يتوقع أن يزداد في الولاياتالمتحدة ارتفاع أصوات معارضي الحرب على العراق مع ازدياد حدة الأزمة المالية التي تعصف منذ مدة بالأسواق المالية الأميركية والعالمية. فالتكلفة العالية لهذه الحرب كانت دائما ذلك الحصان الذي يركبه المطالبون بعودة جنود أميركا إلى بلادهم، خصوصا وأنها بلغت إلى حد الآن عشرة أضعاف التكلفة التقديرية التي سوقها من زينوا للرئيس الأميركي جورج بوش غزو العراق قبل أكثر من خمس سنوات ونصف السنة، وسجلت أعلى رقم في تاريخ الإنفاق الحربي الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم تزداد تكلفة أخرى على كاهل الاقتصاد الأميركي بعد أن قرر الماسكون بزمام الأمور في البيت الأبيض أن يضخوا سبعمائة مليار دولار من أموال الأميركيين في شرايين مؤسسات اقتصادية عصفت بها أزمة الرهن العقاري التي بدأت في أميركا منذ قرابة عام. ويبدو أن خطة الإنقاذ المالي التي اقترحتها إدارة بوش وأقرها مجلسا النواب والشيوخ الأميركيان منذ أيام، قد تعجل بالمطالبة بوضع خطة أخرى تساعد واشنطن على انتزاع أقدامها من وحل حرب تكلف الميزانية الأميركية أكثر من ربع مليون دولار في الدقيقة، إذا احتسبت تبعاتها طويلة الأجل، مثل رعاية ضحاياها من الجنود والفوائد على الديون الفدرالية الناتجة عن الحرب. الأزمة والانتخابات وحتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة لن تسلم من موجات هذه الأزمة، حسب رأي الأستاذ بجامعة سارة لورانس في نيويورك الدكتور فواز جرجس، لأن "العامل الاقتصادي سيكون هو المحدد الأكبر فيها". فالمرشح الديمقراطي لهذه الانتخابات باراك أوباما –يضيف جرجس- يحمل مسؤولية هذه الأزمة المالية لإدارة الجمهوريين ويستفيد بطريقة غير مباشرة من نتائجها، على عكس منافسه جون ماكين الذي صوت لغزو العراق ومازال إلى الآن يدق طبول الحرب، "مما قد يجعله يدفع تكلفة باهظة". هذا الارتباط بين الأزمة المالية وإمكانية الانسحاب المبكر من العراق يعتقده أيضا أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج تاون الدكتور إبراهيم عويس، لكنه يؤكد أنه لا يمكن التكهن بأي شيء قبل الإعلان عن الرئيس الأميركي بعد اقتراع يوم 4 نوفمبر المقبل. ويتوقع عويس -في حال فوز أوباما- الإعلان عن الانسحاب سريعا من العراق، أما إذا وصل ماكين إلى منصب الرئيس فإنه من المستبعد في نظره أن يحدث انسحاب قريب، بل قد ينتظر العراقيون سنوات أخرى طويلة لترحل القوات الأميركية عن بلدهم. إرهاق مالي ويضيف عويس أن الوضع الحالي فيه إرهاق مالي كبير للولايات المتحدة الأميركية، ولو استمرت الأزمة واستمر تأثر الاقتصاد الأميركي بها فإنه من الصعب على واشنطن الاستمرار في الحرب ومن الممكن أن يتقرر سحب القوات الأميركية لتخفيف التكلفة. ويذهب جرجس إلى توقع نتائج وتبعات أكثر للأزمة المالية الحالية على السياسة الخارجية الأميركية، قائلا إن الحمى التي تشهدها الأسواق المالية سوف تؤثر على الإستراتيجية الأميركية في العالم كله، وليس فقط في العراق وأفغانستان. وبالإضافة إلى أن هذا الوضع الاقتصادي المتدهور يمكن أن يسرع بالانسحاب الأميركي من العراق، كما أنه قد يدفع إلى الأمام بعملية التفاوض السلمي التي يجري الآن الحديث عن إمكانية فتحها مع حركة طالبان في أفغانستان، فإن أي رؤية مستقبلية للإستراتيجية والسياسة الخارجية الأميركية سنجد فيها ولا شك بصمات الإعصار المالي الحالي، كما يرى جرجس.