بقلم: عاطف عبد الجواد الأزمة المالية في الولاياتالمتحدة تسبب ألما كبيرا لملايين الأميركيين إلا باراك اوباما. والألم يشمل المرشح الجمهوري جون ماكين. لكن المرشح الديموقراطي اوباما هو المستفيد الأكبر وهو المستمتع الأول. بدأت الأزمة عندما منحت البنوك قروضا عقارية للناس لشراء بيوت بسعر فائدة مخفض ، اقل من سعر الفائدة السائد في السوق ، فاشترى الناس بيوتا غالية الثمن بسعر رخيص. ولكن بعد ثلاث سنوات من شراء المنزل، ارتفع سعر الفائدة تدريجيا الى حد عجز فيه اصحاب البيوت عن سداد القسط الشهري للمنزل. اي انهم اشتروا منزلا سعره اربعمائة الف دولار، بينما هم اصلا لا يمكنهم الا شراء منزل سعره مائة الف دولار فقط. لكن الأزمة اتسعت الى قطاعات اخرى من اسواق المال والاقتصاد الأميركي. وعندما هيمنت الأزمة على الحياة اليومية الأميركية اصبحت ايضا القضية الاولي في الحملة الرئاسية بين ماكين اوباما. عندما كانت الحرب في العراق وقضايا الأمن القومي هي المهيمنة على الحملة الانتخابية، تمتع ماكين بميزة على اوباما تمثلت في خبرته السياسية والعسكرية الطويلة. وكان ماكين يعتقد في ذلك الوقت ان الاقتصاد لن يقفز الى صدراة الحملة، فاعترف شخصيا بأنه ليس خبيرا او عليما بشئون الاقتصاد. لكن الأزمة وقعت واحتلت صدارة الاهتمامات، وكيف لا والناس يفقدون بيوتهم ومدخراتهم واموال تقاعدهم. كيف لا والبنوك تفلس وتنهار، وصناديق المال تبحث عن منقذ. كيف لا والناس يدفعون ثمنا اكبر لشراء الطعام والبنزين والرعاية الطبية؟ فجأة اصبح احد مرشحي الرئاسة هو نفسه الرجل الذي قال إنه لا يعرف شيئا عن الاقتصاد. واصبحت الأزمة الاقتصادية هي ازمة انتخابية للجمهوري ماكين، ومكسب انتخابي لباراك اوباما الذي استمر منذ بداية الحملة يقول إنه يمثل الطبقة الوسطى والفقراء الذين يعانون من ارتفاع اسعار الطعام والبنزين والرعاية الطبية. لكن ماكين وجد نفسه امام معضلة اخرى وهي ارتباطه الوثيق بسياسات الرئيس الجمهوري جورج بوش. كثير من الناخبين يلومون هذه السياسات ويعتقدون انها السبب وراء الأزمة الراهنة. هذه السياسات تتلخص في مزيد من التخفيضات الضريبية، ومزيد من العجز في الميزانية ومزيد من الانفاق على الحرب، ومزيد من غض النظر عن الفساد المالي في وول ستريت، او اسواق المال الأميركية. ماكين يدعو الى مزيد من التخفيضات الضريبية ومزيد من الانفاق على الحرب ودور رقابي اقل للحكومة على اسواق المال وعلى مؤسسات الرعاية الطبية. ولكن، للإنصاف، فإن ماكين يدعو ايضا للحد من نفقات الحكومة في مجالات اخرى. في ظروف مالية واقتصادية موجعة للناخبين بدأت اعداد كبيرة منهم يتحولون الى معسكر اوباما الانتخابي. بعد ان كان العراق والأمن القومي هما محور الاهتمام بين الناخبين، اصبح الوجع الاقتصادي هو شغلهم الشاغل. واصبح اوباما هو المرشح المفضل بفارق يتراوح بين ستة وتسعة في المائة على المستوى القومي. بل إن الوجع المالي والاقتصادي في اميركا اليوم يدفع ولايات جمهورية تقليديا الى تأييد الديموقراطي اوباما. ونظرة اولية على الخارطة الانتخابية اليوم، وقبل شهر من موعد الانتخابات، توضح ان اوباما يضمن اليوم 250 صوتا من اصوات الكلية الانتخابية اللازمة للفوز بالبيت الأبيض وعددها 270 صوتا. وليس ادل على المحنة التي يواجهها ماكين من قراره هذا الأسبوع سحب حملته الانتخابية من ولاية ميشجان الصناعية التي تجسد كل الأوجاع الاقتصادية في اميركا، فهي ولاية مصانع السيارات وصناعات عديدة اخرى، ارتفعت فيها معدلات الباحثين عن عمل وقل فيها الانتاج وتبخرت فيها الدخول والمدخرات. وانسحاب ماكين من ميشجان يعني انه يسلم بأنه سوف يمنى بالهزيمة فيها حتى قبل شهر من موعد الانتخابات. ولاية اخرى هي فلوريدا التي صوتت للرئيس بوش ومنحته البيت الأبيض على طبق من الفضة قبل اربع سنوات وفي انتخابات العام 2000. اليوم يناضل ماكين للاحتفاظ بهذه الولاية ذات الشمس الدافئة والتي صوتت لصديقه بوش مرتين متتاليتين. ومن الولايات التي تصوت تقليديا للجمهوريين ولايتا فيرجينا و كولورداو، وكلتاهما تميل الآن صوب الديموقراطي اوباما. الانتخابات الرئاسية سوف تجري في الرابع من نوفمبر. وحتى ذلك التاريخ القريب قد تتغير عوامل اخرى، ولكن الأوجاع المالية والاقتصادية لن تتبخر خلال اقل من شهر. ويحاول الجمهوريون الآن بصورة مستميتة ان يعودوا الى اسلوب انتخابي قديم هو تصوير اوباما على انه المرشح صديق الإرهابيين. هذا الأسلوب اسمه اسلوب الخوف الذي استخدمه بنجاح جورج بوش مرتين. الفائز بالرئاسة في 4 نوفمبر المقبل سيكون نتاج صراع بين الجوع والخوف.