. وتختنق العبارات فى الحلق حزناً وألماً على عمليات التفريط والتطبيع التى تُفرض على المسلمين، بأيدى قيادات مسلمة فى شتى المجالات، هان عليها دينها وبلدانها فى زحمة وزخم زحفها لمراضاة الغرب المسيحى المتعصب ومطالبه الظالمة، من أجل حفنة وعود زائلة .. 7/11/2008
نص كلمة البابا بنديكت السادس عشر في المنتدى الإسلامي الكاثوليكي بالفاتيكان..!! ترجمة: عبد الرحمن عبد الوهاب
Discours du pape Benoît XVI au Forum islamo-catholique au Vatican الخطاب منشور في موقع La-croix.com المسيحي على موقع الفاتيكان. نص الكلمة التى القاها البابا بنديكت 16 بالفاتيكان امام اعضاء ندوة الحوار المسيحيى الإسلامى التى انعقدت 4-6/11 2008.
الأصدقاء الأعزاء.. يسرني استقبالكم هذا الصباح وأحييكم جميعا بالتحايا القلبية، وأقدم شكري خصيصا إلى الكاردينال جان لويس تاوران، والشيخ مصطفى سيرتش، والسيد: سيد حسين نصر لكلماتهم، يقع اجتماعنا تتويجا للندوة التي نظمها المنتدى " الكاثوليكي المسيحي" المؤسس بين المجلس البابوي لحوار الأديان وممثلين عن 138 من القادة المسلمين الذين وقعوا خطابا في الثالث من أكتوبر 2007 . إذ يعتبر هذا التجمع كعلامة للاحترام المتبادل والرغبة في أن يسمع كل منا إلى الآخر. وأؤكد لكم إنني صليت بغية ونجاح هذا الاجتماع. إذ أنني أدرك انه يمثل خطوة أخرى نحو تفهم أفضل بين المسلمين والمسيحيين ضمن إطار اللقاءات العادية التي يجريها المركز البابوي مع الجماعات الإسلامية المختلفة. الخطاب المفتوح هو "كلمة سواء بيننا وبينكم " والذي تلقى ردودا عديدة وأعطى الفرصة لنشوء حوار ومبادرات ولقاءات محددة تساعدنا في أن يعرف كل منا الآخر بشكل أكثر عمقا، وزيادة لاحترام لقيمنا المشتركة. وكان الاهتمام المتمثل في الندوة والذي أيقظ بدورة حسا ايجابيا لتأكيد ردود الفعل والتطورات الايجابية التي ظهرت في حوار إسلامي مسيحي، الذي لم يكن محصور في جماعة صغيرة من الخبراء والعلماء. ولكن تجاوز إلى ان اصبح كميراث يوضع في خدمة الجميع لنجني ثمارها في التعايش في أيامنا القادمة. وكان الموضوع المختار لاجتماعكم حب الله وحب الجار. وكرامة الإنسان والاحترام المتبادل. وهي مواضيع هامة على وجه الخصوص أخذت من مضمون الخطاب المفتوح والذي يعّبر عن حب الله وحب الجار كقلب ومضمون الإسلام والمسيحية على حد سواء. وهذا الموضوع يبرز بوضوح الأسس اللاهوتية والروحية في كلا الديانتين المعنيتين. ويعلنها الموروث المسيحي: أن الله هو الحب (cf. 1 Jn 4:16). ونجم عن الحب انه خلق العالم بكامله، وبالحب أصبح متواجدا في التاريخ الإنساني. الحب لله أصبح مرئيا وظهر كاملا وتحديدا في يسوع المسيح (تعالى الله علوا كبيرا) وهكذا نزل ليقابل الإنسان بينما الله الباقي تجسد في طبيعتنا(تعالى الله علوا كبيرا) وأعطى نفسه لكي يستعيد الكرامة الكاملة لكل شخص ويجلب لنا الخلاص. كيف لنا أن نشرح الغموض للتجسيد والفداء إلا بالحب ؟. الحب المطلق والأبدي يجعلنا قادرين أن نستجيب له بمنحه الحب في المقابل حب الله وحب الجار. هذه الحقيقة التي نعتبرها كأساس أريد أن أؤكد عليها في خطابي البابوي إلى كل الكنائس الرومانية الكاثوليكية عبر العالم (إن الله محبة للجميع) Deus Caritas Est .إن هذه العبارة هي صلب تعاليم الإيمان المسيحي ودعوتنا ورسالتنا أن نتشارك مع الجميع في الحب الذي انعم به الله علينا بدون مزية أو فضل منا . أنا مدرك أن المسيحيين والمسلمين لديهم اتجاهات مختلفة فيما يتعلق بالإله. إلا أننا يمكن ويجب كمصليين لإله واحد خلقنا ويهتم بشان كل شخص في هذا العالم سويا يجب أن نظهره بالاحترام المتبادل والتضامن. إننا يمكن أن نعتبر أنفسنا أعضاء لعائلة واحدة أحبها الله وجمعنا سويا منذ بدء خلقه للعالم إلى نهاية التاريخ الإنساني. يسرني أن أعلمكم إنكم قادرين في هذا الاجتماع أن تتخذوا موقف مشترك في الحاجة لعبادة الله كليا. وان نحب أتباعنا ورجالنا ونساءنا بدون تمييز. وخاصة هؤلاء الذين يقعون تحت وطأة البؤس والحاجة. الله يدعونا جميعا أن نعمل سويا لصالح ضحايا المرض والجوع والفقر والظلم والعنف. بالنسبة للمسيحيين فان حب الله لا يتجزأ عن حب إخواننا وأخواتنا، وكل الرجال والنساء بدون تمييز للعرق والثقافة، كما كتب القديس يوحنا: من يقولون أنا أحب الله ويكرهون إخوانهم وأخواتهم كذابون. وهؤلاء الذين لا يحبون إخوانهم وأخواتهم لا يستطيعون حب الله الذي لم يروه (1 Jn 4:20). وفي الموروث الإسلامي أيضا واضح تماما في تشجيع الالتزام العملي في خدمة المحتاجين ويستدعي المبدأ الأساسي في نسختنا: إيمانكم لن يكون كاملا مالم تعملوا للآخرين وان تحبوا لهم ما تحبوه لأنفسكم .وهكذا نعمل سويا في تأصيل الاحترام لكرامة الإنسان وحقوق الإنسان الأساسية، حتى بالرغم من الرؤى الانثروبولجية. كذا لاهوتنا يبرر ذلك في صور مختلفة، يوجد حقل شاسع وعظيم يمكن أن نعمل فيه سويا في الدفاع وتعزيز القيم الأخلاقية التي تعتبر جزءا في موروثنا المشترك .فقط في الاعتراف بمركزية الإنسان وكرامة الجنس البشري والاحترام والدفاع عن الحياة التي هي هبة من الله ومقدسة لكل من المسلمين والمسيحيين على السواء.. فقط على أسس من هذا الاعتراف ممكن أن نجد أرضا مشتركة لبناء عالم اخوي وعالم تحل في المواجهات والاختلافات سلميا وان تحّيد القوى والايدولوجيات المدمرة.. أتمنى مرة أخرى أن ًتحمى الحقوق الأساسية لحقوق الإنسان لجميع البشر في كل مكان. وان يمارس ويضمن رجال الساسة والدين هذه الحقوق باحترام كامل لحرية الفرد وحرية الضمير وحرية الدين..إن التمييز والعنف الذي يمارسه رجال الدين عبر العالم ،وأنواع الاضطهاد الذي يتعرضوا له يبدو كأعمال غير مقبولة وغير مبررة ومن الحزن والمؤسف انه يتم باسم الله. إلا أن اسم الله يمكن أن يكون اسما للسلام والمؤاخاة والعدل والحب والتحدي أن نظهر ذلك بكلماتنا وفوق كل شيء أعمالنا.. تلك هي رسالتنا الدينية التي لن تفشل ،رسالة الانسجام والتفاهم المشترك انه لشيء جوهري أن نقوم بذلك خشية أن تضعف مصداقيتنا وتأثيرنا ليس فقط حوارنا ولكن أيضا شخصيتنا الدينية. أدعو الآن بكل الثقة للمنتدى الكاثوليكي الإسلامي على اتخاذه الخطوات الأولى في أن تكون بمثابة مساحة اكبر للحوار وتساعدنا في التواصل سويا للمعرفة الكاملة للحقيقة. اجتماعنا الحالي يعد مناسبة لإلزام أنفسنا بحب الله وحب الجار كحالة لا يستغنى عنها لتقديم للخدمة المتأصلة والتصالح والسلام لرجالنا ونساءنا. الأصدقاء الأعزاء، دعونا نوحد جهودنا بان نحيي المساعي الحميدة لكي نتجاوز سوء الفهم والاختلاف. دعونا نحل ونتجاوز تحامل الماضي ونصلح صورتنا المشوهة للآخر غالبا، والتي قد تخلق صعاب في علاقتنا. دعونا نعمل مع بعضنا البعض ونعلم كل الناس خاصة الشباب منهم أن نبني المستقبل . نسال الله أن يساعدنا في نوايانا الحسنة بان نجعل مجتمعاتنا قادرة على العيش بوئام مع حقيقة الحب الذي مثل قلب الرجل المتدين وكأساس لاحترام كرامة كل إنسان .. نسال الله الرحمن الرحيم. أن يساعدنا في تحديات المهمة، ويحمينا وينعم علينا ويضيء طريقنا بنور الحب.