حصاد جلسات مجلس النواب خلال انطلاق دور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعي الثاني    وزير الأوقاف والمفتي يؤديان صلاة الجمعة بالمسجد الأحمدي بطنطا    الصحفيين: فتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي للنقابة الفرعية بالإسكندرية 7 أكتوبر    2.25 مليار دولار تمويلات من الشركاء الدوليين للاستثمار بالطاقة المتجددة ببرنامج «نُوَفِّي»    بعد الزيادة.. أسعار ومواصفات جيلي ستار راي 2025 بمصر    وزير الاتصالات يلتقي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا    أماكن منافذ بيع لحوم حياة كريمة في الشرقية.. أسعار مخفضة وجودة عالية    مصر ترحب بدعم مجلس الأمن لجوتيريش وتجدد تضامنها معه    "المرصد العربي" يناقش إطلاق مؤتمر سنوي وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان    باحث سياسي: الاحتلال الإسرائيلي عاجز عن دخول لبنان بريا    الكرملين: بوتين لا يعتزم إجراء أية محادثات مع رئيس وكالة الطاقة الذرية    القصف وصل لمنزله.. كواليس هروب نتنياهو إلى الملجأ خوفًا من القتل (فيديو)    "سيعتقد الناس أنني ملل".. إجابة ساخرة من سلوت حول تجديد عقد صلاح وفان دايك وأرنولد    تشكيل الأهلي والزمالك لقمة الدوري المصري للسيدات    جيفرسون كوستا: أسعى لحجز مكان مع الفريق الأول للزمالك.. والتأقلم في مصر سهل    لحظات صعبة لمهندس احتجز داخل مصعد عقار بالطالبية    مصرع شاب في تصادم دراجة نارية وتوكتوك بالغربية    قناة السويس تكشف حقيقة بيع مبنى القبة التاريخي    غدًا.. حفل ختام مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته ال 40    تامر حسني وابنه يظهران بالجلابية البيضاء: «كنا بنصلي الجمعة»    ب«إهداء 350 كتابًا».. جامعة القاهرة تبحث مع «النشر للشعب الصيني» مجالات الترجمة وتبادل الثقافات    "يقترب من مليون".. تعرف على إيرادات فيلم "عاشق" أمس    منظمة الصحة العالمية تحذر من خطر انتشار فيروس ماربورغ القاتل    نائب وزير الصحة: الدولة مهتمة بتعظيم الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    خبير: بعض اتهامات القرصنة بين أمريكا والصين غرضها «الدفاع»    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء بشمال سيناء    «بعد التوقف».. سلوت يثير الجدل بشأن تجديد عقد محمد صلاح    بالأرقام.. نتائج فحص حالات لسيارات ذوي الهمم خلال السنوات الثلاث الماضية    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    بالصور- ضبط 4.5 طن لحوم ودواجن فاسدة بالمنوفية    عادل حمودة: أحمد زكي كان يندمج في التمثيل إلى درجة المرض النفسي    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    واعظ بالأزهر: «الوسطية» منهج رباني لإصلاح أحوال الناس    عاجل.. أول رد من الأهلي على عقوبات مباراة بيراميدز.. طلب خاص لاتحاد الكرة    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    حملة للتبرع بالدم في مديرية أمن البحر الأحمر لإنقاذ حياة المرضى    ضمن «حياة كريمة».. فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    الاستعلام عن حالة فتاة سقطت من شرفة منزلها بأكتوبر.. وأسرتها: اختل توازنها    في يوم الابتسامة العالمي.. 5 أبراج تحظى بابتسامة عريضة ومتفائلة للحياة    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    اللجنة الأولمبية الجزائرية: ما يحدث مع إيمان خليف حملة ممنهجة    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    «الأوقاف» تفتتح 25 مسجدًا في عدد من المحافظات اليوم    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    تحقيق عاجل في مصرع وإصابة 7 في انقلاب سيارة ميكروباص بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    الأنبا عمانوئيل يهنئ رئيس الجمهورية وقيادات الدولة بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    أسعار الأسمنت اليوم الجمعة 4-10-2024 في محافظة الدقهلية    حقيقة نفاد تذاكر حفلات الدورة 32 من مهرجان الموسيقى العربية.. رئيس الأوبرا ترد؟    أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم الجمعة 4-10-2024    لازم يتجوز.. القندوسي يوجه رسائل إلى كهربا لاعب الأهلي (فيديو)    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    دعاء يوم الجمعة.. تضرعوا إلى الله بالدعاء والصلاة على النبي    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    لاتسيو يسحق نيس ويتصدر الدوري الأوروبي    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدى قرقر يكتب : التنمية الاقتصادية من منظور الاستقلال الوطني (2)
نشر في الشعب يوم 17 - 05 - 2014

الاستقلال الاقتصادي صنو الاستقلال السياسي ويتبنى منهج التنمية المستقلة الشاملة المستدامة
نحن بحاجة للتكنولوجيا كثيفة العمالة قليلة رأس المال بديلا عن تكنولوجيا الغرب التي تزيد البطالة وتستنزف الثروة
ثروات مصر تبدد بشراسة وبلاهة وعمالة تفوق الخيال
الاستقلال الاقتصادي يعني أن تقوم علاقتنا على أساس الاعتماد المتبادل والمصالح المشتركة والتكافؤ والاحترام والندية واحترام خصوصية الآخر وعدم التدخل في شئونه الداخلية وتعدد مصادر التعاون
الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة لن يتم تجاوزها جذريا إلا عبر تغيير جوهري في السياسات العامة للدولة والابتعاد عن روشتة صندوق النقد والبنك الدولي وإنهاء السيطرة الأجنبية على اقتصادنا
التكنولوجيا المناسبة للتنمية يجب أن تعتمد على الخامات المحلية لا المستوردة حتى نعود للقرية المصرية المنتجة
الاستقلال الاقتصادي لا يتحقق بعيدا عن الاستقلال التكنولوجي
الغرب يستهدف اقتلاع أمتنا من جذورها واستراتيجيتنا في المواجهة هي "تنمية البقاء" بانتاج "الغذاء والدواء والسلاح" كما قال الدكتور مرسي فك الله أسره
الملك فيصل أفحم كيسنجر برؤيته لاستراتيجية البقاء بقوله: "ألا تعرف أننا بدو نعيش في الخيام على الأسودين التمر واللبن؟"
التنسيق في خطط التنمية الاقتصادية على المستوين العربي والإسلامي هو المخرج الوحيد لحل المشكلات التي تواجه عالمنا الإسلامي
في قضية الاستقلال الوطني كتبنا مقالتين، الأولى بعنوان "الاستقلال الوطني قضية حزب الاستقلال المحورية ضمانا للحاضر والمستقبل" تعرضنا لرؤية حزب الاستقلال التي تخرجنا من دوائر التبعية للغرب المهيمن على العالم باستقلالنا الوطني وأنها قضية محورية في تاريخ الحزب بمراحله المختلفة منذ حزب "مصر الفتاة" و "حزب العمل" إلى "حزب الاستقلال" وأن حزب الاستقلال امتداد لتاريخ طويل من نضال تيار الوطنية والإسلام في مصر والذي بدأ بالثورة العرابية وزعيمها الوطني أحمد عرابي مرورا بزعيم مصر الوطني الشاب مصطفى كامل وخليفته الوطني الزاهد محمد فريد ثم الأب الروحي لحزب العمل والاستقلال الزعيم المصري "أحمد حسين" ونائبه المجاهد إبراهيم شكري ورفيق كفاحهما الدكتور محمد حلمي مراد - راهب الوطنية المصرية - ثم الزعيم المجدد "عادل حسين" وأخي المجاهد رئيس الحزب "مجدي أحمد حسين" وقيادات وكوادر الحزب التي لعبت دورا كبيرا في إرهاصات ثورة 25 يناير المجيدة. ثم أشرنا في المقال إلى أن "الحرية باب الاستقلال والعبودية باب التبعية" وأن حكامنا لم يذوقوا طعم العبودية لله ولم يعرفوا قيمتها فجعلوا من أنفسهم طواغيت يستعبدوننا، وعبيدا أذلاء أمام قوى الاستكبار العالمي، وأكدنا على رفض التبعية وأية علاقات خاصة مع أمريكا سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وخلصنا إلى أن مقاومة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة فرض عين على كل عربي وأن الأمن المصري يتطلب تكاملا عربيا وإسلاميا وانتهينا إلى أن إستراتيجيتنا البديلة في الاقتصاد هي إستراتيجية الاعتماد على الذات.
وفي مقالنا الثاني بعنوان "التنمية الاقتصادية من منظور الاستقلال الوطني" تعرضنا للمحاور التالية:
أولا - مفهوم الاستقلال الوطني
ثانيا - الهدف من التنمية
ثالثا - مدخل إسلامي إلى التنمية ( مقياس التنمية - عناصر الاقتصاد )
رابعا - مفهوم التنمية الشاملة المستقلة المستدامة. من منظور إسلامي
ولتحديد مفهوم التنمية حاولنا الإجابة على بعض الأسئلة :-
1 – هل التنمية هي زيادة الإنتاج وهل مقياس التنمية بتعظيم العائد المادي هو المقياس الوحيد ؟
2 – هل التنمية هي استخدام التكنولوجيا المتقدمة ؟
3 – هل التنمية هي اللحاق بالدول المتقدمة ؟
4 – نطاق التنمية المطلوبة .. هل مطلوب تحقيقها على المستوى الوطني أم المستوى الإقليمي أو العربي أم المستوى الإسلامي؟
وتوقفنا عند السؤال الثاني.
ثم نأتي للسؤال الثاني: هل التنمية هي استخدام التكنولوجيا المتقدمة ؟
إن التكنولوجيا المطلوبة يجب أن تتناسب مع واقع المجتمع واحتياجاته، ولذا فإن محاولات التنمية كثيرا ما تبوء بالفشل خاصة وأنها لا تخرج عن إطار نقل النماذج الغربية المستوردة دون أن نراعي خصوصية مجتمعاتنا، فاستيراد التكنولوجيا كثيفة رأس المال قليلة العمالة لا تتناسب مع المجتمعات التي بها بطالة حيث أن الأصح هو الأخذ بالتكنولوجيا كثيفة العمالة والتي لا تتطلب رأس مال كبير ففي مصر مثلا قد يصل رقم البطالة إلى حوالي 6.00 مليون عاطل، فهل تتناسب التكنولوجيا كثيفة رأس المال قليلة العمالة مع ظروف المجتمع المصري ؟!. إن نمط التكنولوجيا الغربية تزيد البطالة وتستنزف الثروة.
ثم هل نستخدم الخامات المستوردة أم المحلية؟ هل نستخدم خيوط الغزل الصناعي المستوردة ونهمل زراعة القطن طويل التيلة المتميز عالميا ونهمل بالتبعية صناعة الغزل؟ هل نستورد "الحصير" البلاستيك ونهمل صناعة الحصير المحلي الذي يعتمد على المنتجات الزراعية؟ لماذ لا نتوسع في زراعة الكتان وجريد النخيل وغيرها من الزراعات التي كانت أساسا للصناعات المحلية الصغيرة في القرية المصرية المنتجة؟
تشير الورقة الإقتصادية للمؤتمر العام الخامس لحزب العمل عام 1989 إلى: "إلا أن الاستقلال الاقتصادي لا يرتكز على إنتاج الغذاء وحده، وإن مثل ذلك أولوية أولى.ولكن الاستقلال الاقتصادي يتطلب في عصرنا إلى جانب ذلك استقلالا تقنيا - تكنولوجيا - لقد أعلنا أننا نرفض عبادة الغربيين لمعدلات النمو في دون الله، وهذا الموقف لا يعني تجاهلا لأهمية تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وما نرفضه هو أن تصبح المعدلات هدفا في حد ذاته، وأن نذبح عند محرابها كل قيمنا ومثلنا، وإذا كنا نسعى إلى رفع معدلات التنمية فإن استمرار سيطرة الغرب على التفوق التقني التكنولوجي، واستمرار أمتنا في موقع التلميذ المتلقي، يفضي إلى تبعيتنا لهم رغم كل ما نعلنه من نوايا استقلالية نبيلة. والتخلص من التبعية التقنية يبدأ بالحذر واليقظة عند التعامل مع الشركات الدولية العملاقة التي تكاد تحتكر سوق التقنية، فهذا الحذر يؤدي إلى تحسين شروط التعامل مع هذه الشركات اقتصاديا وسياسيا، فلا نستورد إلا ما نقرر نحن أنه يلزمنا فعلا، وإذا استوردنا، حاولنا أن يكون الاستيراد لأفضل المعروض وبأنسب الأسعار".
وتضيف ورقة حزب العمل "ينبغي أن نعلم أن التكنولوجيا تختلف باختلاف الزمان والمكان، فالتطوير التقني الذي يقع عليه الاختيار في بيئة طبيعية معينة قد يكون مرفوضا في بيئة أخرى.وكذلك فإن ما يقبل في أمة معينة قد لا يقبل في أمة أخرى تختلف عن الأولى في أهدافها وقيمها. إن بعض الآلات المخترعة وما يصاحبها من تنظيمات ملائمة للعمل قد تحدث إنتاجا كبيرا بتكلفة اقتصادية تبدو قليلة، ولكنها قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في البطالة أ أو قد تؤدي إلى إهلاك أشجار أو تبوير أرض زراعية، وفي الغرب لم يكونوا يترددون أمام اختيار هذا النوع من الآلات، فالأصول الفكرية الدنيوية والمادية وما يتفرع عنها من نفعية مباشرة وقصر نظر، لا تهتم بالأجيال التالية وحقوقها، هذه الأصول وفروعها لا تدعهم يترددون في الاختيار، ولكن وفق قيمنا ومبادئنا لابد من أن نرفض هذا النمط من التقنية ونعتبره ضمن مفهوم : (الإفساد في الأرض )، و ( أكل مال اليتيم )، فالتقنية التي تختارها أمتنا ينبغي أن ترعى حرمة البيئة التي ائتمننا الله عليها ولا نشوه أو نستنزف الثروة التي استخلفنا بشأنها ( البترول المصري والعربي مثلا ) حتى وإن أدى ذلك إلى رفع التكلفة وتقليل حجم الناتج، لأن مفهوم التقنية الذي يتقيد بنظريتها الحضارية الإسلامية وبمثلها هو المضمون الأعمق لتخلصنا من التبعية للغرب في هذا المجال الحيوي".
السؤال ثالث حول مفهوم التنمية- هل التنمية هي اللحاق بالدول المتقدمة ؟
وقد أجاب على هذا السؤال أستاذنا الفاضل دكتور / سيد دسوقي – رئيس قسم هندسة الطيران الأسبق بكلية الهندسة - جامعة القاهرة والذي قسم مستويات التنمية إلى ثلاثة مستويات ( تنمية البقاء – تنمية النماء – تنمية السبق )
أمتنا الإسلامية يستهدف اقتلاعها من جذورها، أعدائها يستهدفون القضاء عليها وفناءها، إذن فقضيتنا الأولى هي البقاء ولكي نبقى.علينا أن نتشبث بأرضنا وبجذورها كما تشبث "محمود أبو سويلم - محمود المليجي" بالأرض حتى سالت الدماء من يداه ووجهه وجسده في فيلم يوسف شاهين "الأرض"، إنه نموذج الشعب الفلسطيني الصامد المتشبث بأرضه في مواجهة الاحتلال الصهيوني والآلة العسكرية الأمريكية، نموذج كل القوى المقاومة التي ترفض التفريط في أرضها ووطنها.
هل نضع مقدراتنا في يد أعدائنا ؟ هذه هي التبعية بعينها، حرية اتخاذ القرار أو الإرادة التي أشرنا إليها في بداية الدراسة وهي قرين الاستقلال كأهم عامل من عوامل الأمة في التنمية المستقلة.
إن علينا أن نوفر غذائنا لكي نبقى "استراتيجية البقاء" وفي هذا يجب أن تعمل التنمية، أما أن نستورد غذائنا من قمح وأرز ولحوم وخلافه فإن هذا يجعل قرارنا في يد غيرنا … وبعد أن نحقق تنمية البقاء يمكن أن نعمل لتنمية النماء التي تنمي مواردنا تمهيدا للحاق بالدول المتقدمة وتمهيدا لتنمية السبق لتعود حضارتنا الإسلامية إلى سابق مجدها أيام كان الغرب في عصوره الوسطى المظلمة. أما تنمية السبق كحرب النجوم - على سبيل المثال - فهذا نوع من الترف والفانتازيا الساخرة.
يحضرني هنا في نموذج تنمية البقاء موقف الملك فيصل - عاهل المملكة السعودية - من الولايات المتحدة، فعندما قاد الملك فيصل معركة النفط بقطع البترول عن أوربا وأمريكا إبان حرب أكتوبر 1973 كانت هناك محاولات أمريكية لثني الملك عن قراره الجرئ والشجاع. يقول وزير الخارجيه الأمريكي الصهيوني الأسبق هنري كسينجر في مذكراته أنه عندما إلتقى الملك فيصل في جدّه , عام 1973 م في محاوله لإثنائه عن وقف ضخ البترول , رآه متجهما ً , فأراد أن يستفتح الحديث معه بمداعبة فقال ”إن طائرتي تقف هامده في المطار بسبب نفاد الوقود, فهل تأمرون جلالتكم بتموينها وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحره ؟! يقول كيسنجر : ” فلم يبتسم الملك , بل رفع رأسه نحوي , وقال :وأنا رجل طاعن في السن ,وأمنيتي أن اصلي ركعتين في المسجد الاقصى قبل أن أموت فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنيه؟ وقتها أدرك كيسنجر أن أسلوب الجزرة لم ينفع فلجأ إلى العصا وإلى الأضرار التي ستلحق بالمملكة نتيجة قطعها لإمدادات البترول، هنا أفحمه الملك فيصل برده الذي يعكس رؤيته لاستراتيجية البقاء كأفضل ما يكون بقوله: "ألا تعرف أننا بدو نعيش في الخيام على الأسودين التمر واللبن؟" هنا أفحم كيسنجر وحمل عصاه وجزره عائدا إلى بلاده بعد أن لقنه الشيخ الكبير درسا لا ينساه في الاستقلال الوطني وفي التنمية.
فإذا أتينا للسؤال الأخير في مفهوم التنمية وعن نطاق التنمية وهل تكون على المستوى المحلي أم على مستوى الدائرة العربية أم الدائرة الإسلامية.
نجد أن التنسيق في خطط التنمية الاقتصادية على المستوين العربي والإسلامي هو المخرج الوحيد لحل المشكلات التي تواجه عالمنا الإسلامي ذلك أن ما تفتقده إحدى الدول من عناصر القوة أو التنمية يتوافر لدى الدول الأخرى، لماذا نضيق واسعا ؛ إن الدوائر المحلية والعربية والإسلامية يجب ألا تتعارض أو تتقاطع ولكن الواجب هو أن تتكامل هذه الدوائر، فإذا تعارضت المصلحة المحلية مع صالح الأمة الإسلامية يجب أن تكون الغاية هي صالح المجموع ممثلا في الأمة الإسلامية.
وفي عجالة أشير هنا إلى مشروع "الدول الثماني الإسلامية" الذي تبناه البروفسير نجم الدين أرابيكان - رئيس وزراء تركيا الأسبق رحمه الله - والذي وئد بوفاته وبضعف مصر التي كانت مؤهلة لقيادة هذه المجموعة بعد وفاته.
كما أشير هنا إلى مشروع حزب الاستقلال ومن قبله حزب العمل والخاص بالمثلث الذهبي ( مصر - ليبيا - السودان ) حيث ( القوة البشرية والخبرة – القوة المادية والطاقة – وحيث الأرض والمياه ) هذا المشروع لو تم لما ضاع السودان منا والذي ضيعه نظام مبارك والذي وجه وجهه جهة الشمال والغرب حيث أوربا وأمريكا وجهة الشمال الشرقي حيث الكيان الصهيوني، وأعطى ظهره للجنوب والشرق حيث السودان ودول حوض النيل وإفريقيا وحيث أسيا.
لو أنجز مشروع المثلث الذهبي الذي نادت به مصر الفتاة ومن بعدها حزبي العمل والاستقلال لتحقق التكامل الحقيقي بين مصر والسودان، ولتم تأمين مياه نهر النيل، ولرفع الحصار المفروض على السودان وحافظنا عليه موحدا، ولحلت مشكلة عدم توفر البنية الأساسية والتي تشكل معوقا كبيرا من معوقات التنمية، ولتم أيضا تأمين الحدود الليبية الجنوبية، بل ولتم توظيف جزء من أموال الخليج التي تستثمر في الغرب.
خامسا- الاستقلال الاقتصادي صنو الاستقلال السياسي ويتبنى منهج التنمية المستقلة الشاملة المستدامة
وعملية التنمية عندنا لابد أن تكون مستقلة – كما سبق أن أوضحنا – أي نحن الذين نقرر محتوياتها وتخطيطها ومع معتقداتنا ومثلنا، ولا نترك هذه المهمة للبنك الدولي أو لوكالة التنمية الأمريكية أو الشركات الأجنبية، كما يحدث الآن.
والاستقلال الاقتصادي يعني تحقيق التوازن وأن تقوم العلاقة بيننا وبين الآخرين على أساس الاعتماد المتبادل والمصالح المشتركة في تكافؤ واحترام وندية واحترام خصوصية الآخر وعدم التدخل في شئونه الداخلية وأن تتعدد مصادر التعاون حتى يمكننا تحقيق هذا التوازن، والحديث النبوي الشريف يشجعنا على هذا "اليد العليا خير وأحب إلى الله من اليد السفلى"
تشير الورقة الإقتصادية للمؤتمر العام الخامس لحزب العمل عام 1989 إلى أن قضية الاستقلال الاقتصادي لم تكن واردة في الأمم القديمة، فحيث كان انتقال السلع بين مجتمعات محدودا، ولم يكن ممكنا أن يعتمد مجتمع في رغيف خبزه على قمح أو ذرة مستوردة من بلاد بعيدة، ولكن في عصرنا الحالي أصبح هذا ممكنا، إذ أصبح بوسع البلد المستورد أن يعرف ما إذا كان البلد الذي سيشتري منه القمح يملك فائضا للتصدير أم لا، وهو يعرف بالدقة وفي الوقت المناسب متى سيصل القمح وبأي كمية، ومع وسائل النقل والمواصلات الحديثة أصبح بوسعه أن يتأكد من تنفيذ ما اتفق عليه، ومن أنه سيعلم إذا طرأ ما يدعو لتأخير التنفيذ. كل هذه الظروف لم تكن قائمة في الماضي، ولذا كان على كل مجتمع بشري أن يحقق اكتفاءا ذاتيا في المنتجات الأساسية، وإذا لم تساعده البيئة المحيطة على تحقيق ذلك كان انتقال البشر في هذه الحالة أسهل من انتقال المنتجات، فكانت هجرات البشر تنتقل بهم من بيئة أخرى تملك مصادر أفضل للحياة والاستقرار.
وتضيف الورقة: إن هذا الأمر، أي حمل رسالة الإسلام والجهاد في سبيلها، يتطلب من الناحية الاقتصادية أن نملك القدرة على أن نعتمد على أنفسنا، ويجب ألا نترك لأعدائنا فرصة أن يذلونا ويجوعوننا. والاستقلال هو أول الأهداف التي يحرص الاقتصاد الإسلامي على تحقيقها، ثم تتوالى بعد ذلك الأهداف الإسلامية الأخرى. وغني عن البيان أن نظم الحكم الحالية أورثتنا أوضاعا اقتصادية متدنية، فالثروات تبدد بشراسة وبلاهة تفوق الخيال، وما يبقى بعد كل أشكال التبديد يتصرفون فيه على نحو يزيد المشاكل تفاقما، والحل الإسلامي الذي يتبناه حزب العمل لا يمكن أن يكون عصا سحرية تخرج البلاد من كل هذه الأزمات في لحظة واحدة أو في إجراء واحد.وكذلك فإن مشاكل البطالة والغلاء والإسكان وانخفاض الإنتاجية والتفاوت الواسع في مستويات الدخول والاستهلاك، إلخ كلها متشابكة، ولا يمكن أن تحل إحداها بمعزل عن معالجتنا للمشاكل الأخرى. وعلى هذا فإن الحل الإسلامي لمشاكل الاقتصاد يتطلب فترة زمنية ممتدة، وكذلك فإن الحل لابد أن يكون شاملا لكل عناصر الموقف الاقتصادي، بل لابد أن يصل إلى كل حياة المجتمع.( المؤتمر الخامس لحزب العمل 1989).
ثم تضيف ورقة حزب العمل: " وفي حين أن التبعية السياسية ( الإمبراطوريات ) كانت قائمة منذ أزمان سحيقة، فإن التبعية الاقتصادية لم تظهر إلا في عالمنا المعاصر ذي العلاقات المتشابكة، وأصبح هناك خطر الوقوع في براثن الاستغلال بسبب الخضوع والتبعية لطواغيت هذا العالم المعاصر، ويهدف جهادنا لتحقيق الاستقلال إلى منع هؤلاء الطواغيت والشياطين الكبار من استخدام الغذاء وما أشبه، وسيلة للضغط والابتزاز - كما يحدث في مصر اليوم - فيهددوننا بالتجويع إذ نحن عارضنا مخططاتهم، ونحن لا يمكن أن نحقق أمر الله فينا، ولا يمكن أن نعلي كلمة الله، إذا كنا أصحاب يد سفلى في العلاقات الاقتصادية الدولية".
إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة لن يتم تجاوزها جذريا إلا عبر تغيير جوهري في السياسات الاقتصادية العامة، ذلك أن سياسات الحكومات المصرية المتعاقبة اعتمدت بشكل أساسي على الاقتراض من الداخل والخارج حتى بلغ الدين قرابة 2000 مليار جنيه أي حوالي 300 مليار دولار ( ربعها دين خارجي والباقي دين داخلي) ، وكذلك الاعتماد على موارد إنتاجية غير مستقرة (السياحة- قناة السويس- تحويلات المصريين بالخارج) وهي القطاعات التي ضربت نتيجة للانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013.
ولن ينطلق اقتصاد البلاد ولن يتم تجاوز حالة التردي هذه إلا من خلال سياسات تعتمد على تشجيع الإنتاج والمشروعات الإنتاجية الوطنية في مختلف المجالات الزراعية والصناعية بدلا من الاعتماد على التوكيلات الأجنبية.
يقول أخي الأكبر الأستاذ مجدي حسين رئيس الحزب: إن التجارب الأسيوية الناجحة اعتمدت على التدخل النشيط للدولة في توجيه عملية التنمية حتى في ظل انتشار القطاع الخاص، واعتمدت على الإصلاح الجذري لنظام التعليم، والتركيز على تطوير أجهزة البحث العلمي، والاستفادة من الاستثمار الأجنبي باكتساب الخبرة منه ونقلها للقطاع الوطني، دون الاعتماد الأبدي أو التواكل على الاستثمار الأجنبي. وهذا هو جوهر الكارثة المصرية فالسياسات الرسمية عملت في بلادنا على خط مستقيم عكس ذلك، فرفعت الدولة يدها عن توجيه العملية الاقتصادية وتركت أحوال الاقتصاد لعصابات السلب والنهب والاحتكار، وتدهورت العملية التعليمية وانقطعت صلتها بمتطلبات التنمية، بينما تكاد تصل ميزانية البحث العلمي إلى صفر كبير (0.2%)، وجعلنا الاستثمار الأجنبي بديلا لانطلاق الاستثمار الوطني، بينما لم يهتم الأجنبي إلا بالصناعات الاستهلاكية، والتي تكفلت بضرب الصناعات الاستهلاكية الوطنية. بل وأكثر من ذلك بلغ سفه الحكام في تبديد الموارد المصرية في مشروعات استعراضية لم تفض إلا إلى تبديد المليارات بلا طائل فيما يسمى المشروعات القومية التي ثبت فشلها جميعا: توشكي - شرق التفريعة - ترعة السلام - حديد أسوان.. الخ الخ، إننا نرى أن التنمية الاقتصادية لا تتم بدون الاعتماد على الذات
ويضيف مجدي حسين: إننا نرى في حزب الاستقلال أن أي حديث عن النهضة الإسلامية يكون بلا معنى حقيقي ما لم يشمل مشروعنا اقتصادا وطنيا مستقلا ناميا يغنينا عن سؤال أعدائنا، وتأسيسا على ذلك يكون برنامجنا للإصلاح الاقتصادي وفق مبدأ الاعتماد على الذات في الإنتاج في المجالات كافة حسب الأولويات الإسلامية: الضروريات ثم الحاجيات بما يعنى التركيز على مشروعات الإنتاج الغذائي والسلاح والمساكن والملابس الشعبية ومستلزمات الإنتاج المختلفة وكافة المشروعات الضرورية لحاجات الإنسان الأساسية.
هذا الحديث عن تنويع هيكل الإنتاج المحلي – بحيث يسد حاجتنا الأساسية – وما أضفناه من تطور تكنولوجي مستقل، يذكرنا بأهمية توسيع دائرة الإمكانات المادية والبشرية التي ستند إليها مشروع الاستقلال، وبالتالي أهمية التحرك التعاوني والوحدوي في المنطقة العربية، فالمهام الاقتصادية المقترحة تتطلب ذلك بالضرورة، وهذه التوجيهات وغيرها تتطلب إدارة مستقلة وعلى مستوى عال من الإخلاص والكفاءة.
إنهاء السيطرة الأجنبية على اقتصادنا
إذا كان طريقنا في التنمية المستقلة يهدف إلى تأكيد البعث الحضاري الإسلامي، فإن نصائح الخبراء الأجانب في مجال تحديد المعالم الاستراتيجية لهذا الطريق تصبح لغوا لا محل له.
قد نحتاج خبرة أجنبية في بعض نواحي الإنشاء والتركيب والإدارة لهذه الوحدة الإنتاجية أو تلك ولكن معالم التخطيط الإستراتيجي للتنمية المستقلة ومراحله، لا يحددها إلا رجال العلم المرتبطون قلبا وقالبا بأهداف المشروع الإسلامي.إلا أن هذه الإدارة الوطنية للاقتصاد يستحيل عليها أن تحقق نتائجها بل يستحيل عليها أن تحصل على المعلومات المطلوبة عن المشروعات الاقتصادية المختلفة إذا كانت مفاتيح هذا الاقتصاد ومفاتيح معلوماته بيد الدوائر الأجنبية.
مصادر الثروة والدخل لابد أن تكون في يد وطنية خاضعة فعلا ( وليس شكلا فقط ) للإدارة المصرية ولقوانينها وسياستها.وليس مطلوبا أن تكون كل مصادر الثروة والدخل في يد الدولة، بل هذا مرفوض نقلا وعقلا ولكن ما نطلبه هو إبعاد الدوائر الأجنبية عن المشاركة في ملكية هذه المصادر ( إلا ما كان على سبيل الاستثناء ) ثم تقسيم الأدوار وفق قواعد واضحة بين القطاع العام الوطني والقطاع الخاص الوطني.
وقد خرجنا في مصر عن هذا المبدأ حيث توسعنا في الاستعانة بالقروض الخارجية، وفرض علينا مع هذا كله الامتثال لتعليمات الخبراء الأجانب من كل صنف، وكل هذا ابتعاد واضح عن احتمالات المسار المستقل ويعرضنا للهلاك والبوار.وإذا كان ابتعاد الأجانب عن المواقع المختلفة أمرا مطلوبا، فهو في مجالات البنوك والتجارة الخارجية أوجب، إن الأجانب لا يديرون التجارة الخارجية حاليا بشكل مباشر ولكن تدخلهم غير المباشر كثيف ومؤثر.
وبالنسبة للبنوك المصرية فإن تقييد علاقاتها المتنوعة بشبكة البنوك الدولية أمر ضروري وملح ومع استقلالية هذا الجهاز المصرفي وخضوعه لإشراف البنك المركزي يمكننا بالفعل توجيه مجهودات التنمية الشاملة ويمكننا بالتالي أن نعبئ المدخرات القومية المبددة والمبعثرة ويمكننا أن نستعيد القسم الأكبر مما هرب ويمكن توجيه ذلك إلى مشروعات مفيدة للأفراد من أصحابها وللمجتمع، وهذه الحالة الديناميكية التي يتدافع فيها الأفراد للمشاركة النشطة في العملية الاقتصادية هي السبيل لإنهاء الربا فيبارك الله في دخلنا ويحقق الجميع دخلا متزايدا حلالا.
ومازاتل للحديث بقية
والحمد لله رب العالمين
القاهرة 17 مايو 2014
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.