تراجعت أرصدة التسهيلات الائتمانية التى قدمتها البنوك الى كل قطاعات النشاط الاقتصادى ، خلال الفترة من يوليو الماضى وحتى نوفمبر الماضى ، والتى تمثل الشهور الخمسة الأولى للانقلاب العسكرى ، سواء لقطاع الصناعة أو التجارة أو الخدمات أو الزراعة أى حتى العالم الخارجى بالنسبة للأجانب المقيمين بمصر . الأمر الذى انعكس سلبا على الأنشطة الاقتصادية ، والتى تعانى أصلا من الاضطرابات الأمنية والاضطرابات العمالية ، وانخفاض التصنيف الائتمانى لمصر بالعالم ، مما يعنى صعوبة الاقتراض من الخارج ، وزيادة تكلفة الواردات وضرورة الدفع المسبق لقيمة ما تستورده من خامات وسلع وسيطة أو مصنعة . ولهذا اضطرت كثير من الشركات للتخفيض الجزئى للإنتاج ، بما استتبعه ذلك من استغناء عن جانب من العمالة ، كما اضطرت بعضها للإغلاق الكلى ، بما أضر بدخول العاملين بها وانضمامهم لصفوف العاطلين . - والمعروف أن البنوك تقوم باحتساب الفوائد على ما تقوم بإقراضه للعملاء ، واذا كانت أرصدة التسهيلات الائتمانية بالجنيه المصرى قد بلغت فى نهاية يونيو من العام الماضى 388 مليار جنيه ، فقد كان من الطبيعى أن تتسبب الفوائد على تلك التسهيلات بالعملة المحلية ، فى ارتفاع أرصدتها بالفوائد ، بنهاية نوفمبر الماضى الى نحو 408 مليار جنه . لكن ما حدث أنها بلغت فى نوفمبر 389 مليار جنيه ، أى بنقص حوالى 19 مليار جنيه ، عما كان من المفترض أن تصل إليه بالفوائد وذلك بافتراض عدم منح أية تسهيلات جديدة خلال تلك الشهور . ومن هنا يتضح تناقص الأرصدة الحقيقية للتسهيلات الائتمانية بالجنيه ، بمعنى أن البنوك تكتفى بتحصيل أقساط القروض القديمة ، دون منح تسهيلات جديدة لقطاعات الصناعة والتجارة والخدمات والزراعة . ليبقى قطاع وحيد زادت أرصدة قروضه حسب بيانات البنك المركزى خلال الشهور الخمسة بنحو 8ر3 مليار جنيه ، وهو القطاع العائلى الذى يضم الأفراد والجمعيات الأهلية . لكنه حتى هذا القطاع الذى قد يبدو للوهلة الأولى أن أرصدة تسهيلاته قد زادت ، أنها لم تزد فى الحقيقة ، حيث كان من المفترض وبحساب الفوائد على تسهيلاته بالجنيه ، أن تزيد أرصدته بنحو 6ر6 مليار جنيه خلال الشهور الخمسة ، لكنه عندما تكون الزيادة بالأرصدة المعلنة 8ر3 مليار جنيه فقط ، فهذا يعنى أيضا نقص أرصدة تسهيلاته الحقيقية بنحو 8ر2 مليار جنيه . توظيف آمن لأموال البنوك - ولأن المهمة الرئيسية للبنوك هى استقطاب المدخرات من المجتمع وإعادة توظيفها فى مجالات النشاط الاقتصادى ، فإن الأمر يقتضى التعرف على التوزيع النسبى لتوظيف البنوك لأصولها فى نوفمبر الماضى ، وهنا سنجد أن القروض قد استحوزت على النسبة الأكبر بحوالى 33 % من الإجمالى متضمنة جزء من القروض للحكومة . تليها الأوراق المالية من أسهم وسندات بنسبة 5ر22 % ، ثم أذون الخزانة بنسبة 19 % ، وتليها الأرصدة التى تودعها البنوك فيما بينها بالبنوك المحلية بنسبة 5ر9 % ، والأرصدة التى تودعها البنوك بالخارج بنسبة 4 % ، ونسبة 1 % للكاش لمواجهة احتياجات العملاء الطارئة و10 % كأصول أخرى متنوعة . - ومن هنا يتضح أن ظروف السوق المرتبكة قد دفعت البنوك للتوظيف الآمن لأموالها ، بشراء أذون وسندات الحكومة واقراض الحكومة ، على اعتبار أن الحكومة مضمونة ولا تفلس ، بعكس اقراض الشركات الذى تزيد معه مخاطر امكانية عدم استطاعتها السداد . بسبب ظروف السوق المضطربة وحالة الكساد السائدة ، والضبابية التى تحكم الصورة المستقبلية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، رغم أن اسمرار اقراض الشركات يزيد من فرص سدادها لما عليها من قروض قديمة ، كما يزيد دخل البنوك من الخدمات المصرفية التى تقدمها الى تلك الشركات . وهكذا نجد أن التوظيف الآمن والمضون قد استحوز عل نسبة 53 % من توظيفات البنوك ، بخلاف نسبة العشرة بالمائة الخاصة بالأصول الأخرى ، وذلك فى مجالات أذون وسندات الحكومة واقراضها والإيداع بالبنوك الأخرى المحلية والخارجية والكاش . وهكذا حلت البنوك مشكلة الحكومة التى تواجه عجزا متزايدا فى موازنتها ، ولم تحل مشكلة الشركات الإنتاجية والخدمية الظامئة للاقتراض منذ فترة ، والتى تعددت شكواها من صعوبة الاقتراض سواء فى مؤتمرات اتحاد الصناعات أو اجتماعات جمعيات المستثمرين أو تصريحات رجال الأعمال بوسائل الاعلام . 5ر10 % نمو للأذون و2ر0 % للقروض - وهاهو نموذج توسع البنوك فى توظيف أموالها فى شراء أذون الخزانة خير دليل ، حيث زادت أرصدة البنوك من أذون الخزانة خلال الشهور الخمسة الأولى من عمر الانقلاب ، بنحو 31 مليار جنيه بنمو 5ر10 % ، بينما زادت أرصدتها الاجمالية من التسهيلات الائتمانية بالجنيه وبالعملات الأجنبية متضمنة الفوائد ، نحو 1 مليار و90 مليون جنيه بنسبة نمو 2ر0 % فقط . وبالمقارنة للنشاط الإقراضى للبنوك خلال نفس الشهور من العام السابق ، والتى تمثل الشهور الخمسة الأولى من حكم الرئيس محمد مرسى ، فقد زاد اجمالى أرصدة التسهيلات المصرفية بنحو 4 مليار و862 مليون جنيه خلال الشهور الخمسة ، أى أكثر من أربعة أضعاف ماتم خلال نفس الشهور من عمر الانقلاب . - ويبدو قيام البنوك بالتدخل لحل المأزق الحكومى بسبب عجز الموازنة ، عندما نجد أن مشتريات البنوك من أرصدة أذون الخزانة حى نوفمبر قد وصلت نسبتها الى 72 % من اجمالى الأرصدة ، بخلاف نسبة 13 % لمشتريات صناديق الاستثمار من الأذون . والمعروف أن البنوك تمتلك غالب تلك الصناديق ، بما يشير لشراء البنوك وصناديقها نسبة 84 % من أرصدة أذون الخزانة ، لتتبق من مبيعات أذون الخزانة نسبة 3ر3 % للشركات القابضة الاستثمارية ، و2ر3 % لشركات التأمين و1ر1 % للأفراد و2ر0 % للعملاء الأجانب . ويتكرر نفس الأمر فى مبيعات سندات الخزانة الحكومية حيث تستحوز البنوك على نسبة حوالى 77 % من مبيعاتها بخلاف صناديق الاستثمار . تراجع النصيب النسبى للقروض - وتشير بيانات البنك المركزى الى تراجع النصيب النسبى للقروض من اجمالى أصولها ، ليصل الى 8ر32 % فى نوفمبر وهو أقل معدل له خلال السنوات الأخيرة ، حتى أنه فى العامين الماليين التاليين لثورة الخامس والعشرين من يناير كانت النسبة تزيد عن 37 % . والمثير أن نسبة القروض للأصول ظلت تواصل تراجعها خلال الشهور الخمسة الأولى من عمر الانقلاب بلا انقطاع ، بعد أن كانت النسبة تزيد عن 35 % بالشهر السابق للانقلاب ، مع الأخذ فى الاعتبار أنها أرصدة متراكمة منذ سنوات . ويتكرر نفس التراجع المستمر بلا انقطاع لنسبة القروض الى الودائع بالبنوك ، والتى انخفضت من أكثر من 46 % بالشهر السابق للانقلاب الى أقل من 44 % فى نوفمبر . ومازالت بيانات الاقراض التى يتم اعلانها مبهمة ، حيث لا نعرف كم منها طويل الأجل وكم منها متوسط وطويل الأجل ، حيث تزداد حاجة النشاط الصناعة للاقراض طويل الاجل ، كذلك مطلوب معرفة توزيع تلك القروض ما بين الشركات الصغيرة والشركات الكبيرة . وتوزيعها القروض على المناطق الجغرافية المحلية ، وزيادة التفصيل لنوعيات قطاعات النشاط الاقتصادى التى يتم تمويلها ، مثل قطاعات الصناعات الغذاية او النسيجية ونحو ذلك ، وكذلك الافصاح عن أعمار تلك الديون لنعرف كم الاقراض الجديد ، وأيضا قيمة الفوائد المحتسبة فى زيادات أرصدة الاقراض . - ولقد عبرت بيانات الائتمان المحلى التى أعلنها البنك المركزى عن الموقف بوضوح ، حين ذكر أن الائتمان المحلى = والذى يتضمن الاقراض وشراء الأوراق المالية معا - ، قد زاد أرصدته خلال الشهور الخمسة الأولى من عمر الانقلاب ، بنحو 5ر95 مليار جنيه ( متضمنا الفوائد بالطبع ) . حيث اتجه معظمها الى زيادة المطلوبات من الحكومة بنحو 6ر93 مليار جنيه ، بينما كانت قيمة زيادة المطلوبات من القطاع العائلى بنحو 7ر3 مليار جنيه فقط ، وزيادة المطلوبات من قطاع الأعمال العام بنحو 1 مليار جنيه فقط ، مع تراجع المطلوبات من قطاع الأعمال الخاص بنحو 8ر2 مليار جنيه . وهكذا تخلت البنوك عن دورها الاقراضى بالمجتمع الاقتصادى ، بعد أن تخلت خلال السنوات الأخيرة عن دورها الاستثمارى بالمساعدة فى انشاء الشركات الجديدة ، لتتجه غالب استثماراتها الى شراء الأذون والسندات الحكومية . - واذا كان البنك المركزى قد أعلن مؤخرا عن تخصيص 10 مليار جنيه للتمويل العقارى ، لصالح محدودى ومتوسطى الدخل ، فقد أشار البنك الى أن هذا المبلغ سيتم على مدار 20 عاما أى بمتوسط سنوى نصف مليار جنيه ، وهو ما يمثل أقل من نسبة 1ر0 % من أرصدة القروض حاليا . وحبذا لو كرر البنك المركزى تلك المبادرة مع الصناعات الصغيرة والمتوسطة ، والتى تعانى من صعوبات فى التمويل ، والتى تقوم بتشغيل الملايين وتوفر منتجات محلية تساهم فى استقرار أسعار السلع التى تنتجها . [email protected]