كثيرٌ من شباب الأمة العربية يعيش حالة من التخبط الفكري و جوا من الالتباس والخلط والاحتقان وعدم الفهم !! وإذا سألت أحدهم عن رأيه في أحداث مصر و العالم العربي والإسلامي ؟ يجيبك بكل حيادية وتملص قائلا: " أنا مليش في السياسة، أنا من حزب الكنبة، وأرى أن الجميع مخطئون، وعليا بإصلاح نفسي فقط ؛ لو كل إنسان قام بإصلاح نفسه؛ سينصلح كل المجتمع، وبالتالي سينصلح العالم كله، ويكفيني أن أقوم بفرائض الدين وأصلي وأصوم ".. * طبعاً هذا الكلام به كثير من الالتباس وعدم الوعي ... وشيء مُحزن أن يكون هذا هو فهم شبابنا للإسلام... !! و أقول لمثل هؤلاء الشباب: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ثم إن الشأن السياسي من صميم الدين الإسلامي، واختيار الراعي الصالح من صميم الدين؛ فإذا صلح الراعي صلحت الرعية وإذا فسد فسدت الرعية.. واختيار القادة الصالحين في كل مجال بالطرق الديمقراطية المتعارف عليها دوليا الآن هي في الأصل من صميم الدين الإسلامي، بل هو واجب ديني أوجبه علينا الإسلام .. و المشروع الديمقراطي هو مشروع ذاتي للأمة العربية والإسلامية يجب أن يحمله العلماء الشرفاء، والمثقفين، والعناصر الواعية من الأمة؛ للضغط على الأنظمة من أجل انتزاع الحريات والعدل الاجتماعي.. فالديمقراطية تتناقض بطبيعتها مع عقلية الإقصاء أو الاستثناء، فلا يمكن لأي ديمقراطي أن يؤمن باستثناء أي طرف سياسي ما دام يعمل في إطار القانون وينبذ العنف، و من يدعو إلى الاستثناء فهو غير ديمقراطي، مهما لبس من عباءة، ومهما ادعى أنه ديمقراطي وأنه يؤمن بالديمقراطية، فكيف لمن يؤمن بالديمقراطية: أن يستثني أي طرف، علمانيا كان أو إسلاميا أو شيوعيا، فهذا ليس بديمقراطية ؟! .. * فالديمقراطية تعني: عدم الاستثناء، والأخذ برأي الأغلبية.. والديمقراطية تعني أن الحرية للجميع وحق الجميع في التعبير وحق الأغلبية في تقرير المصير، مع أنها ينبغي أن تحترم حقوق الأقلية، فليس لها أن تقرر ما تريده من غير حدود فتعتدي على حقوق غيرها من الأقليات، في الديمقراطية الحقة لا يمكن أن يكون هناك أي استثناء لأي مجموعة كانت ما دامت تعمل في إطار القانون وترفض استعمال العنف، والديمقراطية تعني أن يعبر كل تيار موجود عن رأيه بحرية، وأن يشارك في صناعة مستقبل بلده، فالديمقراطية ترفض الاستثناء أو الإقصاء لأحد. * فبعض نظم الحكم العربية ترتكز على الشرعية الدينية، لكنها تعطل وتقف ضد الشرعية الشعبية ومبادئ الديمقراطية الحقيقية؛ بسبب التشبث بالحكم وتوريثه، وهنا يبرز الدور الأكبر لعلماء الأمة الإسلامية في ضرورة تأصيل الديمقراطية من خلال الإسلام في أذهان الناس؛ ليتيقن الشباب وكل الأمة أن( الديمقراطية من صميم الدين الإسلامي الحنيف )و أنها واجب ديني، أوجبه عليهم الإسلام، وهي من أهم حقوقهم الشرعية التي تضمن لهم الأمن والعدل الاجتماعي، وتضمن لهم صون عزتهم وكرامتهم .. فعندما يتيقن كل مسلم بأن الديمقراطية: واجبا دينيا مثل الصلاة والصوم والزكاة؛ سيناضل من أجلها فهي المبايعة والانتخابات النزيهة والشورى، وهي من أساسيات الدين الإسلامي، و بها يتمكن المسلمين من الضغط على الأنظمة الحاكمة بكل الوسائل السلمية من أجل إحداث التحول الديمقراطي النزيه في بلادهم . * من هنا تأتي ضرورة السؤال: كيف نفهم الإسلام في القرن الواحد والعشرين؟ كيف نطبق المُبايعة والشورى ؟ بل كيف نفهم المبايعة والشورى ؟....، فعشرات الآيات والأحاديث تتحدث عن هذا، وعن العدل والقسط .. قال تعالى: ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا، ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما ).[ الفتح:18،19]، وفي سورة الشورى قال تعالى: ( و الذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) [ آية 38]، نحن المسلمون للأسف نفتقد قيمة العدالة التي يتمتع بها العالم الغربي؛ هم اقتبسوا منا مبادئ الإسلام وطبقوها، ونحن تخلينا عن واجبات وأساسيات إسلامنا !! * فكيف نقيم النظام الإسلامي العادل الشامل؛ ليصبح لدينا عدالة في عالمنا العربي والإسلامي ؟ في عالمنا: الشخص القوي هو الذي يأخذ حقوقه بالقوة وبالعلاقات و الوساطة، أما الشخص الضعيف محروم من حقه في العدل !! فالإسلام ليس فقط منظومة تعبدية محصورة في الصلاة والصوم والزكاة، بل الإسلام يدعو إلى نظام عادل، وإلى مجتمع مؤسس على العدل والمساواة والدفاع عن حق المظلوم.